“الوحش الأصفر” يخنق العراقيين.. كلمة السر “غطاء نباتي”

رغم أن العراق معرض عادة للعواصف الترابية، لكن ليس بهذا العدد الكثيف المتزايد بشكل مثير للقلق خلال الأشهر القليلة الماضية منذ بدء هذا العام ولا بهذه الحدة والقوة.

وآخر حلقات هذه العواصف الترابية الخانقة هي التي تتعرض لها مناطق ومحافظات عديدة في مختلف أرجاء العراق وخاصة بوسط وجنوب البلاد، منذ ليل الأربعاء / الخميس وتواصلت ليوم الجمعة في بغداد والأنبار وكركوك والنجف وكربلاء وصلاح الدين، ووصلت تأثيراتها حتى لمحافظات إقليم كردستان العراق الشمالية.

ويرى خبراء بيئيون ومناخيون أن شح الأمطار والاستهلاك المتعاظم على وقع ذلك للمياه الجوفية دون ضوابط ومراقبة، هو ما يسهم في مضاعفة أكلاف التغير المناخي الباهظة على العراق المهدد باتساع نطاقات التصحر والجفاف داخله، وهو ما ينعكس بشكل واضح عبر هذه العواصف الترابية غير المسبوقة.

وتشكل زيادة الغطاء النباتي وزراعة غابات بأشجار كثيفة تعمل كمصدات للرياح، وتشييد مساحات وأحزمة خضراء محيطة بالمدن والبلدات العراقية، أحد أهم الخطوات الكفيلة بخفض معدل العواصف الرملية واحتواء آثارها المدمرة، والعمل على تنقية الهواء كما يرى الخبراء.

وتعليقا على تصاعد ظاهرة العواصف الرملية الخانقة في بلاد الرافدين، والحلول والمعالجات المطلوبة لكبحها، يقول أيمن هيثم قدوري، الخبير البيئي العراقي وعضو الاتحاد العالمي لحفظ الطبيعة، في حوار مع “سكاي نيوز عربية”: “خلال الربع الأول من هذه السنة فقط تعرض العراق لنحو 15 عاصفة ترابية، وهذا رقم كارثي مقارنة بالمعدلات السنوية السابقة، ومن المتوقع أن يرتفع عدد العواصف الترابية التي يتعرض لها العراق لما بين 273 إلى 300 عاصفة ترابية بحلول العام 2050 حسب دراسات الأمم المتحدة في العام 2011 و2012 الخاصة بسبر ومراقبة تغيرات المناخ والمناطق الهشة في هذا الاطار، حيث يحتل العراق المرتبة الخامسة كأكثر دول العالم هشاشة حيال ظواهر التغير المناخي”.

ويمضي الخبير البيئي قائلا: “وما يزيد الطين بلة أن العراق يعاني من الشحة المائية منذ عام 2010 ولغاية الآن، وخاصة بسبب انخفاض معدل الاطلاقات المائية من تركيا ولا سيما بعد تدشينها مشاريع مائية في الأناضول كمشروع غاب، وكذلك من إيران ما أسهم في خفض مستوى الأنهار وروافدها في العراق، وبالتالي تضررت الخزانات الضحلة المائية ما أفقد التربة العنصر المبرد لها وازداد عامود التربة الجاف، وبالتالي ازدادت المساحات الجرداء والقاحلة وذرات ترابها معرضة بالطبع للتطاير يفعل الجفاف والتصحر”.

ويسترسل قدوري في شرح مسببات هذا التصاعد في عدد العواصف الترابية بالعراق، حيث يقول: “كما وتتأثر البلاد بظاهرة اللانينا وهي ناتجة من نشاط المحيط الهادىء، حيث تصلها 3 موجات من الرياح الهوجاء والقوية كل عام خلال فصول الربيع والصيف والخريف، والتي تتراوح سرعتها ما بين 50 إلى 80 كلم في الساعة، وهي طبعا تكون في كثير من الأحيان مصحوبة بالتراب والغبار، كما هو حاصل الآن”.

الحلول المطلوبة

وعن الحلول المطلوبة لوقف هذه الظاهرة الخطيرة بتأثيراتها المدمرة، يقول الخبير البيئي والمائي العراقي: “لن تجدي أية حلول ترقيعية لمعالجة ظاهرة تصاعد عدد وقوة العواصف الترابية بالعراق، بل ينبغي وضع حلول استراتيجية لمشكلة بالغة الخطورة كهذه، وذلك عبر المطالبة أولا بحقوق العراق وحصصه المائية من دول الجوار وخاصة من كل من تركيا وإيران بالدرجة الأولى، ومن ثم منع عمليات الحفر العشوائي للآبار من قبل المواطنين العراقيين ما يترتب عليه استنزاف المياه السطحية، التي توفر عادة الترطيب والتبريد اللازمين للتربة، والتي يبلغ عمقها بالكاد نحو 12 مترا، علاوة طبعا على ضرورة العمل على زيادة المساحات الخضراء والتشجير في عموم البلاد”.

من جهته يقول حمزة رمضان، مدير مركز استراتيجيات الطاقة والمياه بالعراق، في حوار مع “سكاي نيوز عربية”: “الماء هو العنصر الأساس في ديمومة النظم الطبيعية لكوكب الأرض ككل من الهواء والتربة والتنوع الإحيائي، وفي حالة فقدان المياه أو شحتها فيكون هو التهديد الأكثر إثارة للقلق للاستقرار الاجتماعي والسياسي والبيئي في مختلف البلدان التي تعاني من قلة في الأمطار وتراجع في واردات المياه السطحية والجوفية، وتصنف بإنها أزمات المياه، اعترافا بعواقبها البعيدة المدى، على أنها خطر مجتمعي داهم ووجودي”.

وهذا هو حال العراق خاصة في ظل ارتفاع معدلات الجفاف والتصحر والعواصف الترابية الشديدة والمتتالية، كما يرى الأكاديمي والخبير المائي العراقي، مردفا: “والذي عانى من ويلات الحروب والحصار الدولي وما رافقه وخلفته من أزمات سياسية متناسلة، مما اثر بشكل كبير على اصلاح البنى التحتية، وهو ما يتطلب تخصيصات مالية ضخمة لاعادة ترميم وصيانة المشاريع القائمة، والتي تقادمت في عمرها الإنشائي وفي تطوير مشاريع السدود و الري، كون معظم موارد العراق المائية هي التي ترد من خارج حدوده السياسية وتقدر نسبتها حوالي 70 بالمئة من مصادره الكلية”.

وحسب وكالة الأنباء العراقية الرسمية فقد تعرض ما يزيد على ألف شخص للاختناق، الخميس، بسبب العاصفة الترابية الأخيرة، وهي العاصفة السابعة خلال شهر واحد فقط.

يذكر أنه في الشهرين الأخيرين على وجه الخصوص تكررت العواصف الترابية بشكل قياسي في العراق، وأدت في بعض الأحيان لإغلاق مطارات البلاد الدولية في بغداد والنجف وأربيل والسليمانية بسبب انعدام الرؤية وسوء الأحوال الجوية نتيجتها.

هذا ويعد العراق من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحر في العالم، خصوصا بسبب تزايد الجفاف مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز لأيام طوال من فصل الصيف 50 درجة مئوية.

مقالات ذات صلة