حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب : قطع الاتصالات بالسودان

شهد السودان منذ يوم أول أمس اظلاما شبه كامل لقطاع الاتصالات، في حلقة جديدة من مسلسل تعذيب الشعب السوداني الذي طُرد من بيته وعمله بعد قتل أحبائه واغتصاب بناته، و كأني لم يكن ينقصه إلا عقابا جماعيا بحرمانه من التواصل الاجتماعي والاقتصادي و ممارسة القدر المتبقي من أسباب الحياة،

فنيا قطع الاتصالات عمل (لا يحتاج إلى بطل) خاصة في ظل شبكة مصممة بلا احتراز لمثل هذا الاجراء، و في ملمات سابقة مثل فض اعتصام ساحة القيادة قُطعت شبكة الانترنت عن الشعب السوداني لأكثر من شهر، وخلال التظاهرات بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 تكرر قطع الاتصالات واحيانا الانترنت طوال ساعات النهار وبضع من الليل.

لكن هذه المرة الأمر مختلف، فهو ليس قطع للاتصالات وحدها، بل حرمان للشعب السوداني من خدمات حتمية في ظل الأوضاع التي فرضتها حرب 15 أبريل 2023، خاصة مع اعتماد الشعب السوداني بصورة كاسحة في تعاملاته اليومية على التطبيقات البنكية، وفي التواصل الاجتماعي بعد تشتت الأسر بين قوسي النزوح واللجوء.

قوات الدعم السريع بعد الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها في جميع أنحاء السودان جف خطابها السياسي من أي منطق يبرر الحرب أمام الشعب السوداني بل والمجتمع الدولي، وتساقطت حيثيات من مثل دعم الانتقال الديموقراطي و مكافحة الفلول ثم لافتة دولة 56، كلها توارت خلف حجب جرائم الحرب الواسعة وأخرها ما تعرضت له ولاية الجزيرة من فظائع، ليأتي قطع الاتصالات ليقطع آخر خيط تتعلق به في محاولات تحسين الصورة عبر تحالفها السياسي مع الحرية والتغيير ثم مجهودات تقديم المساعدات الانسانية في بعض المناطق الواقعة تحت نيران الحرب مباشرة أو حتى للجاليات السودانية التي لاذت بدول الجوار.

يصبح السؤال الحتمي،علام تفاوض قوات الدعم السريع سياسيا؟
من المقبول بل المطلوب أن يكون التفاوض مباشرا بين الجيش والدعم السريع لأنه الطريق الأفضل والأسرع للوصول إلى السلام في كل أنحاء السودان، لكن لم يعد على مائدة الحوار من أوراق أو أجندة سوى قرار من الطرفين بوقف الحرب فورا وخروج الدعم السريع من بيوت المواطنين والمقار العامة والبقاء في معسكرات خارج المدن لحين استكمال بقية المفاوضات حول الترتيبات الأمنية، هذا وحده المتاح في ظل الظروف الحالية التي لم تعد تحتمل مط التفاوض بأية أجندة سياسية تنظر إلى ما بعد الحرب.

وفي المقابل أيضا، القوى السياسية بكل مساقاتها، المصطفون خلف الجيش أو الدعم السريع عليهم أن يدركوا حتمية ملء الفراغ السياسي بالتوافق على منصة واحدة تجمعهم لترسيم مستقبل ما بعد الحرب.

أوضاع الشعب السودان بلغت الحلقوم وربما فاتته، ولم يعد ممكنا الانتظار أكثر، ومصير البلاد نفسها بات يتأرجح في الهواء على شفا جرف هار.. فما عاد الوقت يسمج برجاءات أو عشم في حلول تحملها أيد غير المكتوين بجمرات الحرب.

مقالات ذات صلة