الحرب الإثيوبية وخيارات السودان
عبدالسميع العمرابي (عين فاحصة)
لفترة طويلة امتدت لحوالي العامين ابتعدت فيها عن معانقة الحرف ربما تاسيا بحكمة واسيوعية موسى صبري في مجلة آخر ساعة في ثمانينيات القرن الماضي (، بعيدا عن السياسة)،، بحثا عن صحة القلب والعقل وظلت فقط في خانة القاريء والمراقب والمستمتع بالقراءة للاخر.. وربما كنت ساواصل هذا النهج الرائع في البقاء بعيدا عن السياسة بيد أن الصحفي محمد سلمان قد أراد من خلال سجاله الجميل مع الوليد العوض ومحمد حامد جمعة اخراجي من ذاك الكهف الجميل وغازلني بدعوة مبطنة للكتابة عن الحرب الأهلية الإثيوبية وتداعياتها الواضحة الحالية والقادمة على السودان بل ربما يمكن أن تقول بشكل أكثر وضوحا وجراءة انعكاساتها على العلاقات السودانية الإثيوبية.
وان حاولنا العودة إلى جذور محنة قومية التقراي باثيوبيا .. فنقول أن المصائب قد أطلت برأسها على التقراي في إثيوبيا حين غاب الزعيم التاريخي والرجل القوي ملس زيناوي فجاءة عن المشهد في أغسطس 2011 وتلك الفاجعة قد اربكت حسابات جبهة تحرير التقراي وهي آنذاك كانت قلب وعقل المكون السياسي للجبهة الديمقراطية لشعوب إثيوبيا أو ما نطلق عليه حاليا الحاضنة السياسية للدولة الإثيوبية فانذاك كانت جبهة تحرير التقراي هي التي تملك الفيتو في كل قضايا الشأن الإثيوبي من سياسة إلى اقتصادية إلى عسكرية وغيرها
وعقب غياب زيناوي المفاجئ تواصلت الاجتماعات المغلقة للجبهة بغرض اختيار خليفة لملس زيناوي ليحتفظ بمقعد رئيس الوزراء على أن يظل هايلي ماريام ديسالن في موقعه وهو نائب رئيس الوزراء وهو الرجل المغمور والمعروف بزهده في الحكم فلم يكن لديه مانع أن يبقى في موقعه وقد كان النقاش والسجال ساخنا وقويا في اجتماعات جبهة تحرير التقراي وقد اختلفت الآراء بل ولمدة اسبوعين كاملين كان الجدال قويا مابين فريقين فريق الحكماء وتمثله القيادات الراديكالية للجبهة وهم أهل الخبرة والحكمة بقيادة المفكر المعروف سبحت نقا وتسانده المناضلة ازب مسفن زوجة الراحل زيناوي ووزير الاتصالات وهذا الفريق كان يرى بضرورة التمسك بالحقوق التاريخية التقراي وتصحياتهم المعروفة من أجل إثيوبيا مشيرين إلى عدم التفريط في منصب رئيس الوزراء بأي حال ومحذرين من مخاطر أضعاف المكون السياسي التقراي بالحكم بالنظر إلى خلفيات تاريخية مؤلمة والصراع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للتقراي مع القوميات الإثيوبية الأخرى وخاصة مع الامهرا والارومو ولذلك أوصت هده المجموعة وهم كما أشرنا من حكماء جبهة تحرير التقراي اوصوا بتصعيد وزير الصحة آنذاك ادحانوم وهو الرئيس الحالي لمنظمة الصحة العالمية ولكن الفريق الآخر والذي كان يمثل صوت الانفتاح والتماشي مع التطورات السياسية في أفريقيا واتباع نهج الديمقراطية ورغبة بعض دول الغرب في أن تتغير إثيوبيا .، واوصى هذا الفريق بضرورة تصعيد رجل ملس زيناوي الجديد ديسالن المنتمي إلى قومية الولايتا وهي واحدة من القوميات صغيرة الحجم بالجنوب الإثيوبي وحجة هذه المجموعة أن هذه هي رغبة ملس زيناوي فانتصر رأيهم دون أن يعلموا أن هذه الخطوة هي بداية النهاية لحكم التقراي بل بالمعنى الأصح القضاء على نفوذ التقراي باثيوبيا. . وللحق فإن فترة نفوذ التقراي باثيوبيا والتي امتدت لأكثر من عقدين من الزمان قد تحققت فيها طفرة ونهضة إثيوبية في كل المجالات .
ونعود إلى الحرب الأهلية التي شكلت امتدادا للصراع التاريخي المعروف للتقراي مع القوميات الأخرى وخاصة الامهرا
ولكن قد تكون خسائر التقراي الآنية هي الأكثر وضوحا بكون أن الجميع ضدهم فلا حليف داخلي واضح ولانصير إقليمي ولا دولي حتى أن التعاطف الدولي مع الكارثة الإنسانية للاجئين التقراي يكاد أن يكون غائبا لأسباب عديدة منها وجود تاجر العقارات ترامب في الحكم حتى الآن كورونا وغيرها من الأسباب السياسية والاقتصادية
اما موقف السودان فهو الأكثر تأثرا بالحرب بكون أن الفارين من الحرب جميعهم قد يمموا شطر الغرب للحدود السودانية بعد أن احكم العدو اللدود للتقراي اسياس قبضته وتمدد في مناطق النزاع بإقليم بادمي فوجدها سانحة لاتعوض فاستعاد كل الأراضي التي يعتقد أنها حقوق إريتريا المغتصبة منذ عهد غريمه الراحل زيناوي
ومايؤسف له أن التعامل من قبل السودان مع كارثة الحرب الداخلية الإثيوبية لم يكن بمستوى ضخامة الحدث وتداعياته المتوقعة فوجود الجيش السوداني بالحدود الإثيوبية السودانية ما زال ضعيفا هشا وحتى أهداف ذلك الوجود انحصرت في مهام تشابه مهام الجمارك أو المكونات المدنية بالحدود فكان الاحرى بأن يتم اتخاذ قرار سياسي واضح ان ترسل تعزيزات عسكرية ضخمة بهدف استعادة معظم أن لم يكن جميع الأراضي الزراعية المغتصبة منذ عقود وخاصة في الفشقة الكبرى وهي مساحات تقارب المليون فدان بجانب مساحات أخرى بالفشقة الصغرى باتجاه دوكة والقلابات والقريشة وهي أكثر من نصف المليون فدان وكان من السهل اتباع نفس الاسلوب البرجماتي الاريتري في استعادة السيطرة على الأراضي الزراعية المحتلة
اما بشأن التعامل مع الأزمة الإنسانية في الحدود مايؤسف له أن ردود الفعل الدولية كانت خجولة ومحل شك لأن الأزمة كبيرة في ظل ظروف قاسية يعيشها الاقتصاد السوداني فكان الأولى أن تنظم الحكومة السودانية حملة إعلامية ضخمة تخصص لها كل المعينات لإخراج صوت السودان عاليا وتكثيف المناشدة لكل الآليات الإقليمية والدولية من أجل دعم جهود السودان في إحتواء كارثة اللاجئين الإثيوبيين.
نواصل