ابراهيم عثمان يكتب – وجهة نظر العلمانيون واحتكار التعطيل
الخرطوم- اثير نيوز
لا توجد مراوغة أشد خبثاً من مراوغة العلمانيين في تهمة احتكار الإسلام :
▪️ العلمانيون دائماً بتهمون “الكيزان” باحتكار الإسلام، ويتهمونهم أيضاً بعدم الإلتزام بما احتكروه .. وعندما يسمع الناس جماعةً تتهم غيرها باحتكار شئ سيظنون أن هذه الجماعة محرومة من هذا الشئ وتريد نصيبها منه، وأنها ستكون أكثر التزاماً به، إلا في هذه الحالة، فالإسلام لا يمكن احتكاره وباب التدين والدعوة الإسلامية مفتوح أمام الجميع إلا من أبى … والعلمانيين أبوا ويحتجون على احتكارٍ لا يرغبون في كسره .
▪️ الواقع أن كل من يرغبون في الدعوة يقومون بذلك فعلاً : لأنصار والختمية،وكل الطرق الصوفية، وأنصار السنة والسلفية المدخلية، ومختلف الجماعات السلفية، والسرورية والتيارات الإخوانية .. الخ … ولا يوجد “دعاة” علمانيون والمانع من ذلك يخص العلمانيين لا غيرهم .
▪️ في الحقيقة أشد التبرم من عمل الدعاة والتضييق عليهم يحدث في ظل الأنظمة العلمانية، ولهذا فإن تهمة الاحتكار أولى بها الجماعات العلمانية، لكنه احتكار من نوع خاص يمكن تسميته باحتكار التعطيل، فهم لا يدعون للإسلام ولا يتركون لغيرهم حرية الدعوة إلا في الحد الأدنى الذي لا يستطيعون منعه.
▪️ بجانب تهمة احتكار الإسلام التي يوجهها العلمانيون إلى الإسلاميين هناك تهمة احتكار أكبر يوجهونها إلى عامة المسلمين، وهي تهمة احتكار المجال العام وتهميش المسيحيين والوثنيين والملحدين والمرتدين وعبدة الأحجار، ويتهمون الشريعة بالتغول على حقوقهم، بل ويبالغون في اتهامات التغول بأكثر مما يفعل المسيحيون والوثنيون أنفسهم ، فالعلمانية – كحل لهذا التغول المزعوم – لا يرفع لواءها المسيحيون ولا الوثنيون بل المسلمون العلمانيون .. إذن تهمة الاحتكار الأولى ليس الغرض منها فك الاحتكار وإنما التمهيد لتهمة الاحتكار الأكبر التي تصنع احتكار التحجيم والتعطيل.
▪️ لعلم العلمانيين بأن علمانيتهم تتناقض مع موقف الأغلبية من دور الإسلام، فإنهم يخجلون منها، لذلك كلمة العلمانية غائبة من خطابات المسؤولين رغم إنها أساس مشروعهم، وعندما يكون هناك مشروع يخجل أصحابه من عنوانه ويسوقونه بدون تسمية وبتدرج خبيث، فإن دعوى مصادرة حقوق الآخرين واحتكار القرار لفئة معزولة ستكون أكثر صحةً .
▪️ العلمانيون هم أحد أطراف التنوع الذي يتذرعون به لطرد الإسلام من المجال العام، بل هم طرف أقلوي، ولذلك لا يحق لهم أن يقدموا العلمانية وكأنها فوق التنوع لتكون هي الحل لمشاكل التنوع الحقيقية والمصنوعة والمضخمة .. فهم طرف أقلوي يحاول أن يختطف الأغلبية ويفرض قناعاته بدون الصندوق الانتخابي وله خصوماته ومواقفه التي تتصادم بشدة مع رغبات الأغلبية وتحكم على أفكارهم بالموت كحل لمشكلة التنوع !!، وهذا يتجلى في جوانب كثيرة لعل أوضحها اللغط الذي أثارته مناهج القراي، فالجمهوريون طرف أقلوي متناهي الصغر ومع ذلك أرادوا أن يفرضوا أفكارهم على الطلاب، وهذا منزع احتكاري شديد الوضوح، وقد أكدته احتجاجات وزير التعليم الذي احتج بشدة على مشاورة ( المجمع الصوفي، وهيئة الختمية، وهيئة شئون الأنصار، وجماعة أنصار السنة المحمدية، والأخوان المسلمين، ومجمع الفقه الاسلامي “بتشكيله الجديد” ). فأي احتكار أكبر من إلغاء رأي كل هؤلاء ؟! وزادته تأكيداً أسماء محمود محمد طه التي حذرت بشدة من تسلل ( ناس المساجد والجماهير ) إلى المؤتمر الدستوري الذي يجب أن يتشاور فيه العلمانيون وحدهم حول الطريقة المثلى لفرض العلمانية!!
▪️ من تناقضات العلمانيين أيضاً فيما يخص دعوى الاحتكار أن واحدة من أهم حججهم لطرد الإسلام من المجال العام تستند على تأكيدهم على عدم وجود احتكار !! لأنهم يقولون : إذا أردنا تطبيق الشريعة سنجد تيارات كثيرة مختلفة ولا ندري بفهم أي منها يمكن أن يتم تطبيقها، فهناك الصوفية بطرقهم المتنوعة، والسلفية بجماعاتهم المختلفة، و الاخوان بتياراتهم العديدة، وهناك السنة بطوائفهم الكتيرة وهناك الشيعة باختلافاتهم .. لكنهم لغيابهم الطوعي من ساحة الدعوة لا يستطيعون أن يقولوا : وهناك الشريعة بفهم العلمانيين، وكأنهم خارج الإسلام الذي يطالبون بعدم احتكاره !! وحلهم لهذا التنوع الإسلامي الكبير هو عدم الأخذ بآراء الجميع والعمل برأي العلمانيين لأنهم خارج وفوق هذا التنوع الإسلامي ! وفي هذا ما فيه من التحايل والاحتكار والوصاية.
▪️ ومن تناقضاتهم أيضاً أن الاحتكار الذي يزعمون رفضه يعودون ويحتاجون إليه بشدة بل ويلحون عليه حين يماهون بين الشريعة والإسلاميين، فما أن وصلوا إلى السلطة في السودان حتى بدأوا في التعامل مع الإسلام على فرض إنه دين الإسلاميين ليدوسوه في أثناء دوسهم وبتدرج محسوب، والمفارقة أن الإسلاميين الآن يلحون في التذكير بأنهم لا يحتكرون الدين لأن ” الدين دين الرحمن الدين ما دين كيزان” طالبين من العلمانيين الوفاء لمقولتهم القديمة بأن الإسلام ملك جميع المسلمين وليس ملك فئة منهم. لكن العلمانيين يصرون على أن الشريعة هي شريعة الإسلاميين والقرآن قرآنهم وأحكامه وتشريعاته هي أحكامهم وتشريعاتهم ويسري عليها ما يسري عليهم من تغيير جذري وتنكيل “ثوري” بواسطة حكومة أتاتورك السوداني .
إبراهيم عثمان