حديث المدينة عثمان ميرغني يكتب : وجع المصطلحات ..
أثار دهشتي للغاية ما ورد في الأخبار أن نائب رئيس مجلس السيادة السيد مالك عقار قال (أنه لا يمكن الحديث عن أية عملية سياسية تحت دوي المدافع و طلقات الرصاص..)، فالمعلوم أن الحرب –أي حرب- هي فعل سياسي، وأن أقوى أدوات مكافحتها هي بالتي كانت الداء، بالفعل السياسي أيضا.
وحرب 15 أبريل 2023 نشأت من واقع سياسي متأزم أنجب استقطابا حزبيا ثم تطور لاستنصار كل جانب سياسي بأحد المكونين العسكريين، الجيش والدعم السريع، ثم انفجرت الحرب على رايات وأجندة سياسة محضة.. وفي تقديري أن الأزمة الحقيقية التي جعلت مالك عقار يقول ذلك هي أزمة المصلحات.
كتبت كثيرا عن أزمة “المصطلحات” في أدبيات الخطاب السياسي السوداني، واعتبرت أن هذه الأزمة هي المسؤولة عن حالة “عكاظية الخطاب السياسي السوداني” التي تفرغ العمل السياسي من مضمونه العملي والتنفيذي وتحوله إلى محض هواء مبثوث في الهواء لا ينجض تمرا ولا يصفي قمحا.
في الفترة الأخيرة لفت نظري الافراط في تكرار عبارة “العملية السياسية”، تقال بالعربي و تتذوق بترجمتها الانجليزية Political Process.
والعبارة تبدو لا بأس بها في حال كونها مرتبطة بمعيار عملي أو توصيف دقيق لفعل محدد، لكنها للأسف تلقى في الهواء بلا محددات تجعل الامساك بمعناها موفيا لرصانة الخطاب السياسي أو مكملا لسياقه العملي.
الحقيقة أن عبارة “العملية السياسية” لا تعني شيئا في السياق العام لأن أي فعل أو قول سياسي قابل لاستلاف المعنى، فالسياسة هي قول أو فعل يقع في سياق متسلسل يجعله “عملية” Process بدرجة ما.
ما هو الفرق في استخدام عبارة “العملية السياسية” في خطاب مجموعة “تقدم” مثلا والكتلة الديموقراطية؟ أو الحزب الشيوعي ؟ او حزب البعث؟
صحيح قد تضاف لعبارة “العملية السياسية” بنود بعينها لتمنحها معنى محددا لكن الأصح أن ذلك يستوجب توصيفها بمآلات من تحققه هذه البنود وليس بكونها “عملية” Process.
مثلا..
“العملية السياسية” في سياق الخطاب السياسي السوداني عموما، بكل أطيافه الحزبية، يعني حزمة الاجراءات التي تستعيد شكل أو هياكل الفترة الانتقالية. وعندما يصرح السيد نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار بأن أية “عملية سياسية” يجب أن تأتي لاحقة لوقف الحرب واستعادة السلام فهنا يجدر ان يقفز السؤال، ومالذي يفعله الساسة حاليا؟ بما فيهم مالك عقار والمكونات السياسية في “تقدم” أو المجموعة الأخرى التي تضم الكتلة الديموقراطية والحراك الوطني وغيرهما. هل ما يمارسونه حاليا من قول وفعل سياسي يخرج من سياق “عملية سياسية”؟ وبالتالي عليهم الانتظار لما بعد نهاية الحرب قبل أن يلتقوا ويتشاوروا ويتفقوا على خطوات سياسية يعملون على تنفيذها حاليا؟
الجنرال Carl von Clausewitz واحد من أهم المنظرين الاستراتيجيين قال ( الحرب أداة سياسية)
War is an Instrument of Policy
الحرب ليست مجرد فعل سياسي، بل امتداد للخطاب السياسي.
“war is not merely a political act but a real political instrument, a continuation of political intercourse, a carrying out of the same by other means.”
من هذا، لا يمكن الحديث عن فصل لما أسماه الساسة (العملية السياسية) عن العمل العسكري، ولا يجدو اعتبارها، أي ما تسمى بـ”العملية السياسية” فعلا منعزلا عن الحرب.
بل في تقديري أن المدخل لوقف الحرب هو العمل السياسي، وليس “العملية السياسية” بالفهم الذي يسوقه ساستنا.