دعم للتطبيع وعزل لإيران.. إسرائيل تحصي مبكرا مكاسبها من زيارة بايدن
يخفي كثير من القادة السياسيين والعسكريين في إسرائيل سعادتهم بزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط، لأنها تحقق كثيرا من المطالب والأهداف التي سعت تل أبيب لتحقيقها في السنوات الماضية.
ووفقا لمحللين سياسيين إسرائيليين، فقد بعثت زيارة بايدن رسائل عدة؛ لعل أبرزها تأكيد التزام واشنطن بحماية أمن إسرائيل، فضلا عن توسيع دائرة التطبيع وإطلاق التحالف الدفاعي الإقليمي ضد إيران، مع تغييب الجوهر السياسي للقضية الفلسطينية والاقتصار على الجانب الإنساني.
ووصل بايدن ظهر اليوم الأربعاء إلى إسرائيل؛ المحطة الأولى في زيارته للشرق الأوسط، ومن المقرر أن يوقع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد بيانا مشتركا أطلق عليه “إعلان القدس” يؤكد التزام واشنطن بدعم أمن إسرائيل وعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي.
زيارة بايدن لتل أبيب التي تأتي وسط تفاقم أزمة الحكم بإسرائيل وانتخابات خامسة للكنيست في غضون أقل من 4 أعوام؛ حملت في طياتها تأكيدات من واشنطن تقول إن إسرائيل ستبقى الحليف الإستراتيجي الأبرز في الشرق الأوسط، حيث ستحظى بالدعم السياسي والعسكري والأمني.
وفي مؤشر على غياب الصدام بين البلدين في الملف النووي الإيراني، ألمحت إدارة بايدن إلى تناغم موقف تل أبيب وواشنطن ضد إيران، وإلى اتفاق الطرفين على ضرورة منع طهران من امتلاك أسلحة دمار شامل أو قنبلة نووية، مع الالتزام بالعمل للحد من نفوذ إيران في الشرق الأوسط من خلال التحالف الدفاعي الذي تقوده واشنطن تحت ذريعة “التهديدات الإيرانية”.
وخلافا للملف الإيراني الذي يبدو أن واشنطن ستتعامل معه بنوع من الصرامة الدبلوماسية، يعتقد محللون ومختصون بالشأن الإسرائيلي أن واشنطن تدفع نحو توسيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ومزيد من الدول العربية والإسلامية، وسط تغييب للقضية الفلسطينية.
احتفالية وتاريخية
ويقول مدير المعهد الإسرائيلي “ميتفيم” المتخصص في السياسات الخارجية لإسرائيل والشرق الأوسط، نمرود جورن، إن زيارة بايدن ينظر إليها في إسرائيل على أنها احتفالية وتاريخية، لأنها تأتي في أوج تعزيز التحالف والتناغم بين البلدين في مختلف القضايا الإقليمية، وهو ما يعكس التقاء المصالح الإقليمية والتأكيد لدول الشرق الأوسط بأن البوابة إلى البيت الأبيض تمر من إسرائيل.
واستعرض جورن للجزيرة الأهداف التي تسعى إسرائيل لتحقيقها من خلال زيارة بايدن، مشيرا إلى أن هذه الأهداف تتمحور حول إظهار عمق الحلف الإستراتيجي بين البلدين والدعم اللامنتهي من قبل واشنطن لإسرائيل ومنحها حصانة دولية أمام أي تحديات.
بالإضافة إلى إطلاق التحالف الدفاعي بشراكة عربية وريادة إسرائيلية وقيادة أميركية ضد إيران، وتعزيز التعاون والاستثمارات بالصناعات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
وفي ما يخص القضية الفلسطينية، أوضح جورن أن زيارة بايدن للقدس الشرقية وإن حملت في طياتها رسالة سياسية بشأن القضية الفلسطينية، لكن جوهرها يقتصر على البعد الإنساني من خلال دعم القطاع الصحي، ولا يوجد أي مؤشر على اعتراف أميركي بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية بحال أقيمت مثل هذه الدولة، على حد تعبيره.
وأشار إلى أن إسرائيل تراهن على نجاح واشنطن في قيادة التحالف الدفاعي المشترك في الشرق الأوسط وتعزيز الشراكة مع ما تسميه تل أبيب “محور الدول العربية المعتدلة”، عبر توسيع اتفاقيات التطبيع لتشمل دولا إسلامية كبرى.
دعم وتناغم
وعلى الصعيد السياسي الإسرائيلي الداخلي، يعتقد المحلل السياسي عكيفا إلدار أن زيارة بايدن التي تأتي في أوج الحملة الانتخابية للكنيست يمكن أن تفسر على أنها دعم للمعسكر والتحالفات الحزبية وأي حكومة إسرائيلية تتناغم مع الإدارة الأميركية التي تدفع نحو تعزيز العلاقات مع إسرائيل وتكثيف الاستثمارات بالصناعات العسكرية والدفاعية الإسرائيلية.
ورجح إلدار أن رئيس حكومة تصريف الأعمال يائير لبيد وكذلك المعسكر الذي ينتمي إليه سيسعى إلى قطف الثمار وجني نتائج الزيارة وتوظيفها في الحملة الانتخابية سواء ما يتعلق بالملف النووي الإيراني والحصول على تعهد معلن بالتزام واشنطن عدم وصول إيران إلى قنبلة نووية، أو ما يتعلق بمواصلة التطبيع والتحالف الدفاعي مع دول عربية وإسلامية، من دون دفع أي ثمن أو تقديم تنازلات بالقضية الفلسطينية.
ويعتقد المحلل السياسي أن النجاح والإنجاز من وراء زيارة بايدن من وجهة النظر الإسرائيلية يتلخص بـ”إعلان القدس” المشترك للبيد وبايدن، وعدم ممارسة ضغوط على إسرائيل بالملف الفلسطيني، مع تمهيد الطريق للتعاون بين إسرائيل والسعودية، وتأسيس مرحلة جديدة من التطبيع.
وبمعزل عن المستجدات السياسية والانتخابية في إسرائيل، حيث يتطلع لبيد إلى قطف ثمار زيارة بايدن في انتخابات الكنيست التي ستعقد في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني القادم، يعتقد الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطان شلحت أن إسرائيل مهتمة بملفين وتضعهما في سلم الأولويات: الأول، الملف الإيراني، فقد بدا الموقف الأميركي يقترب أكثر إلى الموقف الإسرائيلي مع وجود شبه تفاهمات بين البلدين بمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية.
أما الملف الثاني، كما يقول الباحث شلحت للجزيرة نت، فمرتبط بقضية التطبيع، إذ بات واضحا أن عنوان التطبيع الرئيسي لإسرائيل هو السعودية التي تعدّ أكبر منتج للنفط ودولة مهمة ومحورية إقليميا وعربيا وعالميا.
وأشار إلى أن الزيارة تستهدف تعزيز العلاقات الأمنية العسكرية بين البلدين، إذ يزور بايدن مع وفود من 27 شركة أسلحة أميركية منظومات الدفاعات والصناعات الجوية الإسرائيلية.
بايدن وترامب
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي سليمان أبو أرشيد مع طرح أنطان شلحت في كل ما يتعلق بميزان النجاح والفشل والهواجس من وجهة النظر الإسرائيلية بخصوص زيارة بايدن وما سيترتب عليها في المستقبل، مؤكدا أن القضية الفلسطينية مغيبة عن جوهر مباحثات بايدن في تل أبيب، وذلك من أهم المكاسب التي ترضي إسرائيل التي كانت تخشى أن تمارس عليها واشنطن ضغوطا للعودة إلى المفاوضات السياسية مع السلطة الفلسطينية.
ويعتقد أبو أرشيد -في حديثه للجزيرة نت- أن إدارة الرئيس بايدن لا توجد لديها خطة سياسية واضحة المعالم بشأن القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، وعلى هذا الأساس تُهمّش القضية وتغيّب.
وأردف قائلا إن تناغم واشنطن مع إسرائيل وإعادة ترتيب الأوراق في الشرق الأوسط بـ”دبلوماسية ناعمة” بمنزلة وجه آخر لخطة “صفقة القرن” التي استهدفت علنا تصفية القضية الفلسطينية.
ويرى أبو أرشيد أن محاور ومضامين زيارة الرئيس الأميركي لإسرائيل والشرق الأوسط تظهر أن بايدن يسير على خطى الرئيس السابق دونالد ترامب؛ بتهميش القضية الفلسطينية والدعم والولاء المطلق لإسرائيل، وتوسيع دائرة التطبيع، وتعزيز التحالف العربي الإسرائيلي و”محور الاعتداء” بذريعة مواجهة ما يسمى “الخطر الإيراني”.
المصدر : الجزيرة