روسيا ومجموعة “العشرين”.. عقبات تعترض اقتراح “الطرد”
يتزامن التصعيد العسكري في أوكرانيا مع اشتداد العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، التي تأخذ أشكالا تصاعدية، وآخرها إعلان بولندا أنها اقترحت على الولايات المتحدة استبعاد موسكو من مجموعة العشرين للاقتصادات الكبرى.
وأعلنت بولندا، الثلاثاء، أنها اقترحت على أميركا استبعاد روسيا من مجموعة العشرين، مؤكدة أن الفكرة لاقت “ردا إيجابيا”.
وحسب وكالة “رويترز”، قال وزير التنمية الاقتصادية والتكنولوجيا البولندي بيوتر نواك في بيان، إن الاقتراح نوقش في اجتماعات عقدت بواشنطن الأسبوع الماضي.
ويشكك مراقبون وخبراء اقتصاديون في قبول دول مجموعة العشرين لمثل هذا المقترح، كونها في النهاية ليست محفلا غربيا، بل تضم دولا من مختلف قارات العالم.
والأربعاء وصفت الصين روسيا بأنها “عضو مهم” في مجموعة العشرين، بعدما دعت واشنطن إلى استبعاد موسكو من القمة المقبلة للمجموعة عقب غزوها لأوكرانيا.
وللحديث عن حظوظ هذا المقترح البولندي في التطبيق وما قد يترتب على ذلك، تقول لانا بدفان الباحثة في العلاقات الدولية والأوروبية في مدرسة الاقتصاد العليا في موسكو: “لحد اللحظة لم تعلن مجموعة العشرين للاقتصادات الكبرى عزمها إقصاء روسيا منها، رغم المقترح البولندي بهذا الخصوص وهو يبدو قيد المناقشة لكن لم يبت فيه بعد. وكما هو معلوم روسيا عضو مهم ومؤثر في المجموعة ولديها مساهمات مالية واقتصادية محورية وضخمة فيها، وأي إقصاء لها سيخل بتوازن هذه المجموعة وبهويتها، خصوصا أن موسكو تملك دورا كبيرا في حل الأزمات المالية عالميا، في حال تعرض النظام المالي الدولي للخطر أو التهديد”.
وبحسب حديث بدفان لموقع “سكاي نيوز عربية”، فإن إقصاء روسيا من مجموعة العشرين وفرض العقوبات عليها، سيكون “سيفا ذا حدين وخيارا متهورا”، مضيفة: “سيطال الضرر أيضا الدول الغربية في حال تطبيق قرار كهذا، كما أن التأثير السلبي سيطال كذلك مشروع التحول نحو الطاقات النظيفة والمتجددة الذي تعكف عليها المجموعة، وسينعكس في إحداث انكماش اقتصادي عالمي واسع، وفي تهديد الأمن الغذائي عالميا وخاصة في مناطق مثل إفريقيا والشرق الأوسط وصولا حتى إلى الدول الأوروبية، التي تستورد جميعها المواد الغذائية الرئيسية وأبرزها القمح من روسيا. وهكذا فالكل سيتضرر من أي قرار تعسفي بإخراج موسكو من مجموعة العشرين”.
وفي السياق ذاته، يقول الباحث والخبير في الشؤون الأوروبية ماهر الحمداني إن “هذه لن تكون المرة الأولى التي تخسر فيها روسيا عضويتها في منظمة اقتصادية دولية، حيث تم سابقا تعليق عضويتها في مجموعة الثمانية، إثر أحداث شبه جزيرة القرم عام 2014، لكنها بقيت في مجموعة العشرين”.
أزمة أوكرانيا.. والاقتصاد الأميركي
وأضاف الحمداني لموقع “سكاي نيوز عربية”: “يبدو أن الخناق يضيق على أوروبا وليس على روسيا من جراء العقوبات الغربية، حسب تصريحات رئيس الوزراء البولندي نفسه الذي تعد بلاده هي صاحبة الدعوة لإخراج روسيا من مجموعة العشرين، وهذا يضع الدول الأوروبية وبولندا تحديدا في موقف محرج، حيث تحاول وارسو دفع الغرب لممارسة أكبر قدر ممكن من الضغوط على روسيا، لإخضاعها وإجبارها على الرضوخ للشروط الأطلسية”.
وتابع الباحث في الشؤون الأوروبية: “الغريب في هذه الدعوة لإخراج روسيا من مجموعة دول العشرين، أنها تأتي من قبل بولندا وهي أساسا ليست عضوا في تلك المجموعة، وهذا مثار استفهام واستهجان بطبيعة الحال، كما أن النظام العالمي المبني على العديد من المنظمات والمظلات الدولية الكبيرة، كالبنك الدولي وكمجموعة دول العشرين والعديد من منظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، التي يتم استغلالها وتوظيفها جميعها من قبل الغرب ضد روسيا، هذا يطعن في مصداقية ومهنية هذه المنظمات بعد استغلالها بهذا الشكل، وتوريطها كأداة في الصراع الروسي الأطلسي، فمثلا الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) يواجه انتقادات كبيرة جدا الآن على خلفية فرضه ضغوطا على روسيا، وكذلك الأمر بالنسبة لمنظمة الطيران الدولي”.
وبيّن الحمداني الأسباب الكامنة وراء اعتقاده بفشل المقترح البولندي، قائلا: “مجموعة العشرين تضم دولا غير غربية، وبالتالي هذا قد يعرقل تنفيذ المقترح البولندي، ويبقى السؤال المطروح هنا حول ما إذا كان الخاسر الفعلي هو روسيا أم هذه المؤسسات والمنظمات الدولية التي تفقد حيادها وسمعتها وثقلها، وتتحول لأدوات في سياق تصفية حسابات بين قوى دولية متنافسة ومتنازعة”.
ما هي مجموعة العشرين؟
ومجموعة العشرين منتدى رئيسي للتعاون الاقتصادي والمالي الدولي، وتلعب دورا محوريا في الاقتصاد والتجارة في العالم، وتجتمع سنويا في إحدى الدول الأعضاء فيها.
وكان وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية في الدول الأعضاء في مجموعة السبع الكبار قد قرروا في قمة المجموعة عام 1999 توسيع المجموعة، وضم نظرائهم في دول مجموعة العشرين.
وجاء القرار حين ساد الاضطراب أسواق المال العالمية بسبب الأزمة الآسيوية في ذلك العالم، لكن في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008 تم رفع مستوى المشاركة في اجتماعات قمة مجموعة العشرين إلى مستوى الرؤساء.
وتضم المجموعة، الاتحاد الأوروبي والأرجنتين وأستراليا والبرازيل وكندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند وإندونيسيا وإيطاليا واليابان والمكسيك وروسيا والسعودية وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية وتركيا وبريطانيا والولايات المتحدة.
وتتناوب الدول الأعضاء على رئاسة المجموعة كل عام، وتؤدي دولة الرئاسة دورا قياديا في إعداد برنامج الرئاسة وفي تنظيم قمة القادة التي يحضرها قادة الدول أو الحكومات.
وتمثل الدول الأعضاء في مجموعة العشرين مجتمعة، حوالي 80 بالمئة من الناتج الاقتصادي العالمي، وثلثي سكان العالم، وثلاثة أرباع حجم التجارة العالمية.