حديث المدينة .. عثمان ميرغني .. رأس السهم تغير، يا دكتورة أماني..
عثمان ميرغني: رأس السهم تغير، يا دكتورة أماني..
شاركت أمس الأول في برنامج حواري عبر فضائية الحرة قدمته الأستاذة أريج الحاج حول العلاقات السودانية المصرية، كان الضيف المقابل الدكتورة أماني الطويل وهي من أكثر الخبراء بالشأن السوداني موضوعية وعمقاً، لكن لفت نظري وللمرة الثانية خلال مشاركتي معها في وسائط أخرى تكرارها أن الولايات المتحدة الأمريكية تدير الملف السوداني بصورة تتعمد فيه استبعاد مصر، واستدلت على ذلك بالرباعية الدولية التي تتكون من أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات و حُرمت مصر من أن تجعلها خماسية.
حتى عهد قريب قبل سنوات قليلة، كانت الاستراتيجيات الدولية ترتب وتدير الملف السوداني من نقطة ارتكاز أساسية هي الخط الواصل مباشرة بين القاهرة والخرطوم. وكانت علاقات السودان مع الدول والمنظمات تتطلب تزكية القاهرة، ولم يكن ذلك يزعج السودان بل ربما يعتبره ميزة.
الآن هناك متغيرات كبرى على مستوى العالم أعادت ترسيم خطوط العرض والطول الجيوبوليتكية كالتالي:
أولا: الصراع الأمريكي الصيني الذي بكل المقاييس يمثل حرباً عالمية ثالثة تتخذ عدة أوجه على رأسها الوجه الاقتصادي الاستراتيجي، هذا الصراع أعاد ترسيم خارطة الأحلاف والتحالفات والمصالح عالمياً، وأفريقياً واحداً من أهم ميادين هذا الصراع.
ثانياً: عالم اليوم يضع في الاعتبار قضيتين مهمتين في أولويات العلاقات الدولية، التغير المناخي و عالم ما بعد فيروس كوفيد 19. كلتا القضيتان استحدثا معياراً جديداً ينظر تلقاء الموارد الطبيعية والاستثمارات عظيمة وسريعة العائد.
ثالثاً: العالم يواجه أزمة بدأت بوادرها العام 2019 في ثلاثة مجالات، الغذاء والماء والطاقة وستتعمق هذه الأزمات بصورة مؤثرة كثيراً على اقتصاديات الدول الصناعية الكبرى.
السودان في الفضاء الدولي الحالي أصبح نقطة ارتكاز مهمة متصلة بهذه الخطوط الجديدة، ولم يعد ممكناً قياس تفاعله مع المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى بمعطيات وقراءات الخط المباشر الواصل من الخرطوم إلى القاهرة.
لا يعني هذا مفاصلة العلاقات بين شطري وادي النيل، بالعكس هو مزيد من تعميق هذه العلاقة لكن من منظور مختلف تماماً عن الماضي.
المنظور الجديد يعيد توجيه رأس السهم ليتجه من القاهرة إلى الخرطوم، لكن هذا الوضع الجديد لا يتحقق في ظل نظام الارتباط السياسي القديم بين السودان ومصر، بل يتطلب إعادة ترفيع وتحديث “اصدارة” النظام ليواكب هذه المعطيات الدولية الجديدة.
الاستراتيجيات الدولية الجديدة تحول السودان من حديقة خلفية توجس الأمن القومي المصري إلى واجهة اتصال Front Desk قارية تدعم مصر بزيادة عمقها الأفريقي عبر السودان.
بهذا المفهوم، تحتاج مصر لتحديث بيانات السودان في أجهزتها المختلفة، وبدلاً من رأس القاطرة الأمنية والسياسية للعلاقات الثنائية مع السودان سيتطلب الوضع الجديد رأس قاطرة اقتصادية نشطة وضاربة في التداخل والارتباط Engagement مع السودان.
رأس القاطرة الاقتصادية المصرية نحو السودان، سيتحقق عبر طريقين:
الأول: خطة استراتيجية طموحة لنقل بعض الصناعات المصرية – خاصة الغذائية التحويلية- إلى السودان لتنطلق إلى الأسواق الأفريقية، وقد يتطلب ذلك ضمانات سيادية مصرية وسودانية للمستثمرين و قبلها نهضة في البنية التحتية السودانية.
الثاني: طفرة حقيقية في النقل بالسودان، الطرق والجسور والسكك الحديدية لتقليل مخاطر الفراغات الواسعة في السودان وزيادة التواصل الأفريقي الذي يساهم في توسيع الأسواق للبلدين.
هذه العطيات توفر فرصة كبيرة للإعلام السوداني والمصري لتوجيه الرأي العام الشعبي نحو المصالح المشتركة وفق الخطة الاقتصادية الاستراتيجية، و يفتح هذا باباً واسعاً لاختراق الصورة السالبة المتبادلة على المستوى الشعبي العام.