عثمان ميرغني يكتب .. أيهما أعلى؟ أجر الوزير أم الأستاذ الجامعي؟

عثمان ميرغني يكتب .. أيهما أعلى؟ أجر الوزير أم الأستاذ الجامعي؟

الدكتور بشير عبادي من أشهر الذين تقلدوا المناصب الوزارية في السودان، شغل حقيبتي النقل والمواصلات ثم الصناعة.. وكان قبلها أستاذاً بجامعة الخرطوم، اتصل بي أمس ونقل لي مقارنة عجيبة.

يقول الدكتور عبادي ، في عهد النظام المايوي والرئيس الأسبق جعفر محمد نميري، كان مرتب الأستاذ الجامعي الأعلى على نطاق السودان، أعلى حتى من الوزير.. وكيل الوزارة يتقاضى مرتباً سنوياً 1900 جنيه، بينما الأستاذ الجامعي ينال 2450 جنيهاً.. وكان عبادي نفسه وهو وزير يتقاضى مرتباً أقل من مرتبه هو شخصياً عندما كان أستاذاً بجامعة الخرطوم.. بعبارة أخرى كأنما تَدنى وظيفياً وهو ينتقل من مدرجات الجامعة إلى جاه الوزارة.

وحسب الدكتور عبادي كانت رواتب أساتذة الجامعات الأعلى على نطاق السودان يليها القضاة ثم يليهم ضباط القوات المسلحة.
وينال الأستاذ الجامعي أيضاً أعلى معاش بعد بلوغه التقاعد.

لا أرغب في استثارة مزيد من غضب أساتذة الجامعات المضربين حالياً احتجاجاً على أوضاعهم المالية ولا أريد أن أصب مزيداً من الزيت فوق الحريق لكني أردت أن ألفت النظر للمغزى من تمييز أساتذة الجامعات لكونهم يصنعون مستقبل الوطن كله، فالعلم يرفع بيتاً لا عماد له، والجهل يهدم بيت العز والشرف.. كما قال الشاعر أحمد شوقي.

ليس من الحكمة أن تضطر هذه الفئة الموقرة للمزاحمة في سوق الاحتجاجات المشتعلة حالياً، فأي أموال تنفق في التعليم والمعلمين في مختلف الدرجات، هي من باب الاستثمار وليس الإهدار.. و استثمار عاجل يؤتي ثماره في وقت قريب محسوس.

وحتى لا تتأثر أوضاع الجامعات عموماً بمثل هذه الأزمات أقترح أن نستعيد فكرة كانت سائدة منذ عهد نميري حتى وقت قريب، وهو أن تنشأ آلية مستقلة لتمويل التعليم العالي في البلاد تستطيع أن تُنوّع مصادر التمويل من الاستثمارات المتاحة للجامعات وما أكثرها و إلى الأوقاف مثلما تمتعت كلية الطب جامعة الخرطوم بأوقاف البغدادي وغيرها..

فالسودانيون منذ عهود طويلة جُبِلوا على الإنفاق بكرم فياض بل وبفخر على التعليم من مراحله الأولى مثل الخلاوى إلى إنشاء مباني المدارس ، فالغالية العظمى للمدراس في السودان بُنيت بالتمويل الذاتي الأهلي.

إنشاء جهاز عملاق لتمويل التعليم العالي لن يقف في حد توفير الاستقرار المالي للأساتذة أو ترفيع البنيات الأساسية من مبان ومعامل وغيرها فحسب، بل يجب أن يُطَوّر فكرة الإقراض المالي لطلاب التعليم العالي حتى لا تتأثر طموحاتهم العلمية بخلفياتهم المادية والأسرية. وهو بالضرورة جهاز استثماري لا يجمع الأموال فحسب بل ينميها بعقول وخبرات اقتصادية معتبرة.

وللعلم جامعة الخرطوم نفسها كانت ثمرة مثل هذا التمويل المستقل عن الحكومة، فاللورد كتشنر هو صاحب فكرة إنشاء كلية غردون التذكارية وتوجه إلى الشعب البريطاني بالتبرع لتأسيسها وفعلاً حصل على أكثر مما توقع فكانت جامعة الخرطوم.

من الحكمة أن نفصل أقدار التعليم والمعلمين في مختلف المراحل عن أقدارنا المتأزمة الأخرى..

مقالات ذات صلة