حرب أوكرانيا.. لماذا تبالغ بولندا في التشدد تجاه روسيا؟
يوما بعد آخر، تتخذ بولندا مزيدا من الخطوات التصعيدية تجاه روسيا على خلفية حرب أوكرانيا، بشكل يفوق ألمانيا على سبيل المثال، رغم أن وارسو حديثة العهد في الاتحاد الأوروبي وحلف “الناتو”.
وكان أحدث هذه المواقف، حديث الحاكم الفعلي في بولندا، ياروسلاف كاتشينسكي، عن استعداد بلاده لاستضافة أسلحة نووية أميركية لردع روسيا، بينما حذرت الأخيرة من تبعات الأمر في حال حصوله.
ومنذ تفجر الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير الماضي، كان موقف بولندا من بين الأكثر تشددا أوروبيا تجاه موسكو، وتحمست لفرض المزيد من العقوبات عليها.
وعلى سبيل المثال، اقترحت وضع طائراتها من نوع ميغ 29 تحت تصرف القواعد العسكرية الأميركية في ألمانيا لنقلها لكييف، وهو ما رفضه حلف “الناتو”، وخاصة برلين.
واتهمت وارسو برلين باتباع سياسة “متخاذلة” تجاه الحرب في أوكرانيا.
وقال رئيس الوزراء البولندي، ماتيوز موراوسكي، إن الدول الكبرى مثل ألمانيا هي من تعطل اتخاذ إجراءات ضد روسيا خوفا على مصالحها.
أفكار غير واقعية
ويرى المراقبون أن تتالي هذه المقترحات البولندية التي تدفع باتجاه التصعيد أوروبيا وأطلسيا ضد روسيا، تبقى في معظمها مجرد أفكار ومشروعات غير واقعية وغير قابلة للتحقق، ولا يمكن الأخذ بها
ويقول مهند العزاوي، رئيس مركز صقر للدراسات، لموقع “سكاي نيوز عربية”: “الطلبات البولندية وخاصة المتعلقة باستضافتها لأسلحة نووية أميركية، هي من باب الأمنيات وليست طلبات واقعية يعتد بها”.
ورأى العزاوي أن المواقف البولندية “ربما تندرج ضمن محاولات توزيع أدوار أوروبية وأطلسية بغية احداث توازن وتسجيل نقاط أمام روسيا، بمعنى أن تلعب بولندا في الكتلة الأطلسية، دورا مشابها لدور بيلاروسيا في الكتلة الروسية، خلال هذا الصراع حيث صرحت مينسك قبل إعلان هذا الموقف البولندي، بأنها لا تمانع باستضافة أسلحة نووية روسية على أراضيها”.
وأضاف: “هكذا مقترحات بولندية رغم عدم واقعيتها وانعدام حظوظها التطبيقية عمليا، لكنها مع ذلك تسهم في توتير الأوضاع وإشعالها أكثر خاصة في مناطق شرق أوروبا، التي هي الآن على وقع الأزمة الأوكرانية وحتى قبلها، تقليديا منطقة تماس بين روسيا وحلف الناتو”.
من جانبه، يقول طارق سارممي، الكاتب والباحث السياسي، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”: “واضح تماما أن وارسو محكومة بعقد وهواجس الحقبة السوفييتية في تعاطيها مع الأزمة الأوكرانية، على قاعدة المثل العربي الذي يقول: “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، ولهذا فبولندا تخشى أن تكون التالية بعد أوكرانيا”.
تهويل وموقف فردي
وأضاف سارممي: “رغم أن ثمة تهويلا ومبالغة في مخاوفها (بولندا) في هذا الإطار، لكنها تسعى لإسقاط مخاوفها وهواجسها على الاتحاد الأوروبي ككل، ودفعه نحو تبني مقارباتها من الأزمة الأوكرانية، وهذا طبعا يكاد يكون مستحيلا كون وارسو ليست من العواصم المؤثرة والمحورية في المنظومة الأوروبية”.
وقال: “تحميل رئيس الوزراء البولندي لألمانيا وغيرها من دول أوروبية كبرى حسب وصفه، مسؤولية عدم تشديد العقوبات الغربية على روسيا، يكشف حقيقة أن الموقف البولندي التصعيدي مع روسيا لا يعكس الموقف العام للاتحاد الأوروبي، الذي تبقى عواصمه المركزية كباريس وبرلين وروما، حريصة على إبقاء خط الدبلوماسية والحوار مفتوحا وساخنا مع موسكو، وعدم الذهاب بعيدا في سياسة حشر الدب الروسي في الزاوية”.
فبولندا، يردف سارممي :”نتيجة ماضيها المر خلال دورانها ضمن الفلك السوفييتي، لديها دوما موقف متوجس من موسكو ومن نظرة روسيا لمناطق شرق أوروبا كما وأنها مجال حيوي روسي، وهي عموما نظرة لا تعدم وجود معطيات جيوسياسية وثقافية وعرقية واقتصادية لاسباغ الوجاهة عليها”.
فروسيا ترى في المقابل، كما يشرح المتحدث :”أن بولندا ودول البلطيق وغيرها من جمهوريات كانت ضمن الفضاء السوفييتي السابق، تحولت بعد انضمامها لحلف الناتو، لما يشبه الخنجر في خاصرة روسيا الحالية”.
ويردف :”ألمانيا خاصة ومعها فرنسا وإيطاليا هي دول تمتلك شبكة مصالح عريضة مشتركة مع روسيا، وهي تعتمد بشكل واسع على إمداداتها من الطاقة وخاصة الغاز من موسكو، وبالتالي فهي محكومة بجملة اعتبارات براغماتية تمنعها من الإيغال في استعداء موسكو ومحاصرتها”.
ويدى الكاتب والباحث السياسي أن الدول الأوروبية الكبيرة “ستتضرر جراء ذلك وبشكل أكبر مما تعانيه الآن من ارتفاعات في أسعار الطاقة والسلع الغذائية وشحها في الأسواق بفعل العقوبات المفروضة على روسيا، وبلا ريب فإن الانتقاد البولندي هذا لن يغير من موقف برلين ومقارباتها حيال الأزمة الأوكرانية وسبل التعاطي مع روسيا على ضوءها”.