عثمان ميرغني يكتب .. عودة غندور.. لا عودة الوطني..
عثمان ميرغني يكتب: عودة غندور.. لا عودة الوطني..
البروفيسور إبراهيم غندور خرج من السجن بموجب حكم قضائي ومعه مجموعة من الذين شملهم اتهام تحت طائلة قانون الإرهاب، ولم تكن المشكلة في أن يُقبض عليهم وتوجه لهم التهمة طالما في الإمكان مواجهة الاتهام بالوسائل القانونية، لكن المشكلة الحقيقية كانت في البقاء خلف أسوار السجون فترات طويلة بلا تحر ولا محاكمة.. وهو أسلوب شائع الاستخدام سياسياً، تحويل الإجراءات القانونية إلى أداة قهر سياسي.
واحتفى به الطيف السياسي المناصر له وربما المعادي له أيضاً فقد عُرف عنه المحافظة على سلامة الخصومة السياسية حتى وحزبه في أعتى قوته.. كان واسع العلاقات مع كل ألوان المشهد السياسي السوداني.. وخرج إلى فضاء العمل السياسي الحر وتحدث في قناة الجزيرة مباشر.
الذي يبعث على الدهشة الحقيقية خلال متابعتي لتصريحات البروف غندور، أن كل الثورة السودانية العظيمة التي أضيفت في سجلات التاريخ إلى سابقتيها أكتوبر 64 وإبريل 85، لا تبدو في السياق الذي رسمه غندور إلا (فاصل ونواصل) .. عبرة بلا مُعتَبِر.. و كتاب بلا درس.. وتجربة بلا مضمون.
حزب المؤتمر الوطني لم ينسحب بطوعه من المشهد السياسي، بل بثورة شعبية استمرت عدة أشهر سقط خلالها الشهداء وفاضت السجون بالمعتقلين .. وصفق لها العالم كله وأكرم وفادتها بإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع أوزار الديون الباهظة التي تعطل انطلاق اقتصاده، وكان المجتمع الدولي متحمساً لشراكات بلا حدود في مختلف المجالات.. هذا واقع لا يقبل الإنكار.
وعندما يتحدث البروف غندور عن عزم حزبه وانتظاره الانتخابات ليخوضها مع الخائضين وفي خاطره أن يكسب أو ربما يكتسح فهنا تبدو حقيقة مخيفة.. ليس في أن ينتصر حزبه في الانتخابات بل في أن يؤمن وهو حزبه أنهم يواصلون من حيث انتهى بهم الدرب، صباح الخميس 11 إبريل 2019، وكأن الله كتب على الشعب السوداني أن يستعد لاستقبال دكتاتورية أعتى بيد حزب لا يعرف كيف يقرأ التاريخ.
بكل صراحة الوضع الراهن الآن في غاية السوء.. صحيح أن قوى الحرية والتغيير التي سلمها الشعب السوداني سلطة مسنودة بأقوى تفويض جماهيري فشلت في الحفاظ عليها وفقدتها حتى من قبل أن تصل لاتفاق الشراكة الذي بموجبه تكونت حكومتي حمدوك الأولى والثانية.. وصحيح أن الشعب ما بات يثق في قدرة الحرية والتغيير – بمختلف نسخها وتحوراتها- على إدارة البلاد.. لكن الأصح أن ذلك لا يعني إطلاقاً أن البديل هو حزب حكم ثلاثين سنة دمر البلاد فيها دماراً شاملاً.. وسقط بثورة شعبية لا ببندقية ولا دبابة..
الشجاعة ليست في أن يخرج بعض قيادات المؤتمر الوطني للعمل الحر العلني ، بل في أن يمارسوا النقد الذاتي والإقرار بالذنب والاعتراف وطلب الصفح من شعب بلغ حد الإجماع على الإطاحة بنظامه.
وتبلغ الدهشة منتهاها أن يظل البروف غندور يردد اسم (حزب المؤتمر الوطني) وكأنه ينكأ في جرح الشعب السوداني أو يشمت في مآلات الثورة.
أن مجرد أن يقول أحد أن حزب المؤتمر الوطني يمكن أن يعود قضائياً هو إصرار على الاستهانة بالشعب الذي أسقطه، فحزب المؤتمر الوطني لم يسقط في انتخابات بل بقرار من الشعب السوداني بالإجماع، وقرار الشعب هو مبدأ فوق الدستور نفسه.
نصيحتي للبروف غندور، أن أول خطوات الاعتذار للشعب السوداني هي الاعتراف أن (حزب المؤتمر الوطني) طوته صحفات التاريخ، تماماً كما طوت صفحات أحزاب مناظرة في دول كثير في العالم إنقلبت عليها شعوبها فلم تفكر في استفزازه باستعادة الحزب الحاكم بعد أن يسقط شعبياً..
من كان يعبد المؤتمر الوطني فإن المؤتمر الوطني قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
رُفعت الأقلام وجفت الصحف..