تأجيل تجربة صاروخية أميركية..كيف ستتلقى روسيا رسالة التهدئة؟
في خطوة هي الثانية من نوعها خلال شهر واحد فقط، وفسرها المراقبون كبادرتي تهدئة ترسلهما واشنطن لموسكو، ألغى الجيش الأميركي تجربة لصاروخ باليستي عابر للقارات، من طراز “مينيتمان 3″، بعد أن كان قد أعلن مطلع شهر مارس الماضي، إرجاءها في محاولة لتخفيف التوتر مع روسيا.
ويرى مراقبون وخبراء عسكريون، أن هذا التأجيل الأميركي للتجربة العسكرية، سيسهم ولا شك في تخفيف حدة الاحتقان والتوتر في مشهد العلاقات الدولية على خلفية الأزمة الأوكرانية، وسيستقبل من جانب روسيا بارتياح ضمني قد لا يعلن عنه، ما قد يفتح الباب أمام محاولات تقريب وجهتي نظر واشنطن وموسكو المتضادتين من الحرب في أوكرانيا وسبل وقفها.
وللتعليق على هذا الموقف الأميركي ودلالاته، قال مهند العزاوي، رئيس مركز صقر للدراسات، في حوار مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “هذه التجارب لهذا النوع من الصواريخ تجري عادة بواقع 4 مرات سنويا، حيث تطلق في ولاية كاليفورنيا وتقع في المحيط، لكن نظرا للأزمة القائمة حاليا وأجواء الحرب التي تخيم على المشهد الدولي، في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، فإن أميركا تخشى حال قيامها بهذه التجارب من أن تعطي رسائل خاطئة وتنعكس سلبا على تلك الأزمة وتزيدها تعقيدا واشتعالا، ولا سيما في المناطق التي تسقط فيها صواريخ هذه التجارب”.
وأضاف الخبير العسكري الاستراتيجي: “في مجال المحيط الذي تتم فيه هذه التجارب والفضاءات الحيوية القريبة منه هناك مشاكل حادة بين روسيا واليابان حول جزر الكوريل المتنازع عليها، إضافة للمناورات العسكرية بين الولايات المتحدة والفلبين في شرق بحر الصين الجنوبي، وهذه المناطق هي تقليديا بؤر توتر وتماس دولية بين واشنطن وحلف الناتو من جهة وموسكو وبكين من جهة أخرى”.
ومن جانبه، قال ماهر الحمداني، الباحث والخبير في الشؤون الدولية، في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية”: “ثمة العديد من المؤشرات طيلة هذه الأزمة والتصعيد بين الدول الغربية وروسيا، تدل على أن الغرب يريد أن تكون المواجهة مع روسيا اقتصادية فقط، سيما وأن جوهر هذا الصراع هو في الأساس محاولة إعادة تموضع الاقتصادات الكبيرة عالميا، بعد صعود اقتصادات جديدة وتراجع الهيمنة الاقتصادية الأميركية عالميا”.
وبيّن الحمداني أن “الحروب بمختلف أشكالها غالبا ما تتخذ أشكالا عسكرية مباشرة. في النهاية تسعى لإفراز معادلات ووقائع جديدة وهي لا تندلع إلا في سياق العمل لتحقيق أجندات ومصالح مشعليها، وهذا ما ليس بالضرورة أن يتحقق عبر الحرب المباشرة أو المواجهة العسكرية”.
وأردف الخبير في الشؤون الدولية: “هناك حرص من قبل مختلف أطراف الأزمة الأوكرانية وفاعليها الكبار، على إبقاء هذه الحرب في سياقاتها الحالية ومنع تحولها لصراع أوسع ولمواجهة شاملة وحرب عالمية بين الغرب وروسيا، وبالتالي قد تدخل طرفا فيها دول مثل الصين والهند، وعليه فالمؤشرات تفيد أن الجميع أميركيا وروسيا وأوروبا والصين، يسعون لإبقاء هذه المواجهة العسكرية في حدودها الأوكرانية كمواجهة محصورة تقتصر في بلد بعينه”.
وفي المنحى هذا يمكن ملاحظة وقراءة أن الحظوظ الدبلوماسية للحل هي في تقدم، كما يوضح الحمداني: “يؤكد الروس أن المفاوضات تتقدم وإن ببطء مع كييف، وهذا ما تشجعه مختلف الدول الأوروبية، وذلك بهدف محاصرة النار الأوكرانية وإخمادها قبل أن تمتد ألسنتها نحو أوروبا والعالم ككل، وحتى الرئيس الأميركي جو بايدن، حين صرح بغضب أن على الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الخروج من السلطة، اضطر البيت الأبيض للتدخل ومحاولة تدارك كلامه التصعيدي الخطير، وذلك خشية تسبب هكذا موقف في توسيع نطاق الحرب.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” قد أعلنت في البدء تأجيل التجربة في يوم 2 مارس بعد أن قالت روسيا إنها أعلنت حالة التأهب القصوى في قواتها النووية.
وقالت واشنطن في ذلك الوقت إن من المهم بالنسبة لكل من الولايات المتحدة وروسيا أن “تأخذا بعين الاعتبار الخطر الذي يمثله سوء التقدير وأن تتخذا من الخطوات ما يحد من هذه الأخطار”.
وأشار جون كيربي، المتحدث باسم “البنتاغون” إلى أنه” في مسعى لإظهار أنه لا نية لدينا للانخراط في أي أفعال يمكن أن يساء فهمها أو تفسيرها، أصدر وزير الدفاع توجيها بتأجيل تجربة إطلاق الصاروخ مينيتمان 3 الباليستي العابر للقارات التي كانت مقررة”.
لكن واشنطن عبرت على الملأ عن نيتها تأجيل التجربة فقط “لبعض الوقت” لا أن تلغيها، إذ قالت المتحدثة باسم سلاح الجو آن ستيفانيك إن قرار إلغاء تجربة الصاروخ (إل.جي.إم-30 جي مينيتمان 3) صدر لنفس الأسباب التي من أجلها تم التأجيل في بادئ الأمر.