بصراحة _ أكتر .. جدو أحمد طلب يكتب .. “دقلو” في الجنينة .. زيارة لها ما بعدها (1)
بصراحة _ أكتر
جدو أحمد طلب يكتب: “دقلو” في الجنينة .. زيارة لها ما بعدها (1)
لا شك أن لجنة السلم والمصالحة التي شكلها نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، بقيادة العقيد موسى حامد أمبيلو والتي تهتم بأمر المصالحات ، أسهمت في حلحلت العديد من القضايا المتعلقة بالصراعات الأهلية التي ظلت تشهدها البلاد، حيث شرق السودان وكردفان ودارفور ، اللجنة وبعد جلوسها مع نائب رئيس مجلس السيادة، غادرت إلى غرب دارفور وفور وصولها عملت على تقريب وجهات النظر والاستماع للأطراف المتنازعة بكل حياد حتي أكدت الأطرف رغبتها في طي صفحة النزاع الذي أفقدهم الكثير وبعد أن رفع ( امبيلو) تمام الجاهزية لعقد مؤتمر الصلح برغبة أكيدة من المسيرية والرزيقات .. كان لابد من الخياط بالحرير على يد (دقلو) .. ومع شروق فجر الثامن عشر من يونيو حطّت بنا الطائرة رحالها على أعتاب مطار الشهيد صبيرة الدولي بغرب السودان ، لحظة وصولنا كانت الأجواء شبه ممطرة في يومًا فريدًا ليس كأيام الخرطوم التي ظلت تشهد درجات حرارة متفاوتة ، الجنينة مكوناتها المجتمعية ، رموز مجتمع، قيادات شبابية نساء وأطفال الجميع كان حاضرًا على جَنَبات المطار مستقبلًا رجل السلام الذي حَضَرَ بالرغم من ضغوط العمل بالعاصمة الخرطوم إلا إنه عزم الأمر متجهًا لغرب السودان للوقوف ميدانيًا على حجم الضرر الذي أحدثته الحربات الأهلية التي أودت بحياة العشرات من المدنيين جراء أحداث مصطنعة ظل يدفع ثمنها الأبرياء من طرفي النزاع المستمر منذ عامين من الزمان، أوجه المستقبلين لا تبدوا أنها مؤيدة للذي حدث من دمار وخراب ، لكن تبدوا عليهم ملامح العفوية والحب والبساطة التي تؤكد رغبتهم الأكيدة في السلام الذي غاب عن المدينة والذي حل مكانه صوت الرصاص هو الأخر سيد الموقف بجوهرة المدائن “الجنينة”.
من يرى أوجه المستقبلين الذين ضاقت بهم جنبات المطار لن يُصدق بأن يكون هناك صراع أهلي بين هذه الحشود التي شكلت لوحة إنسان الجنينة ذو الكرم والسماحة ، وقبل وصول طائرة (دقلو) مررتُ على الحضور لأقف على هذه الجماهير التي خرجت مستقبلةً ، عندها علمتُ تمامًا أن الذي يحدث في غرب دارفور ليس بصراع طبيعي أهلي كما هو معلوم .
لحظة هبوط طائرة نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو ، لا يمكن وصفها بتاتًا ، الجهات المنظمة فقدت السيطرة تمامًا عن توقيف الجماهير التي تسابقت لمصافحة رجل السلام، مشهد غير مسبوق عند سابق الزيارات ، هتفوا جميعهم بصوتً عال “كُلنا” دقلو ، هللت أهلا “دقلو” جيتا جيتو حبابكم عشرة مقامكم زين ، من ثم هتفوا نعم للسلام لا للحرب نعم لقبول الأخر ، مشهد يُحكي براءة هولاء الناس عن الذي يحدث بمناطقهم الوادعة ، تحركت بنا سيارات الدفع الرباعي صوب المدينة ، وهي رحلة أخرى أظهرت حجم المستقبلين الاخر، مؤخرة عربات المستقبلين لا تُرى؛ هذا غير جماهير وحدة أردمتا الإدارية هي الأخرى التي خرجت عن بكرة أبيها على جنبات الطريق مستقبلةً رجل السلام ووفده الميمون مٌنددة لا حرب بعد اليوم كٌلنا أهل ، نعم للسلام، وهي بالطبع زيارة لها ما بعدها.
منذ وصوله للجنينة وإلى هذه اللحظات لم يخلوا خطابًا ل “دقلو” عن دعوة الناس لقبول الأخر وتفويت الفرص عن المتربصين بأمنهم وسلامهم الذي كان مضرب مثل في الأزمنة السابقة، ظل مرشدًا لأهل الجنينة عند كل اللقاءات بل دعاهم إلى وقف القتال والتخريب والنزاعات فضلًا عن إزالة الكراهية والبغضاء بينهم، كمجتمع واحد وعليهم بتصفية النية وإزالة الغبن وفتح صفحة جديدة لتكون مساحة لعودة الحياة لطبيعتها من خلال تعايشهم مع بعضهم البعض ولدى لقاءه قيادات ورموز قبيلة المسيرية بأمانة حكومة غرب دارفور ، شدد دقلو على أهمية التزام الطرفين بتنفيذ بنود وثيقة الإتفاق الذي تم بينهم وبدوره تعهد بتوفير الحماية الكافية والأمن خاصة في مناطق العودة الطوعية، بجانب توفير قوات لحماية الموسم الزراعي..خطوة وجدت القبول و الإستحسان.
زيارة دقلو هذه المرة لولاية غرب دارفور ستكون الحاسمة بلا شك ، خاصة وانه أستمع لكافة المجتمعات حتي تكللت المساعي بعقد صلح دائم بين الأطراف المتنازعة خاصة في محلية جبل مون وخطابه كان واضحاً المعالم وشفافاً لكافة الأطراف المعنية والذي نأمل أن يكون نهائيًا وحاسمًا لكل الخلافات بين قبيلتي المسيرية والرزيقات ، الأحداث الخبيثة التي تديرها أيادي خبيثة لا تُريد لأهل المنطقة الخير لابد من محاربتها حتي يتوقف القتال الذي لا يراعي حرمة الدماء ووصى دقلو على بتر هذا الجزء الخبيث من جسد الوطن لتعودا المنطقة إلى سابق عهدها ذو السلام الذي لا تعرف الحرب مدخلاً لها.
يعلم الجميع أن غرب دارفور كانت مثالًا للسلام والتعايش الإجتماعي طيلة سنوات الحرب لكن تجار الحرب والأزمات تربصوا بأمن الجنينة وأهلها لذا تقدم “دقلو” بدعوة أهل الجنينة للتصدي لهم بإشاعة روح السلام والتسامح وتثبيت ركائز السلام والتعايش السلمي وعدم توفير الحماية للمجرمين بحجة الانتماء للقبيلة بحيث أن المجرم لا قبيلة له ويظل مجرمًا.. وتوجيه دقلو لأجهزة الدولة بغرب دارفور على مواجهة إي مجرم بالحسم اللازم ، آمر يُسهم في تعزيز الوضع الأمني وتخفيف الاصطدام القبلي الذي يتسبب فيه المجرمين، كان حديثًا يشفي الصدور عندما قال (دقلو) لن نسمح باستمرار هذه الفوضى والانفلات الأمني و انتشار الجريمة التي تهدد أمن الناس، لحظة وقف عندها الكل لإلقاء التحية ل”دقلو” واعتبرها كلمات شافية تجعل القوات النظامية تعمل بيد واحدة لوقف وحسم المظاهر السالبة والتخريب المتعمد الذي يسعى إلى هدم السلام الذي تعمل الدولة لآجل إنزاله على أرض الواقع .
بصوت هادئ تظهر عليه نبرات الحزن العميق ، عبر دقلو عن تألمهم الكبير حيال الآثار الكارثية والمدمرة التي تسببت فيها الصراعات القبلية، منها الظروف الإنسانية القاسية التي يعيشها المواطنون بسبب النزوح، الأمر الذي دعا (دقلو) على تأكيد العمل على تخفيف الأوضاع ودعم مؤسسات الدولة والمنظمات الوطنية إلى مساندة المتأثرين حتي يتجاوزوا تلك الظروف لحين عودتهم إلى ديارهم ، بلا شك العمل على فرض هيبة الدولة آمر في غاية الأهمية لأجل الحفاظ على الأمن والمساهمة في بناء سلام مستدام بشراكة قوات حماية المدنيين التي تم تدريبها ، ولقد تحدث دقلو عن الموسم الزراعي وركز عن نجاح الموسم من خلال توفير الأمن والعودة الطوعية للنازحين وفتح المسارات والمراحيل والصواني للرعاة لتحقيق إنتاجية عالية تضمن استقرار العائدين لمناطقهم.. ولعل تأمين القرى وتوفير الأمن و الأمان أمر يُسهم في تجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها الولاية.
بكل تأكيد توجيه دقلو لأجهزة الدولة المنتشرة بغرب دارفور سيعمل علي فرض هيبة الدولة وهي حلقة مفقودة تأثرت منها الولاية كثيرًا لكن بسط هيبة الدولة وتطبيق القانون على كل المتفلتين والمجرمين دون توقف ذلك يسهم في عودة الحياة لطبيعتها، فضلًا عن كونه سيسهم في عودة النازحين إلى قرأهم التي غادروها بسبب الحرب الأهلية التي أقعدت بالولاية .. لم تنتهي القصة ولا ملامح الزيارة بعد لنا عودة انتظرونا.