عثمان ميرغني يكتب تسليم .. بدون (لف أو دوران)..
تسليم .. بدون (لف أو دوران)..
عثمان ميرغني
كررت كثيراً أن التصريحات التي تُلقى في الفضاء السياسي يصعب البناء أو حتى التعويل في التحليل الإعلامي عليها.. أمس الفريق عبد الرحيم دقلو قائد ثاني قوات الدعم السريع وفي خطاب مفتوح بقاعة الصداقة أمام تجمع أهلي قال :
.. (رسالتنا لمن في السلطة.. سلموا السلطة للشعب.. بدون لف أو دوران..)
ثم أضاف..
.. (من اليوم وصاعداً لن نسمح بقتل الشباب المتظاهرين ولن نسمح باعتقال السياسيين)..
في الفقرة الأولى أكد أنهم -وطبعاً يقصد الجهة التي يمثلها وهي الدعم السريع- خارج السلطة، و بعث برسالة قوية لمن في السلطة (سلموا السلطة للشعب بدون لف أو دوران)..
في الفقرة الثانية أكد أنهم هم السلطة ( ومن اليوم فصاعداً لن نسمح بقتل الشباب المتظاهرين ولن نسمح باعتقال السياسيين)
كيف هذا ؟
كيف أن تكون في فقرة خارج السلطة وتطالب بتسليمها للشعب، وفي الفقرة التالية مباشرة أنت السلطة ولن تسمح بقتل الشباب أو اعتقال السياسيين؟
من الواضح هنا أن الكلام ملقىً على عواهنه، فحينما تحمل جملة نقيض جملة سبقتها مباشرة تنهار كل الفكرة التي بُني عليها الخطاب..
ومع ذلك .. فطالما أن السيد عبد الرحيم دقلو قالها وبكل قوة أنهم لن يسمحوا بقتل الشباب واعتقال المتظاهرين، فمن الحكمة أن يدرك أن ذلك يتحقق تماماً إذا اكتمل نقل السلطة إلى حكومة مدنية انتقالية كما هو متفق عليها.. و طالما أنه يطالب بإنجاز ذلك بأسرع فرصة و (بدون لف أو دوران) فهنا بيت القصيد الذي يغنيه عن رهق حماية الشباب من القتل والساسة من الاعتقال.. فالمطلوب تسليم السلطة إلى حكومة مدنية تتولى هي حماية الشباب من القتل والساسة من الاعتقال، بل حينها لن يخرج الشباب للتظاهر إذا تحققت مطالبهم..
وطالما أن النوايا والعزم على تسليم السلطة بلغت هذه الدرجة (بدون لف أو دوران) فاقترح أن نعود إلى مربع 4 يوليو 2022، الخطاب المختصر الذي ألقاه الفريق أول عبد الفتاح البرهان والتزم بخروج المكون العسكري من السلطة والملعب السياسي فوراً.. والذي للأسف لم تحسن قوى الحرية والتغيير التقاطه حينها، فدخلت في عملية سياسية مطولة لا تزال تعاني من المتاريس والهضاب .. و قد ثناه وأكد على الالتزام ذاته الفريق أول محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع في خطابه مساء 23 يوليو 2022.
ولأن القوى المدنية متخالفة ومتشاكسة وتتلكأ في تسلم السلطة من الممكن أن يعلن المكون العسكري موعداً نهائياً لتسليم الحكم بمن حضر للقوى المدنية، فليكن مثلاً بعد شهر ، على القوى السياسية أن تتوافق خلاله على طريقة وآلية تسلم الحكم..
هذا الوضع يجعل للمباراة السياسية الجارية صافرة نهاية.. فأسوأ ما يجعل اللاعبين غير قادرين على تحقيق الأهداف أن لا يكون للمباراة زمن نهاية..
هي فرصة سانحة الآن للقوى السياسية خاصة أن تؤجل ورش العمل في القضايا العالقة… وتتجه صوب تشكيل الحكومة المدنية أولاً.. وترك القضايا العالقة للمجلس التشريعي ” البرلمان” فهي من صميم اختصاصه..
عثمان ميرغني