غازي صلاح الدين: البرهان يمارس صلاحيات تنفيذية غير مسبوقة في تاريخ السودان
نحن نتعرض لما يشبه حرب إبادة غير مسبوقة من بعض القوى الإقليمية والدولية والمحلية
مصير السودان الآن تحدده القوى الإقليمية والدولية أكثر مما يتحدد بإرادة وطنية
أسوأ وضع للجيش هو استمرار بقائه في الحكم بالشروط الحالية وعليه الإسراع بتسليم السلطة
العزل السياسي سياسة إقصائية وانتهازية كسولة وجبانة وهي قد تؤدي إلى عكس غرضها
قال الوزير السوداني السابق ورئيس حزب حركة الإصلاح الآن، الدكتور غازي صلاح الدين، إن “رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان يمارس الآن الصلاحيات الكاملة لرأس الدولة، بل هو يمارس صلاحيات تنفيذية أكثر من أي رأس دولة آخر في تاريخ السودان”.
وأكد، في مقابلة خاصة مع “عربي21″، أن “البرهان يجلس الآن غارقا في منضدة مليئة بالملفات من كل لون، معظمها لا يخصه، لذلك لا تستغرب تباطؤ العملية السياسية”.
وأشار “صلاح الدين” إلى أن “مصير السودان تحدده الآن القوى الإقليمية والدولية أكثر مما يتحدد بإرادة وطنية”، مؤكدا أن “أسوأ وضع للجيش هو استمرار بقائه في السلطة بالشروط الحالية”.
وأوضح أن “هناك تأثيرا للتيارات الإسلامية السودانية، خاصة حال تحالفها مع تيارات أخرى”، متوقعا “حصول التيارات الإسلامية، إذا نُظمت تنظيما جيدا، على 15- 20% من الأصوات البرلمانية، وهي نسبة لن تمنحهم الأغلبية، لكنها ستمنحهم نفوذا داخل البرلمان، وربما مكنتهم من المشاركة في حكومات ائتلافية”.
*ولفت “صلاح الدين” إلى أن التيار الإسلامي “يتعرض لما يشبه حرب إبادة غير مسبوقة من بعض القوى الإقليمية والدولية والمحلية، لكننا نعلم أن فاعلية التيارات الإسلامية هي في المسافات المتوسطة والطويلة، وهذا هو الذي نركز عليه”.*
*وفيما يلي نص المقابلة كاملة:*
بداية، أين أنتم من التفاعلات والتطورات الأخيرة التي يشهدها الشارع السوداني؟
نحن موجودون، في الشارع موجودون على طريقتنا، وموجودون في اتصالنا السياسي مع القوى التي ظلت تُشكّل ظهيرا سياسيا وفكريا لنا. صحيح أننا نتعرض لما يشبه حرب إبادة غير مسبوقة من بعض القوى الإقليمية والدولية والمحلية، لكننا نعلم أن فاعلية التيارات الإسلامية هي في المساقات المتوسطة والطويلة، وهذا هو الذي نركز عليه.
لماذا لم ينجح المكون العسكري في تكوين جميع المؤسسات حتى الآن رغم أن البرهان قال عقب الإجراءات الأخيرة التي اتخذها، في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إنهم سيستكملون كل المؤسسات في غضون شهر واحد؟
هذه هي المشكلة أصلا، وهذا هو المأخذ على المكون العسكري من الأساس. المشكلة هي أن المكون العسكري ترك مهمته التي كُلّف بها وهي حماية الدولة القائمة إلى حين تسليمها للقوى المدنية عبر انتخابات مستوفية لشروط الصحة والاعتراف. ووضع المكون العسكري نفسه في موضع إدارة الدولة وليس حمايتها.
الآن البرهان يمارس الصلاحيات الكاملة لرأس الدولة، بل هو يمارس صلاحيات تنفيذية أكثر من أي رأس دولة آخر في تاريخ السودان بمن فيهم الرئيس السابق عمر البشير؛ فالبشير والرؤساء الذين سبقوه كانوا يمارسون صلاحيات رأس الدولة المُقيدة بالدستور، بينما الآن البرهان يصدر القرارات وحده في كل قائمة الصلاحيات الدستورية دون قيود: يمارس صلاحيات وزارة الخارجية بكاملها في غياب وزير للخارجية، يضطلع بالمهام الأمنية ذات الخطر مثل مقابلة الإسرائيليين وحده وإجراء اتفاقات لا يعلم أحد خطرها وتأثيراتها على مصالح السودان ومستقبله.
المطلوب من البرهان كان فقط هو حماية الدولة من الانهيار والإشراف على قيام بنيات الدولة الانتقالية بالقدر الذي يمكن من إجراء انتخابات حرة، ومن ثم القطع في المسائل الدستورية الخلافية التي ظلت تمثل مواضيع الخلاف الفكري والدستوري.
لكن الآن البرهان يجلس مغرقا في منضدة مليئة بالملفات من كل لون، معظمها لا يخصه، لذلك لا تستغرب تباطؤ العملية السياسية، وتأخير القرارات أو تأخير تنفيذها، لأن الشخص الوحيد الذي يملك إصدار القرارات، كما يقول التعبير: قضم أكثر مما يمكنه أن يلوك.
كيف تنظرون للمبادرات المختلفة التي تسعى لمحاولة حل الأزمة السودانية؟
دعني أكن صريحا، مصير السودان الآن تحدده القوى الإقليمية والدولية أكثر مما يتحدد بإرادة وطنية. تقديم مبادرات وطنية سيظل عملا مأجورا ولو من باب حسن النوايا فقط، ومع ذلك لا ينبغي أن نوقف المحاولات، فقط ينبغي على كل مبادرة جديدة أن تستفيد من المبادرات السابقة حتى لا تستنفد الطاقات في تكرار نماج الفشل.
ما أبرز ملامح خارطة الطريق التي تعتقدون أنها مناسبة لإنهاء الأزمة الراهنة؟ وهل تقومون بتحركات ما في هذا الصدد؟
ببساطة شديدة، قيام المجلس العسكري الانتقالي كان الهدف منه رعاية الجهود لإنشاء أبنية الحكم الانتقالية وصولا للانتخابات الحرة النزيهة، كما حدث ويحدث في كل بلدان العالم. بناء على هذه الحقيقة يمكننا القول إن أي مبادرة جديدة أو فكرة أو خطة أو خارطة طريق تقترب من تحقيق هذا الهدف هي في الطريق الصحيح وتملك فرص النجاح، والعكس من ذلك صحيح. أما نحن فليس لدينا خطوة في هذا الاتجاه، وليس لدينا اعتراض أو تحفظ على المشاركة في مبادرة تمتلك شروط النجاح.
البعض يرى أن مطلب إخراج العسكر بالكامل خارج دائرة الفعل والسياسة في السودان تُعدّ مطالب خيالية وغير واقعية.. ما تعقيبكم؟
الذين يطالبون بإزاحة الجيش اليوم وينثرون تهم السعي لانقلاب عسكري في وجه منافسيهم هم أنفسهم الذين برروا لتدخل الجيش في السياسة واحتفلوا بشراكتهم مع الجيش حتى إذا انقلب الجيش عليهم عدوا أي تعامل مع الجيش مشروعا لانقلاب، وبذلك أصبحوا يرفعون صك المشروعية في وجه منافسيهم.
دعنا نكن واضحين: الدولة الآن تحت حراسة العسكر ويعينهم في مهمتهم، بل ويشاركهم الغنائم، مكون مدني كان من أكبر أخطائه أنه أقصى رفقاءه الآخرين من القوى المدنية، والآن يعاني هو من الإقصاء.
ونحن بالطبع مع الدولة المدنية، ولا أعلم أحدا ذا عقل راجح يدعو للدولة العسكرية، وعلى الجيش تسليم السلطة لمدنيين منتخبين وفق إجراءات منضبطة ومراقبة. والدعوة لتسليم السلطة المدنية المعلومة النسب دعوة صحيحة حتى لا يدعيها أحد لنفسه بتقديراته هو أو هم إذا كانوا جماعة.
هل سيكون الاستمرار في السلطة الخيار الأرجح للجيش السوداني حال تأزم الأوضاع؟
أسوأ وضع للجيش هو استمرار بقائه بالشروط الحالية. أفضل خيار للجيش هو الإسراع بتسليم السلطة للحكومة المدنية المنتخبة وفق الإجراءات الصحيحة التي ذكرناها.
كيف ترى العزل السياسي الذي يتعرض له النظام السابق وكل الإسلاميين في السودان؟
العزل السياسي سياسة إقصائية وانتهازية كسولة وجبانة ولا تؤدي غرضها، بل قد تؤدي إلى عكس غرضها. وقد جُربت في السودان ضد الشيوعيين في ستينيات القرن الماضي، ثم على الإسلاميين في الثمانينات، ثم الآن. أنا مؤمن بمقولة: إذا أردت أن تنشر فكرة فاضطهدها.
هل فض الشراكة بين المكون العسكري والمكون المدني خلال الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية يصب في صالح التيار الإسلامي؟
من وجهة نظر انتهازية ضيقة، الإجابة هي: نعم.
كنت تشغل منصب مستشار للرئيس السابق عمر البشير، وتقلدت مناصب عديدة في حزب المؤتمر الوطني.. فما أكبر خطأ وقع فيه نظام البشير برأيكم؟
أهم وأكبر خطأ كان تضخم مشروع الدولة على حساب مشروع المجتمع، أي المشروع السياسي، وهذا لم يكن خطأ البشير وحده.
ما مستقبل الإسلاميين في السودان في ظل التطورات الأخيرة؟
هناك تأثير للتيارات الإسلامية، خاصة حال تحالفها مع تيارات أخرى في انعطافة سياسية غير تقليدية نحو الأحزاب الوطنية والقوى التي أفرزتها مسيرات السلام والمجموعات التي تفرعت منه، إضافة إلى القوى المهنية والشبابية التي برزت بقوة في الحراك الأخير. أقدر لتلك التيارات إذا نظمت تنظيما جيدا، وهنا موطن قوة التيارات الإسلامية، أن تتحصل على 15- 20% من الأصوات البرلمانية، وهي نسبة لن تمنحهم الأغلبية، ولكنها ستمنحهم نفوذا داخل البرلمان، وربما مكنتهم من المشاركة في حكومات ائتلافية.
أخيرا.. هل يمكن أن ينزلق السودان إلى الفوضى والاحتراب الأهلي في حال عدم الاتفاق على مخرج للأزمة؟
المنظر حاليا قاتم. طبعا سيناريوهات الفوضى والانزلاق نحو الهاوية واردة، لكن الدرس الأول في كراسة النجاح هو ألا نيأس. المشكلة باختصار تحتاج إلى قيادة، وبالقيادة القائمة أو بغيرها هناك فرصة جيدة للنجاح والقفز فوق الأخدود.
الدكتور غازي صلاح الدين العتباني في سطور
درس بكلية الطب جامعة الخرطوم، ونال منها شهادة البكالوريوس في الطب والجراحة، ثم التحق بذات الكلية عند تخرجه.
تميز في الفترة الجامعية كقائد طلابي، وصار مرتين عضوا بالمجلس الأربعيني لاتحاد طلاب الخرطوم، وهو الاتحاد الذي قاد الانتفاضة الشعبية ضد جعفر النميري في سبعينيات القرن الماضي، وقد سجن جراء ذلك ثلاث مرات.
كما أنه فُصل تعسفيا لمدة عامين أكاديميين، وقد وقع ذلك بالتزامن مع الإعداد من قِبل الجبهة الوطنية برئاسة رئيس الوزراء السوداني الأسبق، وزعيم حزب الأمة القومي، الصادق المهدي، لضربة عسكرية تزيح الرئيس النميري وتعيد الديمقراطية للبلاد. وقد بلغت الترتيبات لتلك الضربة أوجها في يوم الجمعة الثاني من تموز/ يوليو عام 1967؛ حيث شاركت قوات من الإسلاميين القوة الرئيسية من الأنصار (أنصار الزعيم السوداني المعروف بالإمام محمد أحمد المهدي)، وقد شارك د. غازي في تلك الأحداث.
ولكن بدلا من أن تؤدي تلك التطورات إلى مزيد من الحرب، أدت إلى المصالحة الوطنية بين النميري والقوى الوطنية. وبعد المصالحة ذهب د. غازي لإتمام الدراسة العليا في بريطانيا، حيث تحصل على الدكتوراه من جامعة سري، وعاد إلى السودان محاضرا بكلية الطب.
فيما اقتصر نشاطه في تلك الفترة على العمل المهني والنقابي، وبعد قيام نظام الرئيس عمر البشير “الإنقاذ” تقلد عدة مناصب من بينها وزارات الإعلام والثقافة والاتصالات، ووزارة الدولة بالخارجية.
وتولى أيضا ملف السلام بجنوب السودان؛ حيث نجح في توقيع “بروتوكول مشاكوس” التاريخي بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان، وهو الاتفاق الذي لم تقم بعده حرب في الجنوب.
كذلك كُلّف برعاية التفاوض مع الحركات المسلحة في دارفور، وقد قاد المفاوضات التي أدت إلى توقيع اتفاقية سلام دارفور بالعاصمة القطرية الدوحة عام 2011.
لكنه اختلف لاحقا مع نظام البشير أواخر عام 2013 حول قمع التظاهرات، وخرج من حزب المؤتمر الوطني -الذي كان حاكما آنذاك- لتكوين حركة سياسية جديدة باسم حركة “الإصلاح الآن”.
في حين تتبنى هذه الحركة منهج الحوار السياسي التجديدي لتحقيق أهدافها.
المصدر : “عربي 21”
طه العيسوي