حديث المدينة .. عثمان ميرغني .. والحكومة تشتغل شنو؟
عثمان ميرغني .. والحكومة تشتغل شنو؟
في لقاء لمجموعة من الصحفيين حول الانتخابات بمركز “طيبة برس” بالخرطوم، قلت في مداخلتي أننا بحاجة لـ”ديموقراطية سودانية” بانتخابات سنوية لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.. حتى نكسر رهبة الدورة الرئاسية أو البرلمانية التي تستمر خمس سنوات فتتعامل معها الأحزاب بإحساس “الفناء والبقاء”.. الأفضل أن تكون الانتخابات أشبه بامتحان الشهادة الثانوية السودانية.. مرة كل سنة.. وعندها لن يبكي الحزب الخاسر ويبحث عن انقلاب عسكري يعجل بعودته.. كما حدث في نوفمبر 1958 ومايو 1969 ويونيو 1989..
عندما شرحت هذه الفكرة سألني مسؤول حكومي سابق شغل منصباً دستورياً رفيعاً.. (إذا كانت الدورة لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء سنة واحدة.. الحكومة تشتغل شنو؟)..
أعجبني السؤال جداً.. لأن الاجابة عليه تدعم الفكرة لا تهزمها.
(الحكومة تشتغل شنو؟) هو مطالبة بتحديد الوصف الوظيفي المهني للحكومة، ثم لشاغلي المناصب الوزارية ، وقبل كل هذا تعريف دقيق لكلمة “الحكومة”!
لنبدأ بتعريف “الحكومة” وفق المنظور الجديد الذي أراه.. (الحكومة هي الإطار السيادي والقانوني المنظم لنشاط الدولة).. فُل استوب.
بهذا التعريف، فالحكومة ستتخلى عن دورها التقليدي الذي عبر عنه الهتاف الشهير أيام حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري(أبوكم مين؟) فالحكومة ظلت في السودان منذ الاستقلال حتى اليوم هي أبونا وأمنا التي تدير كل شؤوننا العامة والخاصة من المهد إلى اللحد..
وهذا مربط الفشل في كل الحكومات.. فلا هي أطعمت الشعب ولا تركته يأكل من خشاش الأرض.. بل على العكس، كانت الحكومة دائماً تقتات من رحيق الشعب بل ومن سنامه.. حكومات “الأفندية” الذين يمسكون بأقلامهم السلطة والثروة معاً.. فيسخرون كل نشاط الحكومة لخدمة طبقة “الأفندية” لا مجموع الشعب السوداني..
(الحكومة تشتغل شنو؟) يجب أن تتحول الإجابة إلى بنود في الدستور تحدد مهام الحكومة لتكون في أصغر نطاق، فالحكومة الصغيرة تصنع شعباً كبيراً، والعكس صحيح..
الحكومة تشتغل في مهام التنظيم والتشريع والأعمال السيادية الحتمية مثل الأمن والحدود والعلاقات الدولية و غيرها..
لن يكون مطلوبا من الحكومة متابعة المخابز والبقالات والإشراف على توزيع الدقيق والسكر والبصل.. ولن يكون مطلوباً منها إستيراد مدخلات الزراعة أو تصدير المحاصيل.لن يكون الوزير هو ذلك العبقري الملهم الذي يخرج الوزارة من الظلمات الى النور.. بل سيكون مجرد الممثل السيادي الذي يعتمد قرارات جهازها البيروقراطي الخبير ويمثلها في اجتماعات مجلس الوزراء وأمام البرلمان، فقط.. لن يستطيع الوزير بقلمه الأخضر فصل موظف واحد أو تعيينه أو ابتدار مشروع أو وقفه أو تحريك جنيه واحد من خزينة الوزارة.. لن يتعارك ويتحارب الساسة للفوز بمنصب وزير بعد أن يفقد السلطة والثروة معاً..
“الحكومة تشتغل شنو؟” يجب أن يكون موضوع مؤتمر علمي يشارك فيه خبراء الخدمة المدنية والقطاع الخاص لابتكار حكومة سودانية لا تصلح لتكون ميداناً للمعارك السياسية..
كلما قَلّت مهام الحكومة إرتفعت مهام المجتمع وارتقت الدولة.