خروج تجار من السوق الموازية للعملة في السودان: استقرار الجنيه
مع اقتراب نهاية العام الحالي استمر استقرار الجنيه السوداني في تعاملات السوقين الرسمية والموازية، وشملت حالة الاستقرار سعر الصرف لدى البنوك المحلية لأكثر من شهر دون تغيير، ما دعا كثيراً من
التجار إلى الخروج من السوق الموازي بعد تعرضهم لخسائر كبيرة.
واستقرت أسعار الدولار من دون أي تغيير في الأسواق الموازية وثبت تداول العملة الخضراء عند مستوى 580 جنيهاً وظلت جداول أسعار البنوك مشابهة لإغلاق التعاملات السابقة من دون تغيير طوال الفترة الأخيرة.
يقول تاجر العملة في وسط الخرطوم، صديق علي، لـ”العربي الجديد” إنّ عدداً كبيراً من تجار بيع العملات خرجوا من السوق، بسبب استقرار أسعار العملات الأجنبية وركود حركة التداول، مشيراً إلى تعرض بعضهم لخسائر، لأنهم اضطروا للبيع بأسعار أقل لتغطية مصاريفهم اليومية، في وقت ترك كثير منهم هذه التجارة واتجهوا إلى قطاعات أخرى كالعقارات وتجارة المحاصيل.
ورغم الاستقرار الكلي في أسعار العملات، فإنّ بعض التجار ما زالوا ينشطون في التعاملات في أوقات إغلاق البنوك مع تغيير طفيف لا يتعدى 2 بالمائة زيادة أو نقصاناً من القيمة التي تقدمها البنوك للجمهور.
ولسنوات طويلة ظلت السوق الموازية للعملات والتي تشكل 80 بالمائة من تداولات النقد الأجنبي السوداني، المتحكم الرئيس في سوق العملات الأجنبية، حسب مراقبين، إلّا أنّ تغيرا طرأ على نشاط السوق الموازي، على خلفية استقرار إعلان الحكومة سياسة تحرير أسعار الصرف، إذ اتجهت البنوك التجارية لرفع أسعارها ومجاراة السوق الموازية لاجتذاب حركة البيع والشراء.
ويعاني الاقتصاد المحلي من تضخم نقدي كبير وفوضى غير مسبوقة في سوق النقد (العرض والطلب)، فضلاً عن انتشار العملات المزورة، وارتفاع معدل التهرّب، وتحويل الأموال خارج البلاد. وأقرت الحكومة السابقة في عام 2018 قانوناً للتعامل بالنقد الأجنبي خلافاً للقانون القديم الذي يعود إلى عام 1981 والذي شمل عقوبات رادعة تصل إلى السجن خمسة عشر عاماً أو الغرامة، لكنّه لم يحدّ من عمليات الاتجار بالدولار.
وتواجه العملة السودانية تدهوراً كبيراً منذ انفصال جنوب السودان في 2011 وفقدان عائدات النفط، إلى جانب العجز في الميزان التجاري وارتفاع التضخم.
وفي 21 فبراير/ شباط 2021، قرر المركزي السوداني توحيد سعر صرف عملته المحلية الجنيه أمام الدولار والنقد الأجنبي، في محاولة للقضاء على الاختلالات الاقتصادية والنقدية، وخفض المركزي السعر التأشيري لعملته من 55 جنيهاً للدولار إلى 375 جنيهاً في أول أيام القرار، وبعد أسبوعين من التطبيق استقر سعر الصرف عند متوسط 390 جنيهاً إلّا أنه بدأ في مجاراة السوق الموازية إلى أن وصل إلى حدود 580 جنيهاً.
وشهد الجنيه السوداني ثباتاً بحذر عقب تحريره، إلّا أنّ هناك تخوفات في الأوساط الاقتصادية من عودة ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء خلال الفترة المقبلة.
يقول الاقتصادي السوداني عادل توفيق لـ”العربي الجديد” إنّ الفوضى التي تعيشها الأسواق يتوقع أن تصل بأسعار العملات الأجنبية مجدداً إلى مستويات قياسية جديدة تؤثر على المواطن، مشيراً إلى عدم توفر احتياطي نقدي، وعلى الرغم من أنّ المصرف المركزي يرفد المصارف السودانية بعملات أجنبية فإنّها لا تلبي الطلب الكبير على الدولار والعملات الأخرى.
يضيف: “صحيح أنّ الفرق الحالي ليس كبيراً بين السوق الموازية والبنوك، لكن هل يستطيع المركزي مجاراة الأسواق فترة طويلة في ظل الأوضاع الاقتصادية المأزومة والتي توقفت فيها عمليات الاستيراد والمنح والقروض وقلت نسبة الصادرات”.
بدورها، تشير الاقتصادية السودانية إيناس إبراهيم في حديثها لـ”العربي الجديد” إلى سببين يؤديان إلى ارتفاع الدولار من وقت لآخر، وهما: غياب السوق المنظم القوي والدائم للتعامل بالنقد الأجنبي، وخروج البنك المركزي من صلاحيات تحديد سعر العملات الأجنبية ما أثر سلباً بالوضع الاقتصادي في البلاد.
تقول: “هناك رجال أعمال ومؤسسات اقتصادية أخرجت رؤوس أموالها إلى خارج البلاد بمختلف الطرق ما ساهم في ارتفاع الأسعار، مشيرة إلى ضعف المعالجات الحكومية في هذا الإطار”.
لكنّ الخبير المصرفي محمد فتح الرحمن، يقول لـ”العربي الجديد” إنّ سعر الصرف لأي عملة مؤشر على مدى استقرار الوضع الاقتصادي في أي بلد، كما أنّ مشكلة الاقتصاد السوداني في ما يتعلق بالنقد الأجنبي لا بدّ من معالجتها، عبر إنشاء بورصة للمعادن حتى تكون أسعار الذهب جاذبة للمعدّنين وبيعها بالداخل بدلاً من تهريبها للخارج ما يساهم في تنظيم التعدين في البلاد، فضلاً عن الاهتمام بتحويلات المغتربين لتوفير نقد أجنبي، وبالتالي تساهم في استقرار سعر الصرف في البلاد.