عثمان ميرغني يكتب .. خيال يرتاد الثريا..
عثمان ميرغني يكتب: خيال يرتاد الثريا..
كانت لحظة فرح طاغية عندما نجح الحلفاء في صناعة أول كمبيوتر لفك شفرة الاتصالات العسكرية للجيش الألماني.. وكانت المفاجأة إن أول رسالة مشفرة فك طلاسمها الكمبيوتر تكشف عن هجوم وشيك للطائرات الألمانية على قافلة بها حوالى 500 من جنود الحلفاء.. حاول الضابط المسؤول إبلاغ القيادة بالهجوم لكن المهندس الذي اخترع الكمبيوتر إعترض بشدة.. قال له الضابط سننقذ 500 من جنودنا..رد عليه المهندس ( مهمتنا التي تم تكليفنا بها هي صناعة كمبيوتر لفك الشفرة وليس إنقاذ 500 من جنودنا)..
كانت لحظات عصيبة عندما أغارت الطائرات الألمانية و دمرت القافلة وقتلت الجنود، لكن كان تقدير مهندس الكمبيوتر أن الجيش لو أبعد القافلة وأنقذها من الغارة قبل حدوثها فإن الألمان سيدركون أن الكمبيوتر فك شفرتهم وفيعملون على تغييرها..فالأفضل التضحية بالجنود حتى يستمرالألمان في استخدام الشفرة ذاتها..
بعد ما انتهت الحرب العالمية في أغسطس 1945 بنصر مبين للحلفاء وهزيمة النازية ..منحت ملكة بريطانيا وساماً خاصاً لمهندس الكمبيوتر الذي فك الشفرة الألمانية بعد أن أصدرت قيادة الجيش بياناً قالت فيه أن الكمبيوتر وفر سنتين من الحرب، وأنقذ ارواح مليوني إنسان..
المهندس الذي كان يعمل على إنجاز هذا الاختراع ظل محاطاً بهالة من السخرية لكونه “خيالي” يضيع الوقت في الأوهام.. وفي لحظة قررت قيادته العليا إيقافه من العمل وطرده بعد أن طال الزمن دون أن يكمل الاختراع.. وبالكاد نجح في إقناع القيادة منحه شهراً واحداً إضافياً.. وفعلاً نجح في آخر يوم قبل انتهاء المهلة..
“ارثر كلارك” كاتب خيال علمي؛ كتب مقالين في العام 1945 تخيل فيهما وضع ثلاثة أقمار صناعية في مدار فوق الأرض لتعكس الإشارات اللاسلكية مرة أخرى نحو الأرض.. فكرته كانت خيالاً مثيراً للسخرية لكنها تطورت لتصبح حقيقة لا يزال يعتمد عليها العالم حتى اليوم في الاتصالات.. فالأقمار الصناعية الثلاثة فوق الأرض ستغطي بإشعاعها كل الكرة الأرضية فتصبح الاتصالات عبرها كافية لتصل الى كل ركن في العالم..
الخيال يصبح الفكرة.. والفكرة قد تبدو غريبة لكنها قد تحمل مولوداً للمستقبل يغير الحال تماماً..
في السودان بكل أسف نحن أسرى التفكير التقليدي.. لا نستطيع النظر بجرأة خارج المألوف.. اية فكر غريبة تقابل بكثير من التتفيه الذي يكفي لردمها بالتراب وقتلها قبل الميلاد..
فكروا خارج الصندوق ،لنخرج السودان من الصندوق..