جريدة لندنية : حزب سياسي للإخوان في السودان: مناورة للخروج من عباءة البشير
حزب سياسي للإخوان في السودان: مناورة للخروج من عباءة البشير
الجماعة تبعث برسائل إلى الداخل والخارج أنها “باقية وتتمدد”.
الإسلاميون يستفيدون من أخطاء المدنيين للبقاء
تشكل حال الضعف التي طبعت الساحة السياسية في السودان فرصة لجماعة الإخوان المسلمين لإعادة تنظيم صفوفها بشكل منهجي ومهيكل، مراهنة في ذلك على خبرة عناصرها في السلطة وعلى قواعدها الشعبية في عدد من المناطق.
يبحث تنظيم الإخوان المسلمين في السودان عن حلول تمكّنه من خلع عباءة نظام الرئيس عمر حسن البشير، بما يمنحه طاقة للانخراط مجددا في الحياة السياسية، بعد أن تيقن أن تخليه عن النظام السابق عقب سقوطه خطوة غير كافية لدى المواطنين. ومن بين الحلول التي توصل إليها التنظيم تأسيس حزب سياسي جديد.
وأجاز المؤتمر العام التاسع لتنظيم الإخوان الذي اختتم أعماله في الخرطوم، الأحد، بالإجماع مُقترحاً بتكوين حزب يشكل ذراعا سياسية مُساندا للإخوان في السودان وخوض الانتخابات بعد نهاية المرحلة الانتقالية، في تمش يذكّر بما أقدمت عليه فروع التنظيم الدولي للإخوان في كل من مصر والسودان والمغرب وليبيا وتركيا.
وذكرت تقارير محلية أن المراقب العام لجماعة الإخوان عوض الله حسن سيد سيكون رئيساً للجنة التمهيدية لحزب “الأصالة والتنمية” الجديد التابع للإخوان المسلمين.
سليمان سري: الأحزاب والقوى المدنية تتحمل مسؤولية جرأة الإخوان
ومن المنتظر أن يشغل الأعضاء المنتخبون في المؤتمر العام مناصب سياسية داخل هياكله، على رأسهم سيف الدين الأرباب الذي جرى انتخابه رئيساً لمجلس شورى الجماعة، وكان يشغل منصب مستشار في حكومة ولاية القضارف في العهد السابق.
وقرر المؤتمر العام تشكيل مجلس شوري جديد مكون من 45 عضواً على أن يعقد جلساته عقب عطلة عيد الفطر القادم للنظر في انتخاب المراقب العام للجماعة، وتحديد شكل علاقات الحزب بالجماعة والقوى السياسية الأخرى، ووضع الجوانب المطلوبة في الخطة الجديدة والاستعداد لخوض الانتخابات المقبلة.
وجاءت خطوة الحزب بعد أن شهد المؤتمر العام جدلاً واسعاً حول ضرورة تغيير اسم جماعة الإخوان المسلمين والاستعانة باسم آخر يمكن أن يجذب فئات وتيارات عديدة لفظت التنظيم الذي ظل قابعاً على رأس السلطة لثلاثة عقود. ويشي التوافق على تأسيس حزب بدلاً من تغيير المسمّى العام، بأن تحركات التنظيم السابقة كانت شكلية ولا تحمل معالم حقيقية بشأن تطوير الرؤى السياسية أو المراجعة الفكرية.
وبعث الإخوان في السودان بجملة من الرسائل إلى قوى سياسية وأطراف إقليمية داعمة للجماعة من خلال عقد المؤتمر العام وسط الخرطوم وبمشاركة واسعة من أعضائه، للتأكيد على أنه مازال حاضراً ولديه دينامية للعمل دون مضايقات من السلطة.
وبرهن المؤتمر العام عن إمكانية بناء تحالفات مع قوى سياسية ومجتمعية ودينية في المركز والأطراف، وإيجاد قواعد تعتمد عليها الجماعة في التحرك نحو استعادة الحضور في الشارع، وأن المفاصل التي تحوي قوى على صلة بالنظام السابق تتماهى توجهاتها مع الحواضن الأهلية وتسمح بإمكانية العمل علنا عبر المدخل الحزبي.
ويصب تأسيس حزب للإخوان في مربع التغطية على أعمال عنف سابقة تورط فيها أعضاء في الجماعة بالتعاون مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا، وهدفت إلى خلق فوضى في الشارع لإزاحة حكومة عبدالله حمدوك وتيارات مدنية كانت داعمة له.
ويعد الانقلاب الذي حدث في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي تطورا سياسيا خدم مصالح الجماعة لاستعادة قدر من نفوذها مجدداً، خاصة بعد انقضاض مجلس السيادة الانتقالي على لجنة إزالة التمكين التي استهدفت عددا من رموز نظام البشير.
حسن إسحاق: الإخوان يراهنون على قدراتهم التنظيمية وشعبيتهم في الأطراف
وقال المحلل السياسي حسن إسحاق إن تحركات الإخوان في السودان لا تنفصل عن حالة الضعف التي أصابت قوى حزبية ومدنية فشلت في أن تقدم نموذجا بديلاً عن حزب المؤتمر الوطني وحليفه حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه الراحل حسن الترابي.
وأضاف إسحاق في تصريحات لـ”العرب” أن هذه الحالة المتردية منحت قيادات الإخوان في السودان الجرأة على الظهور في العلن أخيرا والتأكيد على أن لهم جذورا سياسية في قاع المجتمع وقمة السلطة بعد أن أدركت الجماعة صعوبة وجود تحالفات ناجحة مع القوى المدنية والثورية التي تتصدر المشهد في السودان.
وأشار المحلل السوداني إلى أن جماعة الإخوان تراهن على قدراتها التنظيمية وقبولها الشعبي في بعض المناطق، خاصة في الأطراف، حال جرت انتخابات نزيهة، ويساعد على ذلك أنها تسير عكس أحزاب مدنية تسعى للبحث عن نقاط مشتركة وتفاهمات مع آخرين.
وهناك دوائر قريبة من الجماعة على ثقة أن الحزب الإخواني الجديد (الأصالة والتنمية) يملك فرصة لتحقيق نجاحات أفضل من أقرانه في دول عربية أخرى، استنادا إلى تجربته السابقة في الحكم، خلاف للإخوان في كل من مصر وتونس، ويمكنه إدارة تحالفاته تماشيًا مع توافق ضمني حيال توجهات المكون العسكري الذي يعتبر نفسه في خصومة مع القوى المدنية ويحتاج إلى ظهير سياسي يساعده.
لكن المزاج العام في السودان يمضى في طريق آخر لا يمكّن حزب الإخوان من تحقيق أهدافه كاملة، لأن الثورة قامت ضد حكم البشير الذي استند على قاعدة إخوانية، وهناك إصرار على إزاحة السلطة الحالية وتحالفاتها الخفية مع رموز في النظام السابق، ويظهر ذلك من خلال توالي الاحتجاجات والمظاهرات في الشارع.
وأوضح المتحدث باسم التحالف العربي من أجل السودان (حقوقي) سليمان سري أن قادة حزب الإخوان المنتظر ولادته يشكلون جزءاً من السلطة السابقة ويصعب الفصل بينهم وبين المحاولات العديدة التي سعت مبكرا لتشكيل تيار إسلامي وحزبي عبر التحالف بين مجموعة من التيارات المحسوبة على جماعة الإخوان.
وذكر لـ”العرب” أن هذه الخطوة مكشوفة ولن تنطلي على الشعب السوداني الذي لفظ حقبة البشير وأعوانه ولا توجد رغبة في القبول بأحزاب ذات مرجعية دينية أو تشكل واجهة سياسية لعناصر يمكنها أن تصطف خلف متطرفين.
وقال سري إن جرأة الإخوان تتحمل مسؤوليتها الأحزاب والقوى المدنية التي تغافلت عن وضع بنود صريحة في الوثيقة الدستورية تحظر إقامة الأحزاب على أساس ديني، بعد أن ذاق السودان مرارات الجماعات الإسلامية بمختلف أشكالها وأنواعها.
ولدى شريحة من السودانيين قناعة بأن تنظيم الإخوان وروافده سبب رئيسي في انفصال جنوب السودان ولا توجد رغبة لتكرار التجربة مع ازدحام البلاد بجماعات إثنية وقبلية تجعل من المستحيل اللجوء إلى تنظيمات إسلامية من نوعية جماعة الإخوان النهمة للسلطة، تضاف إلى وجود ما يشبه المناعة ضد المناورات والشعارات التي يبدّلها التنظيم في كل مرحلة وفقا لمصالحه السياسية.