خالد عمر: خطاب قائد الجيش افتقد لاستشعار خطر اللحظة
قال القيادي بتنسقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) خالد عمر يوسف، إن خطاب القائد العام للقوات المسلحة بالأمس في جبيت دون الطموح، إذ أنه افتقد لاستشعار خطر اللحظة الحالية، وانقاد البرهان للثأر لشخصه من تعليقات حميدتي اللاذعة في تصريحاته الصحفية عوضاً عن النظر لحال البلاد وما آلت عليه، والصحيح في هذه اللحظة هو النأي عن التصعيد والتصعيد المضاد من جميع الأطراف ووضع مهمة رفع المعاناة عن الشعب السوداني أولاً وقبل كل شيء.
وأضاف في تدوينة بحسابه الرسمي بفيسبوك: “رغم هذا نقول بأنه لا زالت الفرصة مواتية للسلام، لقد تبين خطل خطابات التحشيد الحربي التي تستند على الأكاذيب لا على الحقائق، خطابات منت الناس بنصر سريع والنتيجة الآن هي العكس تماماً. خطابات رفعت راية الدولة ومؤسساتها بادئ الأمر وها هي الآن تمضي نحو تحطيم الدولة ونقض غزل مؤسساتها دون أن يرمش لها جفن. خطابات تدثرت بادعاء الدفاع عن السيادة الوطنية، وها هي الآن تغرق في مستنقع تمزيق السيادة وفقدانها للأبد عبر تحويل السودان لساحة معركة إقليمية لا ناقة لشعبنا فيها ولا جمل”.
وقال إن (تقدم) ستظل متمسكة بخيار البحث عن السلام واعتزال الفتنة كلياً، لن تصطف مع الأجندة الحربية إطلاقاً، وستنأى عن كل ما يزيد حدة الاستقطاب في بلادنا، فلا مخرج من هذه الكارثة سوى الحلول السلمية التفاوضية، هذا هو خيارها قبل الحرب وحين اندلاعها والآن وغداً، وهو الخيار العقلاني الصحيح الذي لن تفرط فيه ولن تلتحق بحفلات الجنون الشامل التي تدق طبولها وتنعق بها غربان الشؤم التي تتعالى أصواتها غير آبهة بمعاناة ملايين من الأبرياء الذين يدفعون ثمن خيارات من أشعلوا هذه الحرب واستثمروا في استمرارها سعياً لمصالحهم الذاتية الضيقة.
وأشار إلى أن (تقدم) عندما طرحت تصورها للوصول لوقف الحرب وبناء سلام مستدام، كانت تدرك بأن هذا الطريق لن يكون معبداً بالورود، فاختيار السلام وإعلاء صوت الحكمة والتعقل في وسط حالة الجنون التي تعصف ببلادنا أمرٌ مضنٍ وله تبعات قاسية يشق تحملها للكثيرين.
وقال إن ما دفع (تقدم) لتحمُّل هذه المسؤولية هو إدراكها بأنه لا حل خارجي للأزمة السودانية، فالسودان ليس أولوية قصوى في أجندة المجتمع الدولي المزدحمة بقضايا عديدة، ويقع السودان في مدار انقسام إقليمي عميق يصعب مهام المنظمات الإقليمية في التوافق حول مقاربة فاعلة لإحلال السلام في السودان. بلادنا تحترق وتتمزق ومسؤولية إطفاء هذا الحريق تقع على عاتق السودانيين أولاً وأخيراً، لذا لا يمكن الانتظار لحل يهبط علينا من السماء.
ونبه خالد عمر إلى أن عامل الزمن لا يصب في مصلحة السودان، فبعد تسعة أشهر من الحرب المدمرة التي قتلت الناس وشرّدتهم في مدن النزوح واللجوء وأذلتهم وأفقدتهم ممتلكاتهم بالسلب والنهب والقصف، صار حال كل سوداني قصة مأساوية تغني عن السؤال وتدمي القلب بسبب انقطاع سبل الحياة وازدياد قساوتها يوماً بعد يوم. مع كل هذا فإن تطورات الحرب تنبئ بعدم إمكانية الحسم العسكري الذي ظل قادتها يبشرون به منذ اندلاعها، بل على العكس تماماً فإن ديناميكيات الحرب تتطور نحو نقطة اللا عودة.
تجارب من حولنا في القارة لم تتعاف بعدها إطلاقاً، ولم تقم للدولة قائمة إثر ذلك.
وتابع: “إضافة لخطر الحرب الأهلية الشاملة، يتزايد خطر انزلاق السودان ليكون ساحة حرب إقليمية ودولية، فالطرفان المتقاتلان يحظيان بدعم وسند إقليمي ذي مصالح متضاربة، ومع ازدياد حالة الاستقطاب في القرن الافريقي والبحر الأحمر، صار أمر حدوث صدام مسلح إقليمي على أرض السودان مسألة وقت ليس إلاّ، حينها لن تكون كلمة السودانيين هي الأعلى في تحديد مستقبل بلادهم”.
وأضاف أنه ومع تسارع الخطى نحو انزلاق البلاد لحرب أهلية شاملة، ولتحولها لساحة صراع إقليمي ودولي مسلح، كان لزاماً عليهم كقوى مدنية وطنية أن نتحرك إلى الأمام، لذا طرحت (تقدم) مشروع خارطة الطريق وإعلان المبادئ، ومن ثم أتبعته بخطابات أرسلتها للطرفين المتقاتلين بتاريخ ٢٥ ديسمبر الماضي تطلب فيها لقاءات مباشرة لبحث قضايا وقف الحرب وحماية المدنيين وتوصيل المساعدات الإنسانية.
وأشار إلى أن الأمر التبس على البعض بتسمية جهد (تقدم) بالوساطة، وهو لبس واضح لا تخطئه العين، فالقوى المدنية الديمقراطية ليست وسيطاً في شأنها الوطني، بل هي فاعل رئيسي له رؤى وتصورات حول جذور الأزمة في البلاد وآفاق حلولها، لذا فإن تحرك (تقدم) جاء من موقع الفاعل لا موقع الوسيط، وطرحت أفكاراً واضحة حول الخروج من المأزق الراهن، وطرحت هذه الأفكار لشعبنا أولاً عبر نشر مشاريع خارطة الطريق واعلان المبادئ، وللفاعلين الإقليميين والدوليين، وللطرفين المتقاتلين، فأي حرب تلك التي يراد إيقافها سلماً دون التخاطب المباشر مع حملة السلاح وبحث بدائل معهم تجعل من اعتزال هذه الفتنة ممكناً، ومن التوجه للحلول السلمية التفاوضية خياراً مفضلاً.
وقال خالد عمر إنّ الدعم السريع استجاب دون تردد للدعوة، وتلقت (تقدم) إشارات إيجابي بادئ الأمر من قبل الجيش، مما دفعها للمضي قُدماً لاغتنام هذه الفرصة، وبالفعل جاء إعلان أديس أبابا كاختراق سلام مهم في ساحة سيطرت عليها خطابات التحشيد الحربي.
وأوضح خالد عمر أن إعلان أديس أبابا نص على استعداد الدعم السريع التام لوقف فوري غير مشروط للعدائيات عبر تفاوض مباشر مع القوات المسلحة يقود لاتفاق ملزم برقابة فاعلة على الأرض. أنتج إعلان أديس أبابا إطلاقاً فورياً لسراح ٤٥١ أسيراً، وتوصل لترتيبات عملية لحماية المدنيين وتوصيل المساعدات الإنسانية، وعالج قضايا مهمة منها عودة المدنيين لمنازلهم وتشغيل الخدمات الرئيسية. ليس هذا فحسب، بل قفز إعلان أديس أبابا من مجرد الوقوف عند محطة التعاطي مع آثار الحرب الراهنة لاستكشاف سبل الحل النهائي عبر نصه على مبادئ رئيسية للحل النهائي واعتماده مشروع خارطة الطريق كأساس جيد لمناقشات إنهاء الحرب وإحلال السلام المستدام، وهذا ما يجعل إعلان أديس أبابا ليس اتفاقاً ثنائياً مغلقاً بين تقدم والدعم السريع، بل هو إعلان تكتمل جدواه بصورة كاملة بما ورد في الفقرة الأخيرة منه، وهو السعي للقاء مع الجيش والوصول لتفاهمات تثمر التزامات مماثلة، فوقف الحرب يتطلب قبول جميع أطرافها ولا حرب تتوقف بالتزامات من طرف واحد، لذا فإنّ السانحة التي لاحت هي الالتزامات التي تعهد بها الدعم السريع بالتوجه نحو السلام، وصارت الكرة في ملعب الطرف الآخر وهو القوات المسلحة التي إن كانت ردت التحية بمثلها لصار أمل السلام ممكناً وتجنب الحرب الأهلية والصراع الإقليمي متاحاً الآن دون تأخير.