مساعي التسوية في السودان: ترقب لرد «الحرية والتغيير» على ملاحظات الجيش

تشهد الساحة السياسية في السودان تحركات واسعة للدفع بالأطراف المدنية والعسكرية للوصول إلى تسوية. إذ ينتظر أن ترد قوى «الحرية والتغيير» على ملاحظات العسكر على الإعلان الدستوري الذي طرحته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين.
وفيما يبدو أن الملاحظات تلك غرضها الحفاظ على الامتيازات الاقتصادية للجيش، وتحصين قادته من المساءلة حول الانتهاكات، دعت الحركة الشعبية لتحرير السودان – التيار الثوري الديمقراطي، «الشعب والقوى المناهضة للانقلاب» لعدم الالتفات لـ«بالونات التسوية».
وقال قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، إن موقف القوات المسلحة ثابت تجاه قضايا استقرار وأمن البلاد في ظل التحديات الحالية، مؤكدا التزامه بالنأي بالمؤسسة العسكرية عن المعترك السياسي.
وحسب بيان للقوات المسلحة، قدم البرهان تنويرا في اجتماع للضباط من رتبة لواء فما فوق، أمس الأحد، في مباني القيادة العامة للقوات المسلحة، استعرض فيه موقف العسكر من الراهن السياسي في البلاد.
وأشار خلاله إلى أن نجاح القوى السياسية في تحقيق مستوى من التوافق يمكن أن يساعد على تجاوز التحديات التي تواجه البلاد ويمكنها من إكمال المرحلة الانتقالية في ظل حكومة كفاءات مستقلة غير حزبية تصل بالبلاد إلى محطة الانتخابات.
ونفى إبرام أي تسوية سياسية ثنائية مع أي من المكونات، مؤكدا أن القوات المسلحة ستقف على مسافة واحدة من الجميع دون الانحياز لأي طرف وتدعم خطوات التحول الديمقراطي.

ترحيب دولي

كذلك رحبت «الآلية الثلاثية» (الأمم المتحدة، إيغاد، الاتحاد الأفريقي) بالزخم الحالي نحو التوصل إلى حل للأزمة السياسية في السودان ابتداءً بتشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية لتوجيه السودان عبر الانتقال إلى الديمقراطية والسلام.
وقال السفير محمد بلعيش، المتحدث الرسمي باسم الآلية، وسفير الاتحاد الأفريقي في السودان: « تجد الآلية الثلاثية التصريحات الأخيرة للبرهان «مشجعة».
وأضاف : «وقد أشارت التصريحات إلى أن هناك تقدماً في اتجاه التوصل إلى اتفاق سياسي مع القوى المدنية بشأن الترتيبات الانتقالية والضمانات لفترة انتقالية أكثر استقراراً تنتهي بانتخابات شفافة ونزيهة».
وقال إن «الآلية الثلاثية تؤكد كذلك على أهمية استمرار الدعم من قبل المجتمع الدولي في هذا الوقت الحرج من تاريخ السودان» مضيفا أن «الآلية مستعدة، بناءً على هذا التقدم الإيجابي الأخير، لتيسير مفاوضات عسكرية – مدنية بهدف التوصل إلى تسوية جامعة ومستدامة».

موقف مشترك

وحسب ما ذكرت مصادر مطلعة لـ«القدس العربي» فإن المجلس المركزي للحرية والتغيير يواصل اجتماعاته لليوم الثاني على التوالي، حيث ينتظر أن تتوافق مكونات التحالف، بعد اجتماع مساء الأحد، على موقف مشترك من ملاحظات تقدم بها العسكر، عبر اتصالات غير رسمية بخصوص الانخراط في عملية سياسية، تتأسس على الإعلان الدستوري الذي طرحته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين. وتمضي التفاهمات حول العملية السياسية، وسط ضغوط دولية على جميع الأطراف، حسب المصادر التي أكدت أن ما تم حتى الآن، عدد من اللقاءات بين ممثلين للحرية والتغيير والعسكر، لمناقشة إمكانية المضي في عملية سياسية.

وبينت أن الأطراف داخل الحرية والتغيير لم تتوافق بعد على المضي في هذه العملية، مشيرة إلى تحفظ عدد من مكونات الائتلاف الحاكم السابق، والتي تعتبر العسكر شريكا غير موثوق، خاصة بعد انقلاب البرهان على الشراكة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ورغم أن المجلس العسكري أبدى موافقته المبدئية على الإعلان الذي طرحته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، كأساس للحل السياسي، لكنه وضع عددا من الملاحظات عليه، حسب بيان لـ«الحرية والتغيير».
وقالت إنها شكلت لجنة تلقت هذه الملاحظات، ونقلتها لهيئات التحالف للبت فيها ودراستها، والتي قررت صياغة ورقة تشكل موقفه من قضايا إنهاء الانقلاب وتأسيس السلطة المدنية الديمقراطية الكاملة، على أن يخضعها للتشاور مع قوى الثورة والقوى المتوافقة على مشروع الدستور الانتقالي لتشكل أساساً متوافقا عليه بين أوسع قاعدة من أصحاب المصلحة في التحول المدني الديمقراطي.
تقارير صحافية، كشفت أن الحرية والتغيير والعسكر وضعوا مسودة اتفاق أولية بدفع من الوساطة الرباعية التي تقودها واشنطن والرياض، تتضمن تكوين مجلس للسيادة من 6 أعضاء مدنيين، يمثلون أقاليم السودان، ومجلس وزراء مدني من التكنوقراط، على أن يترأس رئيس الوزراء مجلس الأمن والدفاع، بينما يتم إنشاء مجلس للقوات المسلحة معني بالشؤون العسكرية.
وأشارت إلى أن المجلس التشريعي سيتكون بالتوافق بين القوى المدنية والأحزاب السياسية وأطراف السلام وقوى أخرى شاركت في ورشة صناعة الإعلان الدستوري التي أقامتها اللجنة التسييرية للمحامين في أغسطس/ آب الماضي والتي من بينها أحزاب شاركت في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، وأخرى دعمت الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وقطعت «الحرية والتغيير» بعدم وجود أي اتفاق قد تم بينها وبين العسكر، مؤكدة أنها لن تمضي في أي حل سياسي دون توافق عريض يشمل قوى الثورة والانتقال الديمقراطي.
ويشترط العسكر في الملاحظات التي تسلمت الحرية والتغيير نسخة منها، تكوين مجلس للقوات المسلحة بصلاحيات واسعة يترأسه القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، وتتضمن عضويته قادة المجلس العسكري الحالي، يكون المجلس مسؤولا عن كل المؤسسات العسكرية، فضلا عن صلاحيات سياسية أخرى، كما يريد نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو «حميدتي» الاحتفاظ بقواته وعدم دمجها في الجيش، حسب مصادر مطلعة تحدثت لـ«القدس العربي». وبينت أن العسكر وضعوا شروطا تتعلق بعدم المساس بالمؤسسات الاقتصادية العسكرية والتي تتمتع باستقلال كبير ولا تعود وارداتها إلى خزينة وزارة المالية، الأمر الذي كان مثار خلاف واسع بين المدنيين والعسكريين خلال الفترة الانتقالية.
كـذلك الأمر بالنسبة لقضية إصلاح المؤسسة العسكرية ودمج المجموعات المسلحة في جيش وطني موحد، حيث يعتبر المدنيون أن هذا الملف يجب إتمامه بالتوافق بين الجانبين المدني والعسكري وبقيادة حكومة يترأسها المدنيون، في المقابل يتمسك العسكر بأن ذلك شأن عسكري بحت لا شأن للمدنيين به.
كذلك طلب قادة الانقلاب الحصول على ضمانات فيما يلي بملف العدالة، حيث شدد البرهان في اجتماع مع قادة سياسيين على أن لا يتم فتح ملف الانتهاكات منذ تولي العسكر السلطة في 11 إبريل/ نيسان 2019.
وقال القيادي في «الحرية والتغيير» خالد عمر، في تصريحات صحافية، إن «التحالف لا يزال يناقش داخليّاً، ومع قوى الثورة، ملاحظات العسكر حول الإعلان الدستوري للوصول إلى رؤية مشتركة حول كيفية استخدام آلية الحل السياسي للوصول إلى غايات الثورة السودانية».
وأضاف أن «ما يتم تبادله بخصوص انخراط الحرية والتغيير والعسكر في مفاوضات، شائعات وعمل ممنهج من القوى المضادة للثورة».
واعتبر أن الإعلان الدستوري «يمثل الموقف المعتمد لقوى الحرية والتغيير، فيما يلي ترتيبات نقل السلطة للمدنيين وإنهاء الانقلاب، واستعادة التحول المدني الديمقراطي في البلاد».
ولن تكون الحركة الشعبية لتحرير السودان – التيار الثوري الديمقراطي- بقيادة ياسر عرمان «طرفا في أي تسوية سياسية» حسب ما أعلنت، مؤكدة أنها تتمسك بالشفافية ووحدة قوى الثورة وتعزيز وحدة قوى الحرية والتغيير.
وقالت، في بيان، أمس الأحد، إن تعزيز «المقاومة وإسقاط الانقلاب هو الأساس لنجاح أي عملية سياسية» مشددة على أن «السماء لا تمطر تسويات بل المقاومة الشعبية وجذب التضامن الإقليمي الدولي هو الطريق لإنضاج العملية السياسية وإقامة السلطة المدنية الديمقراطية المستدامة».

«إكمال مهام الثورة»

والشرط الرئيسي لـ«إكمال مهام الثورة وإصلاح الدولة» حسب الحركة «يقتضي المشاركة الجماهيرية الواسعة ووحدة قواها والشفافية التامة مع الشعب، وكشف ما يدور من قضايا واتصالات وأن لا نترك الجماهير للإشاعات».
واعتبرت أن «طبيعة الانقلاب الحالي ومجموعات المصالح داخله وارتباطاتها الداخلية والخارجية والتناقضات بينها ومؤامرات المناهضين للانتقال الديمقراطي تصعب الوصول إلى عملية سياسية ذات مصداقية» مؤكدة أن «الجيش الذي تعتمد عليه الثورة هو جماهير الشعب السلمية».
وشددت على أن «توسيع قاعدة الانتقال لا يتم باستيعاب المجموعات الموالية للنظام السابق والمساندين لانقلاب العسكر لإنجاز مهام الثورة» مشيرة إلى أن «الأفضل للقوى المناهضة للانقلاب أن تقدم تنازلات لبعضها لا لخصومها».
وأشارت إلى أن «عدم وحدة قوى الثورة سيتركها للتسويات غير الناضجة» مؤكدة على أن «الوساطة الرباعية والآلية الثلاثية تحتاج إلى التمييز الدقيق بين القوى المؤيدة للانقلاب وقوى الثورة» مشددة على أن «تحديد الأطراف بدقة، أمر في غاية الأهمية لمستقبل العملية السياسية والانتقال».
أي عملية سياسية «يتصدرها المؤيدون للانقلاب» ستفقد، وفق الحركة «مصداقيتها وسترفضها قوى الثورة العريضة» مشيرة إلى أن» قضايا العدالة والإصلاح الأمني والعسكري والسلام وتفكيك النظام السابق تحتاج إلى آلية واضحة لإشراك أصحاب المصلحة وقوى الثورة، وأنه لا يمكن لأي جهة أن تكون بديلا لمشاركة الآخرين».
ودعت الشعب والقوى المناهضة للانقلاب لعدم الالتفات لما وصفتها بـ«بالونات التسوية» و«فبركات الفلول» التي تهدف الى إرباك قوى الثورة، مطالبة، جميع القوى المناهضة للانقلاب، بالتوحد والتحضير لتظاهرات 21 و25 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري والتي ينتظر أن يشارك فيها السودانيون في كل انحاء البلاد.

القدس العربي

مقالات ذات صلة