عاصمة السودان البديلة ترزح تحت «الملاريا» و«طنين الذباب»

بورتسودان يحاصرها الزحام... والنفايات

منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» منتصف أبريل (نيسان) الماضي، تحولت مدنية بورتسودان المطلة على شاطئ البحر الأحمر، إلى عاصمة إدارية بديلة؛ إذ انتقلت إليها الوزارات والإدارات الحكومية، قبل أن ينتقل إليها رئيس «مجلس السيادة» قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، بعد خروجه من قيادة الجيش المحاصرة في الخرطوم، واتخذها مقراً لقيادته و«حكومته».

ورغم أن بورتسودان هي واجهة البلاد الشرقية وميناؤها ومدخلها على البحر، فإن زائرها يشعر بأنه في مدينة مهملة، طرقها متهالكة مليئة بحفر تجعل ركاب السيارات وسائقيها يشعرون كأنهم على مراجيح، بينما يتصاعد غبار كثيف نتيجة لحركة الناس والسيارات.

جرت تحديثات طفيفة جداً على المدينة بعدما انتقلت إليها الحكومة والجهاز التنفيذي بكامله والبعثات الدبلوماسية ووكالات السفر والسياحة، وأصبح مطار بورتسودان هو الباب الوحيد للحركة الجوية من السودان وإليه، ويشهد حركة جوية كثيفة للقادمين والمغادرين. لكن كل ذلك لا يؤهل المدينة الساحلية لتكون بديلاً للخرطوم.

عروس البحر
تسمى بورتسودان «عروس البحر»، وتتمتع بمناخ البحر الأبيض المتوسط (حار جاف صيفاً، بارد ممطر شتاء)، وتشهد هذه الأيام سقوط أمطار حولت وسطها إلى بركة ماء كبيرة، ما أدى إلى تكاثر البعوض، وانتشار الملاريا وسط المواطنين، فيما تسببت أكوام النفايات في انتشار الذباب بشكل لافت بل «مخيف».

إذا سمعت صوت طنين عالياً، فهو الطبع لا يصدر عن معزوفة موسيقية أو أن الريح تغازل البحر، فهو طنين الذباب الذي ينتشر بالملايين في المدينة، يصارع الناس على مأكلهم ومشربهم، لدرجة أن بورتسودان يمكن أن توصف بـ«مدينة الذباب».

ويقول مواطنون في حي «سلالاب» لـ«الشرق الأوسط»، حتى محاولات التخلص من النفايات المكدسة في مدينتهم بحرقها، تسبب لهم أمراضاً تنفسية وصدرية، وتزيد أصحاب الأمراض التنفسية المزمنة سوءاً.

لم يفلح الرش بالمبيدات في القضاء على «ذباب بورتسودان»، ما اضطر الناس للتخفيف من تكاثفه في محالهم ومتاجرهم، بل بيوتهم بإطلاق «البخور» لعله يفلح في طرده، وبالطبع فهي وسيلة بدائية غير كافية.

أسواق الخضر والفواكه العشوائية في بورتسودان تحولت إلى «مزارع ذباب» على قارعة الطرقات، ومع ذلك يضطر المواطنون لشرائها، ما أدى لتزايد الإصابات بالكوليرا، ونقلت تقارير صحافية تحذيرات من تزايد حالات الإصابة بوباء «الكوليرا»، بعد تدوين 5727 حالة إصابة، توفي منهم 176 حالة، ومن اتساع نطاق الإصابة بالوباء الفتاك، ويُخشى من أن يؤدي تردي البيئة وانتشار الذباب والبعوض إلى كارثة في العاصمة البديلة.

ليس الذباب أو البعوض أو تراكم النفايات هي الخطر المحدق بالناس في بورتسودان وحدها، فالنفايات الطبية تُعد هي الأخرى من الأخطار الماثلة التي تهدد الناس، وهو الأمر الذي جعل مسؤولين صحيين يصفونها بالمشكلة الكبيرة والخطيرة التي تواجه «عاصمة السودان».

ويقول مدير هيئة النظافة بولاية البحر الأحمر مبارك عبد الماجد، لـ«الشرق الأوسط» في حديث عن خراب البيئة في مدينته وعن النفايات الطبية: «بشأن النفايات الطبية، خاطبنا وزارة الصحة لتفعيل نظام الفرز من داخل المشافي، وتوفير محارق وإلزام المستشفيات الخاصة باتباع النظام العلمي للتخلص من النفايات الطبية»، ويستطرد: «من جهتنا وفرنا سيارة لنقل النفايات الطبية إلى محرقة نفايات طبية بالولاية، لكن نظام نقل النفايات الطبية لا يزال متعثراً».

عمالة كبار السن
يقول عبد الماجد إن دراسة أجريت في المدينة، العام الماضي، حددت أن حجم النفايات يبلغ نحو 350 طناً في اليوم، لكن بعد الحرب ونزوح مئات الآلاف من المواطنين إلى المدينة، وانتقال مؤسسات الدولة إليها، فإن التقديرات الأولية تشير إلى أن حجم النفايات تضاعف مائة في المائة، أي أكثر من 700 طن يومياً.

ويشير عبد الماجد إلى أن هذه الكمية الضخمة من النفايات تُستخدم في التخلص منها آليات في حدود 18 – 20 سيارة نفايات، وهي لا تكفي للتخلص من كمية النفايات اليومية، وأضاف: «لذلك تم التركيز في الفترة الأخيرة على العمل في الأسواق ونقل النفايات الأكثر ضرراً والقابلة للتعفن». ويتابع: «السلوك الخاطئ من بعض المواطنين في التعامل مع النفايات يعد أحد أسباب انتشارها، ومن ذلك ظهور أسواق عشوائية للخضر والفاكهة، ما زاد من كمية النفايات».

ويقول إن الزحام وكثافة الناس في الأسواق يعيقان حركة سيارات نقل النفايات، والتي لا تستطيع الوصول في الوقت المحدد لنقل النفايات فتتعفن، فضلاً عن أن «ضعف الأجور» يؤثر بشكل كبير على العمالة، فالشباب لا يقبلون عليها، ما تسبب في نقص حاد في عمال النظافة، فنضطر للاستعانة بعمالة مؤقتة معظمهم كبار سن لا يملكون خبرات أو حتى طاقة عمل.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة