عثمان ميرغني .. (بعد ما شاب دخلو الكُتاب)…
عثمان ميرغني ..
(بعد ما شاب دخلو الكُتاب)…
لبنات وأبناء هذا الزمن الجميل الذين ربما لم يحتكوا بالأمثال الشعبية، هذه حكمة سودانية تصف أن يبدأ تعليم المرء بعد فوات الأوان.. وبما أن العلم من المهد إلى اللحد فلا بأس أن يبدأ التعليم في أية سن، لكن عملية التعلم ستكون بطيئة لازدحام العقل بكثير من التراكمات في صعود الهضاب والانحدار إلى السهول خلال مسيرة الحياة المتعرجة..
ومناسبة هذا المثل الشعبي، أن السودان الآن على وشك أن يشعل شمعته الـ67 منذ استقلاله في الفاتح من يناير 1956.. و تمتع السودان بأحزاب سياسية قبل الاستقلال بـ 11 سنة، حزب الأمة مثلاً تأسس في العام 1945.. و حُظي بحكومة كاملة الدسم حتى قبل أن ينال رسمياً استقلاله.. ومع كل ذلك وبعد 67 سنة لم يفرز إلا تجارب سياسية هشة عقيمة وفطيرة لاتسوى هذه السنوات الطويلة..
ولو كان للسياسة والساسة ملعباً منفصلاً عن أقدار الشعب السوداني فلا حرج، لن يستعجل أحد الرشد السياسي أنى أتى، لكن بكل أسى وطني، السياسة هي قاطرة الأمة السودانية، فهي لا تحدد مصير الساسة والأحزاب بل أقدار الشعب السوداني ومستقبله، وثبت أن البلاد على مر السنوات الطويلة منذ الاستقلال تنحط من سوء الى أسوأ.. وتنحدر بسرعة نحو الحضيض.. فلماذا ينتظر شعب السودان الساسة ليرشدوا؟
لماذا يرهن الشعب السوداني مستقبله ومصيره لمن لم تزدهم تجارب 67 سنة إلا ضلالاً وغَيّا؟
من الحكمة فصل أقدار الساسة والسياسة عن أقدار الشعب السوداني.. فلا وقت ليضيع أكثر مما ضاع..
الشعب السوداني يريد أن يرى مشروعات التنمية التي يستحقها، وتؤهله موارده أن ينالها، ويريد أن يتمتع بالخدمات الحيوية التعليم والصحة والبيئة النضرة بالمستوى الذي يليق به لا الكفاف الذي تمتن به الحكومات المتعاقبة عليه.
فليكن 2023 عام فصل الساسة عن الإدارة.. يتمتع الساسة بالقصر الجمهوري وإطلالته البهية على النيل الأزرق ويتركوا الشعب يدير حياته ومصالحه بعيداً عن قدراتهم وأقدارهم..
“الصامولة” التي تربط السياسة بالإدارة هي في الوصف الوظيفي لمنصب “الوزير” فأعلى.. فالوزير – حسب التعريف السياسي السائد- هو ذلك العبقري المُلَهم الذي بعثه الله ليخرج الوزارة من الظلمات إلى النور، وليحطم أصنام سلفه، ويبدأ التاريخ منه.. وما أن يغادر الوزارة حتى يأتي وزير آخر بالتفويض الإلهي ذاته..
كل المطلوب تشريعات تعيد صياغة الوصف الوظيفي للوزير ليصبح هو (الممثل السياسي للوزارة أمام مجلس الوزراء والبرلمان فقط لا غير) وننزع عنه القلم الأخضر الذي يحرك به السلطة والثروة معاً.. عندها لن يتقاتل الشطار للحصول على كيكة الوزارة.. وعندما توقع الحركات المسلحة اتفاق السلام فإن آخر ما يمكن أن تفكر فيه هو قسمة الوزارة..
ترفيع المؤسسات والمسلك المؤسسي.. يغني عن الحاجة للبحث عن ما ندمن تسميته (حكومة كفاءات).. فالمطلوب كفاءة المؤسسات لا الأفراد.
فالمؤسسات الكفؤة لا يديرها إلا أشخاص أكفاء..فالسلوك المؤسسي يفرز الشخص المناسب للمكان المناسب في المؤسسة المناسبة.
يا شعب السودان.. كفاية كافية كافية.. أتركوا الساسة ليتعلموا ويرشدوا ولو بعد مائة سنة.. لكن لا تتركوا مستقبلكم بين أيديهم.. لهم دينهم ولكم دينكم..
السودان ليس في أيد أمينة.