مجلس البجا يطالب بالحكم الذاتي وسط تجدد الخلافات بين أطراف شرق السودان
رغم محاولات المقاربة بين الأطراف في شرق السودان، تصاعدت الخلافات مجدداً، بين أنصار مسار الشرق في اتفاق السلام والمجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة الرافض للاتفاق والذي جدد حديثه عن مطالبته بالحكم الذاتي.
وأعلن المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة الانسحاب من الاجتماعات المشتركة مع لجنة التوافق الوطني، مطالباً بالحكم الذاتي وإلغاء مسار الشرق. وتجددت الخلافات، بين الأطراف، رغم زيارة قام بها نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى شرق السودان، الشهر الماضي، في محاولة لتسوية الخلافات.
وما يزال الوضع يتصاعد بما يضع التفاهمات غير المستقرة بين الأطراف هناك على المحك، في وقت يبدي مراقبون انزعاجهم من تصاعد الأزمة وحساسية الوضع في شرق السودان، في ظل الاحتدام القبلي في الداخل والاستقطاب والصراع الدولي في الميناء الشرقي للبلاد، الذي لا يبدو بعيداً عن الصراعات بين أطراف الانقلاب.
وقال المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة في بيان مساء الأربعاء، إنه انخرط مؤخراً في اتصالات مع عدد من الأحزاب السياسية، وأطراف عملية السلام (الجبهة الثورية)، في إطار مساع للوفاق الوطني. وقدم رؤية تتكون من ثلاثة محاور رئيسية، قاطعاً بضرورة تقديمها على أي حوار حول قضايا الشرق.
وتتضمن الرؤية إلغاء مسار الشرق في اتفاق السلام الموقع في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وأن يكون المجلس الأعلى لنظارات البجا وتنسيقية شرق السودان طرفاً رئيسياً في إي اتفاق حول الشرق، بالإضافة إلى المطالبة بإقرار الوثيقة التي كان من المنتظر أن توقع عليها أطراف اللجنة، بأن قضية شرق السودان قضية تهميش، يجب حلها وفق مشروع وطني ومناقشة كافة مقررات المؤتمرات الرسمية، خاصة مؤتمر سنكات وتوصياته للوصول لحل كامل لمشكلة الشرق عبر منبر تفاوضي منفصل.
واتهم البيان لجنة التوافق الوطني بعد رفضها الرؤية، بالانحياز والسعي لشرعنة اتفاق السلام عبر توقيع وثيقة التوافق الوطني.
وأعلن إيقاف كل أشكال التواصل بين المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة مع اللجنة وأنه ليس جزءاً من أي اتفاق تتمخض عنه اجتماعاتها.
وأكد رفضه المشاركة في التسوية واصفاً إياها بـ”المشبوهة”، مشيراً إلى أنها تسعى لتمرير اتفاق السلام ومحاولة شرعنته عبر حاضنة الوفاق الوطني.
وقال المجلس إنه سيعقد اجتماعاً طارئاً خلال الساعات القليلة المقبلة مؤكداً تصديه لأي جهة تسعى لتمرير مسار الشرق في اتفاق السلام.
وخلال مخاطبته دعوة إفطار أمس بمنزل عضو المجلس السيادي، “أبو القاسم برطم” ، طالب رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، محمد الأمين ترك، بالحكم الذاتي لشرق السودان وتنفيذ مخرجات مؤتمر سنكات، داعياً لمؤتمر جديد يحمل اسم مدينة أركويت شرقي السودان، قال إنه سيجمع كل القوى المدنية والسياسية والحركات غير الموقعة على اتفاق السلام في حوار شامل لحل مشاكل السودان وتضافر الجهود لتأمين السودان.
وأضاف: “كما قمنا بتأمين السودان من الأسطول الإنجليزي من قبل سنقوم بتأمينه الآن”.
ويشار إلى أن أعضاء المجلس السيادي تغيبوا عن دعوة الإفطار التي أقامها برطم الأربعاء، لكن بيان لاحق لمجلس السيادة، قال إن دعوة برطم كانت غير رسمية.
وفي وقت أكدت تقارير صحافية وجود خلافات بين برطم القريب من إسرائيل، ونائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو، الذي يرعى اجتماعات لجان التوافق الوطني، والذي يعتبر الأقرب للإمارات وروسيا، حسب مراقبين.
إلى ذلك، قال كبير مفاوضي مسار الشرق في مفاوضات السلام، عبد الوهاب جميل لـ”القدس العربي”، إن المجلس يطالب بإلغاء المسار دون رؤية أو أسباب مقنعة. وأضاف: “لا يمكن لمكون واحد أن يفرض ما يشاء على كل مكونات شرق السودان”، مؤكداً أنهم لن يتنازلوا عن مسار الشرق في اتفاق السلام، الذي وقعوا عليه باعتبارهم جزءاً من الجبهة الثورية، وأنه مثله مثل بقية المسارات الخاصة بالشمال والوسط ودارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.
واتهم جميل الحكومة بغياب الرؤية والتلاعب بالصراعات في الشرق وفق مصالح وتقاطعات بين أطرافها، مؤكداً أنها لا تعمل من أجل استقراره.
وأضاف: “قدمت أطراف في الحكومة وعوداً سرية للمجلس الأعلى لنظارات البجا بإلغاء المسار، وتحقيق مطالبها في تقسيم الشرق بحدود بين القبائل الأمر الذي قد يقود لصراعات واسعة واستنساخ لصراع الحواكير (الأراضي) في غرب السودان”، مشيراً إلى أن الأولى هو التقسيم الإداري للحدود وليس القبلي.
وأضاف: “الحكومة لا تعرف ما تقحم نفسه فيه ولا تعرف العواقب”، مؤكداً أن أزمة الشرق لن تحل بالإقصاء. وتابع: “الحكومة لا تملك رؤية أو إرادة لحل أزمة الشرق”، مؤكداً على ضرورة جمع الفرقاء في طاولة حوار واحدة، من قبل السلطات وإقامة حوار شفاف وبناء لحل الأزمة.
وأكمل: “وافقنا في مسار الشرق من قبل على تعليق العمل باتفاق المسار حتى يتم الوصول إلى تسوية، إعلاء للمصلحة الوطنية العليا وسعياً منا لحل أزمة الشرق، إلا أن مجموعة ترك تشترك في اللجان مرة وتخرج مرة أخرى، ونحن لن نسمح لشخص واحد بان يفرض علينا مواقفه”.
وشدد جميل على أن مؤتمر أركويت المزمع عقده أو أي مؤتمر آخر لن يحل الأزمة وأن عدم مشاركة أطراف مسار الشرق تعني استحالة تطبيق أي مخرجات على أرض الواقع. وأكد أنهم منفتحون على الحوار والتوافق ومستعدون لبذل كل التنازلات المطلوبة في الصدد، ولكنهم لن يقبلوا أن تفرض عليهم أي تسوية.
ويشار إلى أن مسار الشرق، هو واحد من مسارات اتفاق السلام الموقع بين الحكومة والجبهة الثورية في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2020، والذي قوبل بمعارضة بعض المكونات في الشرق لجهة عدم مشاركتها في الاتفاق، لتقوم لاحقاً بعقد مؤتمر سنكات الذي كانت أبرز مخرجاته إلغاء مسار الشرق وحق تقرير المصير. ولاحقاً، قام المجلس الأعلى لنظارات البجا بإغلاق شرق السودان، لأكثر من شهر، في سبتمبر/أيلول الماضي، الأمر الذي أدى لاحقاً للتضييق على الحكومة الانتقالية وسيطرة العسكريين على الحكم.
واتهمت قوى الحرية والتغيير وقتها مجلس البجا بالتآمر مع العسكريين على تقويض الانتقال الديمقراطي في البلاد.
وحسب الناشط في قضايا الشرق “خالد محمد نور”، الصراع بين مكونات الشرق غير منفصل عن الصراع الراهن بين أطراف السلطة في المركز.
وقال لـ”القدس العربي” إن الخلافات الحالية بين المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة ومجموعة مسار الشرق، هو جزء من الخلافات بين مكونات المجلس الانقلابي.
وأشار إلى أن مجموعة المجلس بقيادة “ترك” أقرب للقائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان بينما مسار الشرق أقرب للحركات المسلحة، باعتبارهم مكونات للجبهة الثورية، والتي تعتبر الأقرب لـ”حميدتي”.
وتوقع أن يشهد المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة انقسامات حادة، مؤكداً أن مكوناته ذات الطبيعة القبلية لن تكون قادرة على الاستمرار في التحالف. وأكد نور أن أزمة الشرق لا يمكن حلها إلا بإنهاء الوضع الانقلابي وحالة الاستقطاب الراهنة، معتبراً قادة مكونات الشرق “كروت لعب” في يد العسكر يحركونها وفق مصالحهم وصراعاتهم التي يبدو أنها ماضية في التفاقم.
وأضاف أنه طالما أنهم لا يملكون الإرادة الحرة لن يستطيعوا بطبيعة الحال إدارة حوار بناء يفضي إلى حلول تنهي الأزمة في شرق السودان.