عثمان ميرغني يكتب .. الديموقراطية البنيوية.. Structural Democracy
عثمان ميرغني يكتب: الديموقراطية البنيوية.. Structural Democracy
كتبت أكثر من مرة أدعو لابتكار “ديموقراطية سودانية” تناسب ظرفنا التاريخي والوطني، فلا داعي لاستمرار العمل بالمنهج ذاته الذي سرمد الفشل في بلادنا منذ الاستقلال حتى اليوم.
“الديموقراطية البنيوية” Structural Democracy ستحقق الاستقرار لأنها تحول المنافسة من سياسية إلى تنموية.. لن يكون مفيداً التباري بالأيدولوجيات والتمييز الفكري، سيكون المحك في السباق الحزبي والسياسي مقدار الإنجاز الحقيقي على الأرض المرصود بدقة والذي يحقق مصالح المواطن..
بعبارة مبسطة وسهلة، تحويل الأحزاب السياسية إلى “مقاولين”، أو بيوت خبرة، تتعاقد مع المواطن لإنجاز برامج محددة مسبقاً بواسطة مؤسسات سيادية غير سياسية.
هذه البرامج يصممها المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي، يرسم الأهداف المطلوب تحقيقها على المدى الطويل، ثم يفصلها إلى أهداف مرحلية على المدى المتوسط ويترك للحكومة (المقاول) وضع الخطة التنفيذية لإنجاز هذه المشروعات.. والحساب ولد، بصورة دورية كل نهاية سنة يرصد الإنجاز مقارناً بالخطة.. فإذا كان الإنجاز أقل من 50% تسقط شرعية الحكومة تلقائياً، وإذا كان في حدود 60% تمنح الحكومة إنذاراً بضرورة تحسين الأداء وتصبح المتابعة بعد ذلك بصورة دورية كل ثلاثة أشهر (رُبع السنة).
هذه الديموقراطية السودانية سنطلق عليها “الديموقراطية البنيوية”Structural Democracy ، لأنها تعتمد على تحقيق الأهداف بعيدة المدى بإنجازات مدروسة قصيرة المدى، رسم خارطة كبيرة لطموحات الوطن ثم تجزئتها في خطط قصيرة متكاملة Structural يمكن قياسها والتحقق من مسارها بصورة مستمرة لضمان الأهداف الكلية في نهاية الخطة الاستراتيجية بعيدة المدى.
مربط الفرس في الديموقراطية البنيوية في مؤسسات التخطيط الاستراتيجي لأنها تكتسب أهمية “دستورية” إضافية لكونها تصبح مؤسسات “حاكمة” بدلاً من “استشارية”، فهي التي تصمم الخطط بعيدة ومتوسطة المدى، وتتولى تعديلها بصورة ددورية حسب مقتضيات الظرف أو الأداء التنفيذي على الأرض.
وبالطبع حلقة التخطيط الاستراتيجي ترتبط بصورة مباشرة بالمعلومات، ولهذا يتحول “الجهاز المركزي للإحصاء” إلى “الجهاز المركزي للإحصاء والمعلومات” بعد دمج المركز القومي للمعلومات فيه. ويتولى الجهاز ضمان “سيولة المعلومات ” Data flow وليس مجرد جمعها.. فجمع المعلومات لا يحقق الغاية منها، أشبه بحفر بحيرة كبيرة لتجميع المياه، فلا فائدة منها إلا بقدر ما تسري به المياه في الجداول أو الأنابيب لتصل إلى المستهلك بشراً أو حيواناً أو نباتاً.
الديموقراطية البنيوية Structural Democracy سهلة التنفيذ لأنها تجرد الديموقراطية التقليدية من مخاوف وهواجس المنافسات الانتخابية، فالأحزاب السودانية تنظر إلى “الانتخابات” كنظر الإنسان إلى الموت، حقيقة حتمية لكنها غير مرجوة، وربما لهذا تحاول الأحزاب الآن وبمختلف الحجج تطويل الفترة الانتقالية فهي تجتهد في إبعاد حتمية الوصول إلى صندوق الاقتراع.
تفاصيل أكثر لاحقاً بإذن الله.