محمد صالح الامين بركة يكتب .. الساسة ما بين الكياسة والحداثة دقلو أُنموذجاً
*محمد صالح الامين بركة*
*يكتب* :
*الساسة ما بين الكياسة والحداثة دقلو أُنموذجاً*
يقول المثل السوداني : وَدْ الدُّوُرْ محقور ، والناس بينظروا للسياسي البستخدم الثقافة المحلية السودانية الأصيلة ، التي تحملُ خصائص ومكونات ذات قِيَمْ روحية وإنسانية عالية المقام ، وباذخة الشرف والجمال ، كالإستعانة ( بالمفردة) العامية وتوظيفها ، لتوصيل وتوضيح المعنى المراد إيصالهُ ، بطريقة مباشرةً أو غير مباشرة ، كضرب الأمثال وإيراد الحِكَمْ والأقوال ، ووصف المتكلم بالسطحية ، وبالتخلف والجهل واللامبالاة ، وهذا القَوْلُ مردود ، خاصة من قبل دُعاة الحضارة بزعمهم .!!!
من المعلوم أنَّ السياسي الحاذق والنابغ ، هو الذي يُشَكِّل حضور تلقائي دائم ، بدون إدَّعاء أو تكلف ، من خلال ملامسة وجدان المواطنين ، بإبراز كلماتهم وعباراتهم المستخدمة في حيواتهم العامة اليومية ، إلى المنابر العامة ، وهذه التلقائية السلسة والغير معقدة ، تجدُ طريقها للعقول وللقلوب ، بمفهوم السهل الممتنع ، وبذلك يكون الخطاب شامل وعام ، بعيداً عن الصفوية والطبقية ، خطاب يستهدف كل الناس ، بدون إستثناء .
ومن الساسة المعاصرون الذين كانوا يتخذون هذا المنحى بإستمرار ، الإمام الصادق المهدي ( *حَقَّاني* ) عليه رحمة الله ، وبالرغم من لغتهِ الرفيعة والبليغة ، إلاَّ أنه كان يستخدم مفردات شعبية عميقة ، يختارها بدقة متناهية ، وكان لها صدأ واسع في المجتمع ، مستمر وغير منقطع لفتراتٍ طويلة.
وعلى ذاتِ المنوال ، نسج الفريق أول محمد حمدان *دقلو* لغة بسيطة ، وقريبة من حيثُ المعنى والمبنى ، من هموم الناس ، ومكتسبة من الواقع المعاش ، للمجتمعات السودانية ، في البدو والأرياف ، بمختلف بيئاتها ومكوناتها ، وأبرازها في ثَوْبٍ قشيب ، في كافة المحافل السياسية والإجتماعية والثقافية ، وشَكَّلت حضوراً جميلاً ، خاصةً في الوسائط الاعلامية المختلفة . وبدأ البعض يتساءل ، عن مصدرها ومقصدها ، ووجدت تلك المفردات قبولاً وإستحساناً واسعاً ، في الشارع السوداني قاطبة ، وظلت مسجلة بإسمهِ ، كملكية فكرية حصرية *لدقلو* ، ومن بينها ( *الشَّلاقي* ما خلاَّ عميان ) ، والبعض طَوَّر المفردة إيَّاها ، وأشار بأنَّ *الشلاقي* شَبَّهوهُ ب( *جوجل* ) ونسبتها لمحرك البحث رأساً ، الذي لم يترك عميان ووفر سُبُل البحث عن المعرفة والمعلومات والترجمة الفورية والرؤية المباشرة في كل زمانٍ ومكان .
وكذلك مصطلح ( زمن *الغَتْغَتَةْ* والدسديس إنتهي ) وكذلك المويه خرقت *القنطور* والمويه تكضِّبْ *الغطاس* ومصطلح ( إنْ شاء الله تَمْطُرْ *حَصُوُ* ) كلها أخذت إنتشاراً ورواجاً تخطَّى الحدود ، وحصلت على درجة ( *الترند* ) في الوسائط الاعلامية العالمية المتعددة.
ثم ظهر أخيراً على الساحة السياسية الجنرال مِنِّي أركو مِنَّاوي حاكم دارفور وأجزل من إستخدام الموروثات الشعبية ، وأتَّخذَ من الحيوانات رموزاً تعبيرية مثل ( البعشوم وأبوقنفود والأسد ) وغيرها والتي ترفد المجتمعات السودانية بالقصص الواقعية التي أصبحت جزأً من تاريخ وحياة المواطنين وبها تُضرب الامثال ويستخلص منها الحِكمة وَفَصْلَ الخطاب .
والسياسي الذي يستعير مفردات غربية ، ويستعمل مصطلحات وكلمات لاتينية ، يعتبره البعض شخصية مرموقة ومثقفة وناضجة .
العيش في ظل عصر الإستيلاب الثقافي والفكري والحضاري لا يعني إزدراء ثقافاتنا وهويتنا الوطنية الجامعة ، وتغليب ثقافاتٍ وافدة وإعلاء قيمتها ، والحَطْ من موروثاتنا الوطنية ، وهذا الفعل المتعمد ، يعتبرُ إستعلاء واهيٍ كالموت في زمن الكوليرا والطاعون أو الكورونا .
تعددت الاسباب والموت واحدٌ ومن لم يمت بالتغريب ماتَ بغيره .!!!
تعريف الترمنولوجي ل ( الدُّوُرْ ) يحتاج لشرح عند أهل ( جقله ) رُعاة الإبل له أكثر من معنى ومعنى وعند أهلُ السَّعية الأخرى ( أبقار وغنَّامة ) له معاني ومعاني وما بينهما أمورٌ مشتبهات.!!!
ففي صروح العِلْمْ والمنابر الثقافية والمدرجات العلمية يتطلب الخطاب لغة علمية رفيعة ، من حيثُ المفردة والمصطلحات ، ولكلِّ حالٍ مقام ومقال ولكن من الحكمة عند مخاطبة عامة المواطنين والنزول لرغباتهم وأشواقهم والتحدث بلسانهم .
الخلاصة : الجنرال محمد حمدان *دقلو* بذل جهداً مقدراً لم يسبقهُ إليه سياسي آخر قَبْلَهْ في نقل الثقافة المحلية لغرب السودان عامة ودارفور خاصة ، من المحلية الموغلة ، إلى المستوى الوطني ، وإلى فضاءاتٍ عالمية أرحب وَأوسع وأشمل ، وهذا يُشَكِّلُ ثراء معرفي وَقِيمي وإنساني واعد ، يُبْرِزْ خصوصية وخصائص تلك المناطق العريقة ، بموروثاتها الحضارية.