عثمان ميرغني يكتب .. فارق القيمة..
عثمان ميرغني يكتب : فارق القيمة..
ثلاثة تلاميذ دخلوا المسجد لصلاة الفجر.. بعد الصلاة رفع كل منهم كفيه لدعاء الله سبحانه وتعالى.. في صمت سراً..
بعد انتهاء الدعاء.. سألنا كل واحد منهم.. قل لنا بكل صدق ماذا قلت في دعائك لله؟
الأول؛ قال إنه دعا الله أن ينجح ويحصل على مجموع يؤهله لدخول كلية الطب جامعة الخرطوم.
الثاني؛ دعا الله أن ينجح ويذاع اسمه في المائة الأوائل.
أما الثالث؛ فدعا الله أن ينجح و(بس)..
الثلاثة من حيث لا يدرون مارسوا عملية حساب (كمي) بالأرقام لفارق المجموع الذي يتمناه كل منهم.
فالأول طلب قيمة رقمية تفي بالمجموع المطلوب لكلية الطب جامعة الخرطوم.. والثاني طلب المجموع (الرقمي) المطلوب للمائة الأوئل.. والثالث المجموع المطلوب للبقاء في حيز (ناجح).
الخطأ المنهجي في هذا الدعاء أنه اعتمد على مبدأ (فارق القيمة) في العجز المطلوب سداده.
بمعنى أن الذي دعا الله الحصول على مجموع كلية الطب.. في دواخله إحساس بأن مخزون (القيمة الذاتية) للتفوق عنده يكفي لتجاوز خطر الحصول على مجموع لكليات أقل لا يرغب فيها.. لكن ما يتمناه هو بلوغ القيمة الأوفى لرغبته الأولى في كلية طب جامعة الخرطوم بالتحديد.
نفس الأمر ينطبق على الثاني.. هو(ضامن) رغبته في الكلية التي يتمناها لكنه يبحث عن سد قيمة العجز المطلوب لبلوغ المائة الأوائل.
أما الأخير.. فهو يستبعد المسافة الفاصلة للكلية الأفضل.. والتفوق ذي الصيت (المذاع).. فهو يطلب سد العجز المطلوب للإيفاء بالنجاح فقط..
مبدأ الدعاء استند على ما يأنسه الإنسان في نفسه من قدرة.. ثم طلب (سد العجز) من الله سبحانه وتعالى لبلوغ ما يتمناه. فيكون مجمل الدعاء -في الحالات الثلاث- مستنداً على قدرة المخلوق لا على قدرة الخالق.
هنا تكمن الحاجة الماسة لفهم المعنى الدقيق لكلمة (توفيق) في مقابل (نجاح).
(النجاح) هو المقياس الرقمي لما يتمناه المرء.. و(التوفيق) هو كمال بلوغ الغايات دون حساب للمعطيات في اليد.
يقول الله سبحانه وتعالى:
(قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) هود (88).
سيدنا شعيب عليه السلام في هذه الآية قال: (وما توفيقي إلا بالله).. ليفصل تماماً بين قدرته وقدرة الخالق، فجعل العشم كله في (قدرة) الخالق.. مسقطاً حساب قدرته هو الشخصية.
وهنا يأتي المعنى الدقيق (جداً) لعبارة (عليه توكلت..) التي أنهى بها سيدنا شعيب مرافعته، فالتوكل هو حشد كل العزم والفعل والنية (المقصد).. ثم انتظار النتائج من خارج (قدرتنا) البشرية.. من قدرة الله سبحانه وتعالى.. مصداقاً لقوله تعالى: (فإذا عزمت فتوكل على الله).. وقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (أعقلها.. وتوكل).
التوكل.. هو اليقين في (القدرة المطلقة) لله.. دون حساب لـ(فارق) حساب العجز في قدرتنا البشرية لما نأمل في الوصول إليه.
والله أعلم..