تحالف “أوكوس” الثلاثي.. عين على الصين وأخرى على أوروبا
فيما يبدو أنها نذر سباقات تسلح مفتوحة وتكريس لمحاور عسكرية جديدة ومتضادة حول العالم، والتي أتت الحرب الروسية الأوكرانية لتخرجها من قماقمها، أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، في بيان مشترك الثلاثاء، أنها ستتعاون لتطوير أسلحة فرط صوتية و”إمكانات حربية إلكترونية”، في إطار تحالف “أوكوس” الثلاثي الجديد، الهادف لمواجهة الصين، حسب مراقبين.
وقال قادة الدول الثلاث في البيان: “تعهدنا اليوم ببدء تعاون ثلاثي جديد حول الأسلحة فرط الصوتية والمضادة للفرط صوتية، وإمكانات حربية إلكترونية، بالإضافة إلى توسيع تشارك المعلومات وتعميق التعاون في الابتكار في مجال الدفاع”.
وأثار الإعلان الثلاثي الجديد، حفيظة الصين التي اتهمت أطرافه بـ”العمل على زعزعة الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين، والنفخ في سباقات التسلح العالمية”، وهو ما كانت قد عبرت عنه سابقا إبان تأسيس هذا التحالف في أواخر العام الماضي.
ويرى مراقبون وخبراء عسكريون، أن تطوير تحالف “أوكوس”، “لا ينطوي فقط على تهديد ومزاحمة للصين في المحيطين الهندي والهادئ، بل يضع كذلك مستقبل الكتلة الأطلسية الموحدة على المحك، عبر إقصائه دول الاتحاد الأوروبي”.
وتعليقا على ذلك، يقول رئيس مركز صقر للدراسات، مهند العزاوي، في حوار مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “الصين تنظر إلى هذا الأمر بريبة شديدة، وتعتقد أنها المستهدفة وفقا لاستراتيجية الرئيس الأميركي جو بايدن لعام 2020، التي تضع الصين هدفا استراتيجيا لها”.
ويتابع: “يأتي هذا العمل التسليحي المشترك كسياق ضمن آليات عمل تحالف أوكوس، الذي جرى تأسيسه في سبتمبر 2021 بين كل من أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، وأبدت فرنسا حينها غضبا كبيرا، بعد تراجع أستراليا عن صفقة موقعة بين البلدين لتوريد غواصات تقليدية، على خلفية إعلان وتطوير هذا التحالف”.
ويضيف الخبير العسكري والاستراتيجي: “بإعلان تشكيل تحالف استراتيجي بين واشنطن وكانبيرا ولندن، ستحصل الحكومة الأسترالية بموجبه على غواصات تعمل بالدفع النووي بدلا من الغواصات الفرنسية التقليدية، وهو ما اعتبرته الصين تدميرا للاستقرار الإقليمي، ولا يغيب عن صانع القرار الصيني هنا مدى خطورة هذا التحالف، فضلا عن التحركات الأميركية العسكرية في بحر الصين الجنوبي، والمناورات العسكرية لأميركا مع الفلبين، وعبور سفنها مضيق تايوان الذي تعده الصين استفزازا فاضحا لها”.
الصين لا تزال تستخدم سياسة الحبل المشدود والتعامل مع الأمور بحساسية وروية، كما يشرح العزاوي، متابعا: “خوفا من اندلاع حرب معها تتم بالإنابة عبر تايوان أو الفلبين، كما حصل عبر أوكرانيا مع روسيا، لذا تعتقد الصين أن انغماس أو خسارة روسيا في أوكرانيا هو تهديد استراتيجي لها”.
ويستطرد: “هذا التحالف الثلاثي بلا شك يشكل تهديدا للصين، والإعلان عن تطوير التجارب المشتركة بين أضلاع مثلثه للأسلحة فرط الصوتية وتطوير تعاونها العسكري، ينذر بتوتر خطير وغير مسبوق في هذا الجزء من العالم، لا يقل خطورة عما تمثله الأزمة الأوكرانية من تهديد للأمن والاستقرار الدوليين، والدفع حتى نحو حرب عالمية ثالثة”.
من جانبه، يقول الكاتب والباحث السياسي، طارق سارممي، لموقع “سكاي نيوز عربية”: “ثمة اصطفافات دولية جديدة تتبلور، تسهم في تصديع جبهات وأحلاف تقليدية وكلاسيكية، كحلف الناتو مثلا، فليس خافيا هنا أن فرنسا مستاءة من هذا الاتفاق الثلاثي الأنغلوساكسوني بين واشنطن ولندن وكانبيرا، والذي بقدر إزعاجه واستهدافه للصين، فإنه يستهدف، وإن مواربة وعلى المدى المتوسط، فرنسا كذلك والمنظومة الأوروبية ككل، خاصة أن لندن خرجت للتو من تلك المنظومة”.
ويضيف: “هذا التحالف لا تخفى عنه ملامح كونه تجمعا للقوى الكبرى الناطقة بالإنجليزية، والتي تربطها صلات عرقية ولغوية وثقافية معروفة، وهذا مثار حساسية لا ريب وإن كانت مضمرة، لدى فرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرها من كبريات الدول الأوروبية، ولهذا فاختزال المتضررين من هذا التحالف والمناوئين له في الصين فقط، هو قراءة قاصرة عن الإحاطة بخلفيات وتداعيات بناء وتطوير تحالف أوكوس”.
وفي الوقت نفسه، يعتبر الكاتب والباحث السياسي أن “الصين تبقى دون شك المستهدف الأول من هذا التحالف الثلاثي، كونه ينشط خصوصا في مناطق تعتبرها بكين مجالها الحيوي في بحر الصين الجنوبي وفي عموم منطقة الإندو باسيفيك في المحيطين الهندي والهادئ”.
وتشكل حلف أوكوس بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا في سبتمبر من 2021، وشدد عند تأسيسه على تزويد أستراليا بغواصات ذات دفع نووي، بعد فسخها عقدا ضخما خاصا في ذلك المجال مع فرنسا، مما تسبب في أزمة كبيرة بين العواصم الثلاثة، وباريس.
وبذلك تخلت أستراليا عن عقد ضخم لشراء 12 غواصة فرنسية ذات دفع تقليدي، بقيمة نحو 60 مليار دولار أميركي.
وبموجب اتفاقية أوكوس البديلة، تحصل أستراليا على 8 غواصات متطورة تعمل بالطاقة النووية، قادرة على تأدية مهام بعيدة المدى. كما توفر الاتفاقية إمكانية لتبادل القدرات الإلكترونية والذكاء الاصطناعي والقدرات الكمية وقدرات تحت الماء غير محددة.
وكانت فرنسا قد عبرت عن غضبها من الاتفاقية الجديدة، ووصف وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، الإجراء حينه بأنه :”طعنة في الظهر حقا”.
وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إنه “يتفهم سبب خيبة أمل فرنسا من الاتفاقية”، مضيفا باستنكار أنه “لم تجر استشارة الاتحاد الأوروبي بشأن التحالف الجديد”.
وتابع: “هذا الاتفاق يدفعنا مرة أخرى إلى التفكير في الحاجة لتطوير الاستقلال الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي”.