تأملات.. جمال عنقرة يكتب .. مالك عقار .. يمثلنا جميعا
عندما كان السيد مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة يلقي خطابه مساء أمس الأول الإثنين ٢٥ ديسمبر، كنت خارجا من اجتماع في المجلس المصري للشؤون الخارجية في ضاحية المعادي بالعاصمة المصرية القاهرة، رفقة مجموعة من المشاركين في مشروع الحوار السوداني السوداني الشامل، مع السفير صلاح حليمة للتفاكر حول مشروع المبادرة المجتمعية لحل الأزمة السودانية التي شاركت في صياغتها مجموعات من ممثلي القوي السياسية وغير السياسية السودانية، ويتولي المجلس المصري للشؤون الخارجية رعايتها، وتهيئة الأجواء لنجاحها، وفي طريق عودتي للمنزل وصلتني رسالة من أخي البروفيسور عبد الرحيم عثمان ثاني المدير الأسبق لجامعة الإمام المهدي، شيخ الصابرين والمحتسبين، وتقول الرسالة “عقار .. يمثلني” وبروف عبد الرحيم فضلا عن ولاية النيل الأزرق التي تجمعه مع السيد عقار، فعندما كان عقار حاكما للنيل الأزرق بعد سلام نيفاشا عام ٢٠٠٥م، كان عبد الرحيم رئيسا لمفوضية السلام في الولاية، ورغم أنهما كانا يمثلان حزبين مختلفين لكنهما كانا متعاونين في الشأن الوطني العام، ورغم المياه الكثيرة التي جرت تحت الجسر، إلا أن ما بين الرجلين من وصل وإحترام لم ينقطع، فلما قلت لبروف عبد الرحيم اني لم استمع لخطاب السيد عقار، بعث لي بالرابط الذي يوصلني به في الفيسبوك.
وقبل أن استمع إلى الخطاب انهالت علي بريدي رسائل من أصدقاء وقراء كثر تشيد بخطاب السيد عقار، وبعضها ينقل لي التهاني والشكر والتمجيد، ذلك اني كنت من السابقين في التبشير بالسيد عقار فارسا لهذه المرحلة المفصلية من تاريخ السودان، ومراهنا عليه زعيما يوحد الشعب، ويقود مشروع الخلاص الوطني، وما قال به السيد عقار في خطابه أمس الأول لم يكن فيه جديد شديد، غير انه اتي في وقته، وبلغة واضحة وصريحة، وكلمات قاطعة، والشعب السوداني كله كان ينتظر خطابا مثل هذا، لا سيما بعد فاجعة عروس الجزيرة الخضراء مدني السني، ولعل السيد عقار قد قرأ ما يجيش في صدور المواطنين، فعجل بنقل رسالة القوات المسلّحة لشعبها، وكان الجيش يريد أن يقدم رسالته “بيان بالعمل” فقال لهم عقار ان ما حدث في مدني هو مجرد معركة من معارك الحرب، وليس كل الحرب، وأن الجيش يعلم جميع مخاوفكم، ويعمل لها ألف حسام، وبشرهم بأن معركة النصر الفصل قريبة بإذن الله تعالي، فنام السودانيون في تلك الليلة هانئين مطمئنين، كما لم ينوموا من قبل
رسالته المهمة الأخري كانت للشعب السوداني، لتوحيد جبهته الداخلية، والوقوف صفا واحدا مقاتلا مع قواته المسلحة، فالمعركة لم تعد بين الجيش ومتمردين عليه، ولكنها صارت معركة بين الشعب وبين غزاة بغاة معتدين نهابين مغتصبين، ومثل هذه المعارك يقودها الشعب قبل الجيش، وليس من خلفه، ولا حتى معه، وهذا ما فعله كثيرون من أهلنا في بقاع عدة من وطننا الحبيب، ولعل هذا يكون بداية لتكوين جبهة وطنية عريضة تقود العملية السياسية بعد دحر الغزاة المعتدين، وتطهير الأرض من دنسهم.
رسائل واضحة أخري قوية قدمها السيد عقار للغزاة والذين يقفون معهم ويدعمونهم، سواء كانوا من أهل السودان أو خارجه، ولعلهم يعون الرسالة قبل فوات الأوان، فمن يقاتل من أجل النهب والسلب والاغتصاب، لن ينتصر علي من يقاتل دفاعا عن النفس والأرض والمال والعرض، فلعلهم يعودون إلى صوابهم. ورغم ما بين السيد عقار والإسلاميين من خلافات واختلافات، وحروب استمرت ربع قرن من الزمان، لكنه شهد لهم بما لم يشهد به من هم أولي بذلك، وبرأهم من الافتراءات والاكاذيب التي تزعم أنهم اشعلوا الحرب، وقطع بأن الحرب اشعلها من حشد الجيوش لمهاجمة قاعدة مروي الجوية يوم الخميس الثالث عشر من شهر أبريل ٢٠٢٣م.
ولم ينس السيد عقار تجديد طرح مشروعه المحوري للعبور بعد النصر والانتصار بإذن الله تعالي، والذي يبدأ بحوار سوداني سوداني شامل لا يستثني أحدا أبدا، وفترة تأسيس للدولة تقودها حكومة كفاءات وطنية غير حزبية، ثم انتخابات عامة حرة نزيهة مباشرة تحدد من يحكم السودان.
والسيد عقار بهذا لا يمثلك وحدك أخي العزيز بروف عبد الرحيم، ولكنه يمثلنا جميعا أهل السودان الوطنيين المتطلعين إلى يوم تشرق فيه شمس وطن عزيز مرفوع الرأس، حرا ابيا بإذن الله تعالي.