عسكوري: إقصاء العسكريين يقود لحرب أهلية
حذر سياسي سوداني بارز من أي محاولة لإقصاء العسكريين خلال الفترة الانتقالية باعتبارها خطوة قد تقود البلاد لأتون فوضى وحرب أهلية.
وقال رئيس المكتب القيادي للتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية بالسودان، علي عسكوري، في مقابلة مع “العين الإخبارية”، إن للجيش دورا مهما في المرحلة الانتقالية يجب أن يلعبه نظراً للمرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد.
واتهم عسكوري، وهو عضو الهيئة الرئاسية لقوى التوافق الوطني، تحالف الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقاً) بالتسبب في إطالة الأزمة السياسية في البلاد برفض الحوار والتمسك بخيارات صفرية غير مجدية تمثلت فيما اسمته باللاءات الثلاث.
واعتبر أن غالبية السودانيين يرغبون في الحوار للوصول إلى وفاق سياسي ينهي الأزمة الحالية وتشكيل مؤسسات الفترة الانتقالية المنتخبة والتحضير لانتخابات حرة يختار فيها الشعب من يحكمه.
وأشار إلى أن عددا محدودا وفئة صغيرة تقود مظاهرات في الخرطوم وتحاول فرض أجندتها على 45 مليون سوداني، كما لم تلتزم بالسلمية في حراكها حيث تغلق الطرق وتقذف القوات النظامية بالحجارة والعبوات الحارقة وقتل وإصابة عدد من الشرطيين.
ويعيش السودان أزمة سياسية حادة بعد القرارات التي أصدرها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي قضت بحل الحكومة وفرض حالة الطوارئ وتجميد بعض بنود الوثيقة الدستورية، في تدابير وصفت بأنها “تصحيحية لمسار الثورة”.
وتقود آلية دولية ثلاثية، تضم الاتحاد الأفريقي وبعثة الأمم المتحدة بالخرطوم ومنظمة التنمية في شرق أفريقيا (إيجاد)، محادثات غير مباشرة بين الأطراف السودانية، في مسع لحل الأزمة وسط دعم واسع من المجتمعين الدولي والإقليمي.
وأكد عسكوري وهو قيادي في تحالف الحرية والتغيير – الميثاق الوطني، المنشق عن الائتلاف الحاكم سابقاً،دعمهم لجهود التي تسعى إلى حوار سوداني لحل الأزمة الراهنة.
وتحدث عن رؤيتهم لحل الأزمة الحالية، وموقفهم من العنف ضد المتظاهرين، والأوضاع بالأقاليم السودانية وعدد من القضايا.
نص الحوار:
* سبعة أشهر من الصراع السياسي ببلادكم، وما تزال الأزمة تراوح مكانها كيف تتابعون هذا المشهد المضطرب؟
نحن كقوى توافق وطني، وتنظيمنا التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية، دعينا منذ البداية إلى ضرورة أن تجلس جميع الأطراف السودانية لحل قضايا البلاد، فرؤيتنا وموقفنا المبدئي هو الوفاق الوطني، ولكن مجموعة الحرية والتغيير – المجلس المركزي، ترفض الجلوس مع أطراف السياسية.
هذا الرفض والإقصاء قاد لتطاول الأزمة والتي كان يمكن حلها ببساطة شديدة بجلوس جميع الأطراف السودانية إلى طاولة الحوار والوصول إلى حلول متفق عليها.
نحن من جانبنا قدمنا كثير من الأطروحات وآخرها ميثاق، على مجلس السيادة والقوى الأخرى والشعب السوداني، ودعوتنا هي ضرورة أن يتوافق السودانيون لإدارة المرحلة الانتقالية وفتح الطريق للانتخابات.
موقفنا ثابت ونتمسك به وهو ضرورة حل المشكلات السودانية عبر الحوار وليس بأي وسيلة أخرى، وظللنا ندفع في هذا الاتجاه بكل ما نستطيع ليجلس الجميع على طاولة التفاوض، وتتفق معنا كثير من القوى في عدم وجود مخرج لأزمة البلاد غير ارتضاء الكل بالحوار.
تطاول الأزمة ليس بسبب تنظيمنا وإنما مجموعة الحرية والتغيير – المجلس المركزي التي تتخذ مواقف إقصائية وهو أساس المشكلة منذ البداية فهذا التكتل حاول الانفراد بالسلطة غير المستحقة لأنها فترة انتقالية، لكن نحن في قوى التوافق الوطني نظل مصيرين وندعم بكل ما نستطيع ضرورة جلوس السودانيين على طاولة الحوار والقيام بترتيبات إنشاء مؤسسات الفترة الانتقالية باختيار رئيس الوزراء والحكومة والولاة وتشكيل المجلس التشريعي وسن قانون الانتخابات وغيرها.
* دعمتم بقوة إجراءات قائد الجيش تحت مبرر تصحيح المسار، هل تحقق ما كنتم تصبون إليه؟
في الواقع نحن لم ندعم إجراءات الجيش، إنما قيادة القوات المسلحة ورئيس المجلس السيادي والمجموعة التي معه رأوا صواب موقفنا الذي بدأناه منذ نوفمبر 2019م وليس في 25 أكتوبر الماضي 2021م، فخلال تلك الفترة العسكريين والمجلس المركزي سمن على عسل، وكانوا يعملون سوياً.
في الجانب الآخر كنا نتخذ موقفاً أن الأحوال ستقود إلى انسداد سياسي وأن الحرية والتغيير تنفرد بالسلطة وتقصي الآخرين، وقد قدمنا أكثر من خمس مذكرات لرئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء السابق، جميعها تدعو للتوافق وأن الأمور لا يمكن أن تسير بهذه الوتيرة وذلك ما حصل، وتوجنا هذا المجهود باعتصام كان مقررا أن يكون أمام رئاسة الوزراء للضغط على الدكتور عبدالله حمدوك لحل الحكومة وتوسيع قاعدة المشاركة ولكن قوات الأمن اعترضتنا فأقمناه أمام القصر الرئاسي.
ومع حالة الانسداد، اضطرت قيادة القوات المسلحة القيام بإجراءات تصحيحية كنا ننادي بها منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021، فكان يمكن تجنب ما حدث إذا استمع المجلس المركزي لما كنا نقوله، وإلى اليوم يمارسون ذات الرفض والإقصاء في حقنا.
* تقود آلية ثلاثية محادثات غير مباشرة لحل الأزمة، كيف تعاطون معها؟
نحن نتعامل مع الآلية الثلاثية واجتمعنا معها عدة مرات وقدمنا لها رؤيتنا للحل، وكان خيارنا المفضل هو أن يجلس السودانيون لحل مشكلتهم بأنفسهم، فهذه بلادنا ونحن المسؤولون عن أمنها وسلامة شعبها.
لكن مجموعة المجلس المركزي، كان خيارها الذهاب إلى الأمم المتحدة والسفارات، وقالوا ذلك على رؤوس الأشهاد، فهم يثقون في المجتمع الدولي أكثر من أبناء جلدتهم، فطالما فضل الطرف الآخر المؤسسات الدولية قلنا فليكن، وقبلنا التعاطي مع الآلية الثلاثية لكن مواقفنا ثابتة بضرورة حوار سوداني سوداني لحل الأزمة.
في تقديري أن الأمر برمته ليس بحاجة إلى مسهلين دوليين، ولكن الروح الإقصائية عند مجموعة المجلس المركزي أوجدت فرصة للتدخل الأممي في الشأن السوداني، حيث يسعى هذا الائتلاف إلى إعادة الأوضاع السياسية في البلاد لما قبل 25 أكتوبر التي شهدت قرارات قائد الجيش الشهيرة لأنهم يزعمون أن ما حدث انقلاباً عسكرياً، ونحن لا نعتقد ذلك لأن ما تم كان إنقاذ للبلاد من انسداد سياسي خطير فمعلوم المشاكل التي حدثت في تلك الفترة بالخرطوم وشرق السودان وغيرها، إلى جانب المهاترات التي حدثت بين الشركاء المدنيين والعسكريين.
على ذلك فإن العودة للأوضاع ما قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول هي مستحيلة وغير ممكنة وذكرنا ذلك للآلية الثلاثية خلال نقاشاتنا معها، واعتقد أن الآلية نفسها تدرك ذلك.
أرجع المجلس المركزي كل مشكلات السودان الحالية إلى ما حدث في 25 أكتوبر، رغم أنهم حكموا البلاد لأكثر من عامين ولم يعالجوا هذه الأزمات التي يتحدثون عنها الآن.
لقد سلمنا الآلية الثلاثية مبادراتنا وشرحنا لهم الروح الإقصائية للمجلس المركزي الذي يتكون من أحزاب لا وزن لها باستثناء حزب الأمة القومي الذي هو في طريقه الآن لمغادرة هذا التحالف، ورغم ذلك أكدنا استعدادنا للجلوس معهم في إطار حوار سوداني لحل الأزمة بالبلاد لكنها يرفضون.
* يتهمكم البعض بأن تنظيمكم حاد عن مبدأ دعم الحكم الديمقراطي، ما ردكم على هذا الاتهام؟
التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية، تنظيم ديمقراطي، يؤمن إيماناً قاطعاً بالديمقراطية والحرية والعدالة واحترام حقوق الإنسان، وأكثر من ذلك نؤمن بأن السودان لا بد أن يكون دولة فدرالية كاملة الدسم تمتلك فيها الولايات مواردها الذاتية، وقد ناضلنا وقاتلنا حكم الرئيس المعزول عمر البشير لأكثر من 30 عاماً إلى أن سقط.
لا أحد يمكن أن يزايد على مواقفنا في إيماننا بالديمقراطية والحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان، حتى المجلس المركزي التي تتهمنا بدعم خطوة قائد الجيش لا تستطيع أن تزايد علينا فهو يضم أشخاص كانوا جزء من نظام البشير وشاركوا معه وقبلوا بخوض الانتخابات.
غير صحيح أننا ندعم خطوات ليست ديمقراطية، ولكن نحن سودانيون قبل أن نكون حزباً سياساً، يهمنا استقرار البلاد وعدم التفريط في أمنها وعبور الفترة الانتقالية الحرجة، لذلك نرى أن المكون العسكري له دور حسب الوثيقة الدستورية يجب أن يلعبه.
وينبغي عدم إقصاء الجيش من الفترة الانتقالية، فأوضاع بلادنا الأمنية الآن في غاية الهشاشة لذلك هناك دور مطلوب من القوات المسلحة في حماية البلاد ومنع انزلاقها في أتون فوضى وحرب أهلية.
الواقع السوداني معقد فهناك عدد من الجيوش واحتقانات في الأقاليم، فكل شخص وطني متابع يستطيع معرفة هشاشة الوضع الأمني بالبلاد، هذا إلى جانب أن الوثيقة الدستورية التي وقعتها الحرية والتغيير – المجلس المركزي تنص على مشاركة المكون العسكري في الفترة الانتقالية، نحن نحترم العهود والمواثيق ولا ننكر أن للجيش دور.
المجلس المركزي بعد أن فقد السلطة ظل ينادي بعودة العسكريين للثكنات في تنكر للعقود والمواثيق.
* كيف يتابع تحالفكم المظاهرات المنادية بالحكم المدني ومتمسكة بما يعرف بـ”اللاءات الثلاث”؟
السودان ليس محطة شروني أو شارعي الأربعين الستين الخرطوم (نقاط تجمع المتظاهرين)، فهو بلد كبير يسكن 45 مليون نسمة أغلبهم أصواتهم لا يسمع إليها أحد، فهذا جوهرة المشكلة في بلادنا هو أن مجموعة الخرطوم تحدد لملايين السودانيين مصيرهم وكيفية حكمهم، نحن ضد هذه الانتقائية والإقصاء وأن تحاول مجموعة صغيرة بالعاصمة وجدت نفسها بالقرب من مراكز السلطة جغرافيا تحاول لوحدها أن تفرض أراءها وأجندتها على الآخرين.
اللاءات الثلاث إقصائية، وعدمية وصفرية وهي محاولة لفرض رؤية حزبية ضيقة على جميع السودانيين، ونحن ضدها، ومع الحوار فمن كان لديه رؤية وأجندة عليه أن يأتي بها إلى طاولة التفاوض.
لكن لأن هذه المجموعة يعلمون أنهم لا وزن لهم في الشارع ولا يمكنهم فرض أجندتهم على الآخرين، لذلك يستمرون في المظاهرات قليلة العدد التي لا وزن لها.
هناك تذمر في الأقاليم السودانية تجاه ما يجري في الخرطوم، كون مجموعة صغيرة تحاول فرض أجندها وتتبنى لاءات ثلاثا وتغلق في تجنٍ على حقوق المواطنين وتعطيل مصالحهم، فتتريس الطرق فيه انتهاك لحرية الآخرين لمزاولة حياتهم اليومية، لكن هذه المجموعة تؤيده وتفعله في كل مرة بمبررات ومسببات واهية.
نحن نرى طالما هناك فرصة للحوار الأفضل أن يأتون إليه حتى بلاءاتهم، ليتحاوروا للوصول إلى توليفة مقبولة للجميع لتكملة الفترة الانتقالية، ونعتقد أن الخروج للشارع ورفع اللاءات هي صفرية لن يقود إلى حل المشكلة.
* بحكم شراكتكم في الحكومة الحالية، ما موقفكم من استمرار العنف ضد المتظاهرين؟
نحن لسنا شركاء ولا توجد حكومة أصلاً في الوقت الحالي، فالموجودون حالياً بالمواقع الوزارية هم أطراف عملية السلام، أما التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية ليس جزء من أي حكومة ولا يقرر في سياسات ولا يحتل أي مواقع تنفيذية في مجلس الوزراء.
نحن موقفنا مبدئي تجاه هذه القضايا وهو رفض القتل وندين الاعتقالات ونعقد أنه من حق أي مواطن أن يتظاهر ويعبر عن رأيه بصورة سلمية وينادي به، لكن هناك عنف وتخريب للطرق وقتل ضابط وجنود في الشرطة والقوات المسلحة، هذا يجب أن يقال، من فعل هذا؟..
يجب أن ندين القتل من جميع الأطراف.
هذه ليست مظاهرات سلمية في واقع الأمر وهناك تخريب وتكسير لسيارات المواطنين وغيرها، يجب أن يدين المجلس المركزي أو أي من يقف خلف هذه المظاهرات رشق القوات النظامية بالحجارة والعبوات الحارقة وكل أشكال التخريب.
يجب مراجعة فيديوهات الاحتجاجات فهي ليست سلمية، وكلنا نشاهد أن المظاهرات السلمية في العالم تكون تحت حماية الشرطة وبمسارات محددة حتى تؤدي رسالتها.
* في ظل تعقيدات الوضع الراهن، ما مدى تفاؤلكم بالوصول إلى حل سياسي ينهي الأزمة؟
نحن متفائلون دوماً بأن السودانيين قادرون على الوصول إلى حل ينهي هذه الأزمة البسيطة، إذا ما تركت الحرية والتغيير الموقف الإقصائي للجهات الأخرى ستعالج هذه المشكلة غضون أيام فالقضايا واضحة.
رئيس المجلس السيادي أعلن مراراً أن القوى السياسية عليها التوافق لإدارة الفترة الانتقالية وصولاً للانتخابات، ولكن الطرف الآخر رافض لأي ترتيبات ويطالب بالعودة لما قبل قرارات قائد الجيش وهذا عملياً ليس ممكناً.
المجلس المركزي يرفض الجلوس مع الجميع حتى القوى التي شاركت في صناعة الثورة، ولكنهم وصلوا مرحلة الآن تنعدم فيها الخيارات، فإما أن يجلسوا مع الآخرين لحل أزمة البلاد في إطار الآلية الثلاثية أو أن يتخطاهم الناس، لأنهم كما أسلفت أحزاب ليست لها أوزان لها أصلاً من الخطأ انتظارهم ليغيروا مواقفهم.
موقفنا هو ضرورة تشكيل حكومة واختيار رئيس الوزراء والولاة والمجلس التشريعي وبقية مؤسسات الدولة، وإلا ننتظر أحد إلى ما لانهاية، فهذه قوى تعتقد أن الأمم المتحدة ستعيدها إلى الحكم وفرض أجندتها، ولكن هذا لن يحدث، فالقوى التي ارتضت الحوار كبيرة جداً وتمثل أغلبية ساحقة من الشعب السوداني وبإمكانها تشكيل السلطة، وترك المجلس المركزي يواصل احتجاجاته.
مرتضي كوكو
العين الاخبارية