حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب: “إغراق” الإطاري..
عثمان ميرغني يكتب: “إغراق” الإطاري..
من سمات المشهد السياسي السوداني أنه شديد الوله والتعلق بالمصطلحات دون التحديق في كوامنها الفنية، ومن هذه المفردات الجديدة المستحدثة كلمة “إغراق”، أستخدمت في البداية رديفة لعبارة “العملية السياسية” عندما كانت المفاوضات في كنف الآلية الثلاثية في مراحلها الأولى، فكانت قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي – ترفض الجلوس مع بعض المكونات السياسية بحجة أن وجودها يتسبب في “إغراق العملية السياسية”.
الآن بعد الاحتفال بتوقيع الاتفاق الإطاري و إعلان بعض الأحزاب والتحالفات السياسية عزمها الالتحاق بقطار الإطاري والتوقيع عليها، أصدر حزب الأمة القومي بياناً قال فيه أن فتح التوقيع على الاتفاق لا يعني السماح بـ”إغراق” الإطاري بأحزاب لا تؤمن بالانتقال الديموقراطي!
في تقديري مثل هذه المسلك هو الذي “يغرق الإطاري” في جوف الجُب حتى لا تقوم له قائمة، فالتعويل على تمييز المكونات السياسية وتصنيفها ببطاقة حمراء وصفراء وخضراء لا يخضع لمعيار موضوعي، فإن كانت كلمة “الديموقراطي” مقرونة بالانتقال تكفي تعويذة لم يشهرها ليدخل في نادي الإطاري فإن السودان نفسه، ما تسمى في اسمه الرسمي باسم “جمهورية السودان الديموقراطية” إلا في أشد النظم دكتاتورية، وكذلك أسمت ألمانيا الشرقية نفسها بـ”ألمانيا الديموقراطية” في مقابل ألمانيا الغربية، وجمهورية اليمن الديموقراطية تحت الحكم الشيوعي. وغالبية الدول من عتاة الدكتاتوريات في العالم تنص في دستورها على أنها “دولة ديموقراطية”.
بهذا المفهوم لا يمكن الاعتداد ببطاقة إشهار حالة لأي مكون سياسي، والأجدر المراهنة على نص الوثيقة الموقع عليها لا على نوايا الموقعين عليها..
وفي حالة الاتفاق الإطاري، فمصيره محكوم بتحقيق أعلى إجماع عليه، لأنه محض إعلان مباديء بصيغة عمومية قابلة للتأويل والتفصيل في الاتفاق النهائي، والاتفاق الإطاري لا يخرج البلاد من وكستها السياسية إلا إذا وصل محطة الاتفاق النهائي، فإذا ضاق قطاره الآن عن حمل الأحزاب والمكونات السياسية فقد تتسع فرص عرقلته بالقوى التي تجد نفسها مضطرة لتكون في مواجهته.
من الحكمة أن نستفيد من أخطاء الماضي القريب قبل البعيد، ففي تجربة قوى الحرية والتغيير بعد انتصار الثورة كثير من المحكات التي حاوت فيها بعض القوى السياسية الاستئثار بالقرار، وتفصيل الملعب على قدر لحافها، فكانت النيتجة سقوط الحكومة المدنية برمتها..
من الحكمة أن يجمع الاتفاق الإطاري أكبر طيف سياسي، فما تبقى من الطريق لحين توقيع النهائي ثم تشكيل الحكومة فيه هضاب وعرة تحتاج للتآزر لا التباعد.