فورين بوليسي: هل سيكون الانقلاب القادم في أفريقيا بتشاد؟
نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية الشهيرة، اليوم تقريراً عنونته بـ(هل سيكون الانقلاب القادم في أفريقيا في تشاد؟)، وقالت إن الاستفتاء الدستوري الذي ينطلق الأحد القادم في تشاد؛ من شأنه أن يؤدي إلى ترسيخ حكم أسرة ديبي، إلا أن موقف إنجمينا حيال السودان يؤدي إلى انقسام النخب الحاكمة في البلاد.
وقالت كاتبة التقرير الصحفية، نصموت غباداموسي، المتخصصة في الشؤون الأفريقية، إنّ الدستور الجديد المقترح، يُمكن الجنرال، محمد كاكا من المواصلة في إرث والده، الرئيس السابق إدريس ديبي إتنو، الذي أعاد خلال أكثر من ثلاثة عقود من الحكم الشمولي، أعاد صياغة الدستور في كل مرة كان فيها الحد الأقصى لفترتين.
وأوضحت الصحيفة أن الدستور الجديد يصفه المعارضون لنظام ديبي بأنه لا يختلف كثيراً عن دستور الديكتاتورية القديمة، الذي ركّز السلطة في يد رئيس الدولة.
ويتجه الاقتراع، الذي نظمه زعيم المجلس العسكري الجنرال، محمد كاكا إدريس ديبي، إقامة دولة وحدوية على الخيار الفيدرالي الذي تفضله أكثر من 300 حزب معارضة في تشاد.
ووصف المحللان السياسيان دانييل إيزينغا وكاتي نودجيمبادم، الاستفتاء بأنه أحدث خطوة يتخذها ديبي لإدارة عملية انتقال ديمقراطية ظاهرية، من أجل الحفاظ على “سلالة” عائلته في الحكم، عندما يترشح للانتخابات الرئاسية العام المقبل.
في أكتوبر الماضي، قالت واشنطن، إنّ توصيات الحوار الوطني تشكل احتكاراً للسلطة في السلطة التنفيذية الحالية.
وفي خطوة مدعومة من فرنسا، تولى كاكا منصبه وعُلِّق الدستور بعد مقتل والده إدريس ديبي إتنو في مايو 2021، والتي جاءت في معركة أثناء قتاله المتمردين. وقد تم سحق الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في أكتوبر الماضي بعنف. وقتلت الشرطة ما يقدر بنحو 128 شخصاً وأصابت أكثر من 500 آخرين. وسُجن المئات بعد ذلك بتهمة التجمع غير المُصرّح به.
في ذلك الوقت، كان الجدول الزمني للانتقال الذي وضعه ديبي يعتمد على حوار وطني شامل يركز على دستور جديد وإصلاح سياسي. تم اختيار المنظمين، الذين انعقدوا في أغسطس 2022، من قبل ديبي، وكانت فرصتهم محدودة لإجراء حوار حقيقي مع جماعات المعارضة. وكانت النتيجة تمديد حكومة ديبي الانتقالية لمدة عامين وبنداً يجعله مؤهلاً للترشح في الانتخابات المقبلة. كما تم تشكيل لجنة تنظيم الاستفتاء الدستوري في يناير، تتكوّن من أعضاء الحزب الحاكم.
وطلبت بعض جماعات المعارضة من التشاديين، مُقاطعة الاستفتاء أو التصويت بـ”لا”. ويزعم هؤلاء أن الدولة الوحدوية في تشاد هي عبارة عن “نظام أسري” فشل في تحسين الأوضاع في البلاد. واتهمت جماعات حقوقية، المجلس العسكري بترهيب وإسكات المعارضة ووسائل الإعلام قبل الاستفتاء المُقرّر.
ومن الممكن حدوث سيناريو مُشابِه للأحداث الأخيرة في الجابون المجاورة لتشاد. وكما ذكرت صحيفة الإيكونوميست فإنّ “الانقلاب في القصر قد يُشكِّل تهديداً أكبر لديبي من صندوق الاقتراع.. يكاد يكون من المُؤكّـد أنّ إخوته غير الأشقاء لديهم تطلعاتهم الرئاسية الخاصّة، كما أنه أزعج الجيش بإحالة عدد كبير من الجنرالات إلى المعاش”.
ويُواجه ديبي، تهديداتٌ مُتعدِّدةٌ، ففي السودان المجاور، اتُّهم بالسماح للإمارات العربية المتحدة بنقل الإمدادات عبر تشاد إلى قوات الدعم السريع المتمردة!!
وينتمي أعضاء الدائرة الداخلية الحاكمة في تشاد، بما في ذلك الوالد الراحل إدريس ديبي، إلى قبيلة الزغاوة غير العربية، والتي تُشكِّل نسبة صغيرة من إجمالي سكان تشاد.
تقول فورين بوليسي، إن التحالف المزعوم بين حكومة كاكا والإمارات، قد وضع كاكا على مسار تصادمي مع نخبة الزغاوة. وتوقعت عشيرة تشاد القوية سياسياً أن يدعم ديبي، مليشيات الزغاوة العرقية بدارفور في قتالها ضد قوات الدعم السريع، لاستهداف الأخيرة وقتلها المجتمعات غير العربية في دارفور.
ويُواجِه كاكا، مظالم من داخل جيشه بالإضافة إلى تهديدات من المتمردين المدعومين من روسيا. وحذّرت وكالات الاستخبارات الأمريكية، المجلس العسكري التشادي من أن مرتزقة مجموعة فاغنر يساعدون المتمردين التشاديين المتمركزين في جمهورية أفريقيا الوسطى في محاولة للإطاحة بديبي.
كل هذه العوامل تزيد من خطر عدم الاستقرار بالنسبة لآخر حليف لفرنسا في منطقة الساحل. وبعد طرد القوات الفرنسية من مالي والنيجر، نقلت باريس عملياتها ضد الجهاديين إلى تشاد.
وفي الشهر الماضي، وافق البرلمان المجري على نشر ما يصل إلى 200 جندي في تشاد.
وتعتبر تشاد مركزاً إنسانياً رئيسياً للاجئين الفارين من الحرب في السودان، وتلوح في الأفق أزمة جوع، لأنّ برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ليس لديه ما يكفي من المال لمواصلة إطعام اللاجئين. وقد عبر ما يقرب من نصف مليون سوداني الحدود إلى تشاد منذ بدء الصراع على السلطة في أبريل بين الجنرالات المتنافسين في السودان.
ومِمّا يزيد الطين بلّه أن المشاعر المعادية لفرنسا آخذةٌ في الارتفاع، مع تزايد الدعوات المطالبة برحيل القوات الفرنسية. واتهم أوردجي عبد الرحيم شاها، رئيس حزب التجمع من أجل العدالة والمساواة المعارض، ديبي باستخدام الجنود الفرنسيين لإبقاء نفسه في السلطة.
واندلعت الاحتجاجات في سبتمبر بعد أن أطلق ممرض في الجيش الفرنسي، النار على جندي تشادي فأرداه قتيلاً. ومنعت قوات الأمن، الأهالي من اقتحام القاعدة بإطلاق النار، مما أدى إلى إصابة ما لا يقل عن 15 شخصاً، بينهم نساء وأطفال.
وكما كتب نودجيمبادم في ديسمبر الماضي في مجلة فورين بوليسي: “إذا كان كاكا لا يشعر بالخوف من الحكم مع الإفلات من العقاب، فقد يكون ذلك لأنّ المجتمع الدولي سمح له بذلك. محمد، مثل والده، يتجنّب العقاب بفضل سُمعة تشاد كحصن للاستقرار”.
لقد شهد العالم النتيجة النهائية لسيناريوهات مماثلة حدثت في جميع أنحاء أفريقيا على مدى العامين الماضيين. وكان التسامح مع الأنظمة غير الديمقراطية من جانب الهيئات الإقليمية في أفريقيا، فضلاً عن الحكومات الدولية، سبباً في تيسير السلطوية الصريحة من خلال الانقلابات التي أصبح من المستحيل – تقريباً القضاء عليها.
صحيفة السوداني