بالتفصيل.. لماذا تغير دونيتسك ولوغانسك مسار أزمة أوكرانيا؟
مع وجود أكثر من 100 ألف جندي روسي على حدود أوكرانيا، قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، الاعتراف باستقلال دونيتسك ولوغانسك الواقعتين بمنطقة دونباس، التي يهيمن عليها الناطقون بالروسية وتخضع منذ عام 2014 لسيطرة الانفصاليين الموالين لموسكو.
فلماذا تعد هذه المناطق مهمة؟ وكيف يمكن أن يغير الاعتراف الروسي باستقلالها مسار الأزمة؟
يعود التوتر العسكري حول أوكرانيا إلى “ثورة الميدان” في فبراير 2014، عندما هرب فيكتور يانوكوفيتش، رئيس أوكرانيا المدعوم من روسيا في ذلك الوقت، من كييف، بعد أشهر من الاحتجاجات في الشوارع، وردت روسيا بالسيطرة على شبه جزيرة القرم في الجنوب الأوكراني، وضمها في مارس.
وسرعان ما اندلعت الأعمال العدائية في شرق أوكرانيا، حيث بدأت مجموعة من الميليشيات بالاستيلاء على المباني الحكومية في جميع أنحاء دونيتسك ولوغانسك في أبريل.
وفي مايو 2014، أعلنت تلك المجموعات، التي كانت تتكون بالكامل تقريبا من السكان المحليين الساخطين والمتعاطفين معهم من أماكن أخرى في أوكرانيا، الاستقلال، وأطلقت على المنطقة اسم “جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية”.
وأشارت تلك الميليشيات إلى الدويلتين الجديدتين باسم “نوفوروسيا” أي “روسيا الجديدة”، وهو مصطلح تم إحياؤه للإشارة إلى الأراضي الأوكرانية الجنوبية التي احتلتها الإمبراطورية الروسية في القرن الثامن عشر، وفقما أوضحت صحيفة “ذي إيكونوميست”.
من جانبها، بدأت القوات الأوكرانية الهجوم، وبدا أنها مستعدة لاستعادة الأراضي التي يسيطر عليها الانفصاليون، لكن التعزيزات الروسية لأولئك المسلحين توالت عبر الحدود، مما دفع الأوكرانيين إلى التراجع، والتهديد باندفاع المسلحين أكثر إلى قلب أوكرانيا.
وأوقف اتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا والانفصاليين الهجوم، عرف باسم “اتفاق مينسك الأول”، الذي سرعان ما انهار، فبحلول يناير 2015، اندلع القتال على نطاق واسع مرة أخرى.
هذه المرة، تدخلت المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، والرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، لإحياء وقف إطلاق النار، وتم التوصل لـ”حزمة من الإجراءات لتنفيذ اتفاقية مينسك”، والمعروفة باسم “اتفاق مينسك الثاني”.
وترك ذلك مساحات شاسعة من دونباس تحت سيطرة الانفصاليين، إذ أصبح يمر عبرها “خط تماس” بطول 500 كيلومتر، مليء بالخنادق والألغام الأرضية.
ورغم وجود مراقبين أجانب لمراقبة وقف إطلاق النار، لم يعم الهدوء تلك المنطقة بشكل تام أبدا، وقد قتل أكثر من 14 ألف شخص هناك منذ عام 2014.
ووسط التحذيرات الغربية من أن روسيا تسعى لخلق ذريعة لتبرير غزو أوكرانيا، ازداد القصف والمعارك على طول “خط التماس” بشكل كبير هذا الشهر.
وبدأ قادة المناطق الانفصالية في نقل المدنيين إلى روسيا، فيما بقي الرجال في سن القتال، بينما نفت أوكرانيا التقارير الروسية التي أشارت إلى أنها “أرسلت مخربين وعربات مصفحة” إلى المناطق الروسية.
وما زاد الأمر تعقيدا، أن اتفاقيات مينسك نصت على “أن تعيد أوكرانيا ضم دونيتسك ولوغانسك تحت وضع خاص”، إلا أن هذا “الوضع الخاص” ترك من دون تحديد، إلى جانب تسلسل الخطوات، ومسألة ما إذا كان يجب أن يكون لسكان دونباس الذين نزحوا بسبب النزاع رأيا في مستقبل منطقتهم.
بالنسبة لروسيا، ستخلق مينسك حصان طروادة لمنحها السيطرة على أوكرانيا، إما عن طريق زعزعة استقرار البلاد من الداخل، أو من خلال التغييرات الدستورية التي من شأنها أن تمنح روسيا حق النقض على انضمام أوكرانيا إلى “جبهة الغرب”.
أما بالنسبة لأوكرانيا، فهذا بمثابة “حبة مسمومة” رفضت ابتلاعها منذ عام 2015، لأن الاعتراف الروسي بدونيتسك ولوغانسك ككيانات مستقلة، سيكون بمثابة شيء قريب من الضم، لأن “الجمهوريات” ستكون مليئة بالمواطنين الروس الجدد.
وقد وزعت روسيا مئات الآلاف من جوازات السفر على سكان دونباس، وصوت كثير منهم العام الماضي في الانتخابات البرلمانية الروسية.
لكن كما أوضحت جلسة بوتن مع مجلس الأمن القومي، فإن موسكو لا تدمج الدويلات بشكل رسمي في روسيا، إلا أن الخطوة أثارت احتجاج أوكرانيا والغرب بالفعل على احتمالية إعادة ترسيم روسيا للحدود الدولية بالقوة.
لكن إذا كان الاعتراف هو المكان الذي يتوقف فيه بوتن، فقد تتنفس أوكرانيا بهدوء الصعداء، لأنها ستزيد من فصل “المناطق المزعجة” عن بقية البلاد وشؤونها الداخلية.
ومع ذلك، يبدو من غير المحتمل أن يعلن بوتن النصر ويغادر، خاصة أن مشروع القانون الذي أقره مجلس الدوما الروسي ينص على “حماية” السكان هناك من “التهديدات الخارجية”.
والأمر الأكثر إثارة للقلق الآن، هو أن القادة الانفصاليين يطالبون بالسيادة على مساحات من الأراضي الأوكرانية التي لا يسيطرون عليها، وإذا قبل بوتن هذه الادعاءات، فسيكون لديه المزيد من الذرائع لمواصلة التدخل في أوكرانيا.