حديث المدينة .. عثمان ميرغني .. حكاية الوجود الأجنبي
أدهشني ما قاله والي الخرطوم المكلف السيد أحمد حمزه أمس في مؤتمره الصحفي أن (الوجود الأجنبي يعد مشكلة ومهدد أمني) وحتى لا أظلمه فهي عبارة يكثر تردادها في الخطاب الحكومي مع مر العهود.. و من فرط إمعان اللسان الرسمي في النطق بها ساهمت في نشر خطاب كراهية شائع ضد الأجنبي من حيث هو أجنبي في مختلف قطاعات المجتمع السوداني حتى المستنير منها.
الدول الرصينة الرشيدة تدفع من حر مال شعوبها للترويج لـ(الأجانب ) ليزوروها.. وتنفق أموالاً ضخمة في الدعاية التي تدعو (الأجانب) إليها.. ودولة شقيقة صغيرة مثل رواندا يعجبني للغاية أن أراها في دوريات كرة القدم الأوروبية وقد نشرت حول الملاعب عبارة جميلة (زوروا رواندا) Visit Rwanda ..و بالطبع تدفع ثمن هذه الدعاية من أموال الشعب الرواندي..
قد يرد السيد الوالي إنه يقصد الوجود غير الشرعي لبعض الأجانب، وهنا تكون الصورة أفدح، فالذي يمسك بالبندقية ولا يحسن تصويبها يكون هو الخطر الحقيقي.. شتان بين الوجود غير الشرعي و عبارة(الوجود الأجنبي).. فالذي يجعل وجود الأجنبي غير شرعي هو كثرة الثقوب في جدران الوطن التي تجعل الدخول اليه أسهل من شرب الماء.. بل والحصول على وثائق الهوية السودانية نفسها عبر بوابات غير شرعية هو مسؤوليتنا نحن السودانيين وليس (الوجود الأجنبي)..
ضبط العبارة وحسن استخدام الخطاب الرسمي أمر لا يترك لمحاسن الصدف.. وهذه مهمة الإعلام الرسمي الذي يجب أن يضبط ما يخرج من تصريحات خاصة إذا كانت عبر مؤتمر صحفي مرتب له ومبرمج منذ فترة كافية كما هو الحال في تصريحات والي الخرطوم أمس التي جاءت في منبر إعلامي دوري يفترض أن ما يرد فيه مدروس بعناية..
من الحكمة النظر لأية تصريحات تختص بالسياسة الخارجية بمنتهى الحذر، فالأمر لا يتوقف على تصريحات الوالي حول الوجود الأجنبي بل هناك كثير من الأفواه الناطقة الرسمية والسياسية تكثر من الحدث عن (الأجنبي) باعتباره شراً مطلقاً، وينسون أن ثلث شعب السودان الآن (أجانب) في دول آخرى.. بل منها ما يتحول وجوداً كاسحاً فيه كثير من المشاق على الدولة المستضيفة كما هو الحال في الجارة الشقيقة مصر التي تستضيف أكثر من خمسة ملايين سودانية وسوداني غالبهم أصبح مقيماً بصورة مستمرة ويحظى بترحاب وتسهيلات الدولة المصرية.. والآن وللمرة الثانية يتستثني الرئيس السيسي السودانيين من مخالفات الإقامة ويسمح لهم بتوفيق أوضاعهم على كثرة المستفيدين من هذا الاستثناء..
من الحكمة ضبط الخطاب الحكومي ورفع الحساسية في كل ما يثير الكراهية .. من حيث هي كراهية ضد الآخر.