حديث المدينة .. عثمان ميرغني .. خط الصفر
حديث المدينة .. عثمان ميرغني
خط الصفر
موظفو وزارة الزراعة مضربون منذ حوالى أسبوع.. لا أحد سمع بهم أو بإضرابهم، بل وغالباً ربما يقول البعض فليضربوا أبد الدهر فهم لا يزرعون ولا يحصدون ولا يضير المواطن شيئاً إن اضربوا أو عملوا.. لكن الذي لا يعلمه الكثيرون أن إضرابهم شل تماماً حركة الصادر والوراد في المحاصيل الغذائية..
منذ حوالى أسبوع ترابط السفن التي تحمل القمح والدقيق وغيرها في الميناء غير قادرة على تفريغ حمولتها لأن الحجر الزراعي توقف تماماً، ولم يعد ممكناً إنزال الشحنات الواردة..
المحاصيل الصادرة مثل القطن والفول السوداني وغيرها معطلة الآن في الميناء لن تستطيع الصعود إلى ظهر السفن إلا بعد استكمال الإجراءات التي لن يستطيع أحد القيام بها سوى موظفي وزارة الزراعة..
وتكلفة توقف العمل في الصادر والوارد باهظة للغاية إذ تترتب عليها غرامات وجزاءات من شركات الشحن تُفاقم أزمة الشركات السودانية العاملة في مجالي التصدير والاستيراد.
وكل هذا يجري في صمت كبير لا أحد سمع بهذه المأساة ولا أحد يصرخ ولا مسؤول يقلق و (أي دمعة حزن لا لا لا)..
إتصل بي مغترب سوداني يعمل في الخليج، طبيعة عمله تتطلب التجوال المستمر بين المدن والقرى هناك، روى لي صوراً لا تصدق لأوضاع الشباب الذي يخرجون عبر صالة المغادرة في مطار الخرطوم لا يهمه سوى الهروب من الواقع المر إلى ماهو أمر.. رواتب ضعيفة للغاية لا تكاد تقيم الأود هناك فضلاً عن أن يعين بها أهله في السودان، وفي مهن صعبة شاقة لا تتناسب مع المؤهلات التي يحملونها.. حالة انتحار حقيقي لكن الشاب يدرك أنه غير مخير في الهجرة.. فمهما كان الوضع في الاغتراب الخارجي فالوضع في الاغتراب الداخلي أكثر إهانة ووصمة وعاراً..
و في المقابل ربما مئات الآلاف في السودان استثمرت أسرهم في مراحل التعليم المختلفة حتى حصلوا على الشهادة الجامعية وليس أمامهم إما العطالة المذلة التي تقتات من العُمر والشباب، أو العمل في مهن أخرى لا تحتاج إلى مؤهلاتهم لأنها لا تتطلب العلم ولا الخبرة ولا أي مؤهل سوى العضل.. وقد يحتملونها أياماً أو شهوراً بأمد محدود لحين الانتقال إلى عمل أفضل، لكن الأوضاع الراهنة تحولها الى مهن سرمدية أبواب الخروج منها لا تؤدي إلا إلى الشارع العاطل عن العمل..
كل هذا لأن السوداني الآن مواطن بلا وطن..توقفت الحياة والإنتاج والعمل في مختلف القطاعات..ولا وجيع ولا بواكي عليه..
طالما الأزمة السياسية السودانية تمددت كل هذا الوقت الثمين، و أكلت من عافية الشعب قبل الساسة.. فالأجدر البحث عن صيغة عاجلة لفك الاشتباك بين ماهو سياسي للساسة، وماهو إداري.. إطلاق سراح الوطن من قيود السياسة التي تكبله وتؤثر حتى على لبن الرضيع الذي لا يتغذى بغيره.. فضلاً عن الكبار الذين باتوا ينتظرون فجر الخلاص..