مستشار رئيس الوزراء السابق أمجد فريد : ما يحدث حالياً في السودان ليس مجرد أزمة سياسية حدثت قضاء وقدر
قال المستشار السابق بمجلس الوزراء أمجد فريد ،إن خطاب (شلة المزرعة) ومستشاري حمدوك كان جزءاً من آليات الابتزاز السياسي التي تم استخدامها جماهيرياً للضغط على الجهاز التنفيذي ومحاولة فرض اتجاهات رأي محددة عليه، تم ترويج هذا الخطاب من المكون العسكري وبالتحديد من الدعم السريع والعناصر الموالية له.
* كيف ترى الأزمة الحالية في المشهد السياسي في ظل مطالبات قوى الثورة برفض الشراكة مع العسكر أو التفاوض معهم بينما العسكر مصممون على عدم التنازل من السلطة مهما كان الثمن ؟
– ما يحدث حالياً في السودان ليس مجرد أزمة سياسية حدثت قضاء وقدرا، ما يجري حالياً في السودان هو نتيجة مباشرة للانقلاب العسكري الذي قام به المكون العسكري في يوم ٢٥ أكتوبر على الترتيبات التي تم الاتفاق عليها في الوثيقة الدستورية في 2019م، وهذه التداعيات والنتائج ستستمر في التفاقم ما دام هذا الانقلاب مستمراً.
وبطبيعة الحال فأن الانقلاب العسكري قد أبطل بشكل كامل كافة الترتيبات الانتقالية التي تم الاتفاق عليها مسبقاً، وهناك حاجة للتوصل لترتيبات انتقالية جديدة تضمن تنفيذ مهام الانتقال وتحصنه للوصول إلى أغراضه في التأسيس لديموقراطية راسخة ومستقرة في السودان. مفهوم الشراكة الذي أشرت اليه في سؤالك هو مفهوم خاطئ منذ البداية. وقد ساهم في صناعة وهم سلطات ونفوذ متوهم لمن أسموا أنفسهم بـ (الشركاء) على جهاز الدولة.
وهو ما ساهم في دفع المكون العسكري للتغول على سلطات تنفيذية ليست من صلاحياته باعتباره شريكاً، وغذى النزعات الانقلابية للانفراد بالسلطة وساهم أيضاً في إضعاف جهاز الدولة وجعله عرضة للابتزاز السياسي من قبل الشركاء.
جهاز الدولة ليس شركة والحكومة ليست مجلس إدارة يضم شركاء لهم أن يقرروا فيما يشاءون. بل هو ينبني بالأساس على مبدأ فصل السلطات والرقابة بينها.
والعلاقة بين مكوناته ليست علاقة شراكة بل هي محكومة بفصل وتقسيم السلطات الوارد في المواثيق المؤسسة للفترة الانتقالية.
أما أي أفق لإعادة تأسيس الانتقال الديموقراطي في السودان، ينبغي أن يتفادى مثل هذه الأوهام ويؤسس لآليات واضحة لفصل السلطات والرقابة عليها.
* هل ترى أن (الحرية والتغيير) بواقعها الحالي قادرة على استعادة موقعها الفاعل في المشهد السياسي في ظل مواقف التباعد بينها وبعض التيارات السياسية وعدد من لجان المقاومة علاوةً على خروج التجمع المدني منها مؤخراً ؟
– (الحرية والتغيير) هي تحالف سياسي بين قوى سياسية.
فعاليتها السياسية تعتمد على فعالية مكوناتها وقدرتها على طرح وترويج رؤاها ومواقفها ، ومن واقع الحال فأن بعض القوى المكونة لهذا التحالف هي من القوى السياسية المؤثرة في السودان، وأنا غير قلق من حالة الاختلاف بين المكونات المدنية فهو أمر طبيعي ومن طبيعة الديمقراطية وهو تناقض ثانوي في المشهد السياسي الحالي، حول أهداف وتصورات لاحقة للمهمة الرئيسية الحالية وهي إسقاط سلطة الانقلاب ووقف استمراره، والشاهد أن كل هذه القوى متفقة على مقاومة وإسقاط الحكم العسكري وعدم القبول بشمولية جديدة في السودان.
وهذا هو التناقض الرئيسي، بين من يرغبون في تأسيس ديمقراطية مدنية تحقق أهداف الثورة السودانية، وبين من يرغبون في التأسيس لشمولية جديدة.
* هل كانت حكومة حمدوك تستحق النقد المكثف من بعض القوى السياسية وعدد من لجان المقاومة بالإضافة للدعوات بإسقاطها من قبل الحزب الشيوعي ؟
– بشكل مبدئي فأن النقد السياسي حق والرد عليه حق، من حق أي قوى اجتماعية أو سياسية أن تطرح آراءها حول السلطة ومن حق السلطة أن ترد، خصوصاً لو كان هذا النقد مبنياً على الحقائق بأسانيدها ومرفق معه مقترحات عملية مضادة للسياسات التي يتم نقدها، ولكن الشاهد أنه خلال الفترة الانتقالية السابقة ساد كثير من الشطط والمعلومات غير الصحيحة والتي ساهمت في بناء صور ذهنية غير صحيحة لكثير مما يجري وأدت لحرف النقاش العام عن مجراه المفيد وأنتجت حالةً من الاستقطاب غير المجدي، غياب المنصة البرلمانية الممثلة في المجلس التشريعي الانتقالي باعتباره المنصة التي يتم طرح وتوثيق المعلومات فيها ساهم في سيادة حالة الشطط والاستقطاب هذه بشكل أكبر.
* هل تتفق مع الذين يحمّلون العسكر مسؤولية أكبر في إخفاق حكومة حمدوك سيما في قضايا استكمال هياكل الفترة الانتقالية ؟
-أظن أنك تعني بحكومة حمدوك الجهاز التنفيذي، بالطبع فالجهاز التنفيذي كانت له نجاحاته وإخفاقاته. ولكن التغول المستمر من المكون العسكري على المهام التنفيذية ابتداءً من ملفات السلام، السياسة الخارجية، الاقتصاد، التعيينات في الخدمة المدنية، الإشراف على قطاعات مثل الاتصالات وجهاز الشرطة وغيرها، بالإضافة النفوذ السياسي المتوهم المستند إلى مفهوم الشراكة والذي فتح الباب للاتصالات والاتفاقيات مع القوى السياسية المختلفة، كل ذلك وغيره ساهم في صناعة كثير من العقبات أمام الجهاز التنفيذي.
وإضافة إلى ذلك فأن هناك الأمر المسكوت عنه والذي يتم تفاديه وتعطيله باستمرار وهو ملف إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية، والذي تم التعامل معه باستقطاب حاد لتعطيل المضي فيه قدماً بالرغم من أنه أحد المهام المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية.
وأنه ضرورة لتحديث وتطوير المؤسسة العسكرية السودانية لتكون قادرة على أداء مهامها الطبيعية بشكل أكثر فعالية وقبل ذلك توحيد الجيوش الكثيرة المتواجدة الآن في السودان في جيش وطني واحد له قيادة موحدة ويعمل على حماية البلاد والحفاظ على الشكل الدستوري المتفق عليه وليس ممارسة الحكم.
* البعض كانوا يتهمونكم كمستشاري حمدوك آنذاك بأنكم وراء إصدار عدد من القرارات غير الموفقة وأطلقوا على بعضكم لقب (شلة المزرعة) ؟
-كما قلت من قبل فأن التوفيق وعدم التوفيق في القرارات هو أمر يخضع للتقدير السياسي والنقاش،
ولكن خطاب (شلة المزرعة) ومستشاري حمدوك كان جزءاً من آليات الابتزاز السياسي التي تم استخدامها جماهيرياً للضغط على الجهاز التنفيذي ومحاولة فرض اتجاهات رأي محددة عليه، تم ترويج هذا الخطاب من المكون العسكري وبالتحديد من الدعم السريع والعناصر الموالية له، وتم استخدام حملات زائفة في وسائل التواصل الاجتماعي عبر الحسابات الوهمية لنشره سعياً وراء هز وتقويض صورة الحكم المدني، وهو الأمر الذي كشفته تقارير (الفيس بوك) وبعض الأبحاث المستقلة مؤخراً ولاحقاً وفي وقت مبكر، التقطت قوى مدنية داخل (الحرية والتغيير) قفاز نشر وترويج هذا الخطاب -خطاب المزرعة- وخصوصاً خلال مناقشات تعيين الولاة المدنيين الذين رشحتهم قوى الحرية والتغيير كآلية للضغط على الجهاز التنفيذي للقبول بالترشيحات، واستمر منذ حينها استخدام هذا الخطاب التضليلي كسلاح للابتزاز السياسي دون النظر في العواقب الكارثية لبناء المعارك السياسية على معلومات غير صحيحة.
*سياسيون ومراقبون يرون أن الولايات المتحدة حريصة على مشاركة العسكر سيما المكون العسكري الحالي وأن يكون لهم نفوذ في السلطة فيما يتعلق بالنواحي الأمنية والعسكرية والسياسة الخارجية من خلال إسناد عناصر موالية للعسكر في إدارتها وبالمقابل تريد حكومة مدنية بصلاحيات قوية لكن بعيداً عن المحاور المذكورة ؟
-أعتقد أن عليك توجيه هذا السؤال حول ما تحرص عليه الولايات المتحدة عبر القائم بأعمالها في الخرطوم ، ولكن ما يطالب به الشعب السوداني أصبح واضحاً في حكم مدني يدير فترة انتقالية تؤسس لنظام ديموقراطي مستقر في السودان.
* إذا استمر الوضع الراهن حتى الوصول للانتخابات القادمة كيف تقرأ مآلات المشهد آنذاك ؟
-هذا الوضع لا يمكن أن يصل لانتخابات حقيقية، أية انتخابات يتم إجراؤها بدون إجراء مهام الإصلاح المطلوبة في جهاز الدولة والنظام السياسي خلال الفترة الانتقالية سيكون محض تمثيلية تشبه تمثيليات انتخابات البشير. وستكون مجرد محاولة لاستمرار الانقلاب الجاري منذ ٢٥ أكتوبر.
والذين يعملون على استمرار هذا الوضع الانقلابي وحدوث انتخابات عبره، هم كوادر النظام القديم الذين يعملون على التسلل الى المشهد السياسي والعودة إلى السيطرة على جهاز الدولة من خلال الانقلاب. وهذه هي الردة الحقيقية.
* هل تتفق مع الكثيرين الذين يرون أن التحقيق في أحداث فض الاعتصام لن يبارح مكانه على الأقل في المرحلة الحالية ؟
-لا أعتقد أن لجنة التحقيق تستطيع أن تمارس أعمالها بشكل طبيعي في هذه الظروف.
لكن قضايا العدالة والعدالة الانتقالية لا تسقط بالتقادم. وهذه قضايا ينبغي أن تستمر إلى أن يتم الكشف عن كافة الحقائق فيها بشكل كامل.
* البعض يرى أن جذوة الحراك الثوري الشبابي سيخبو مع الاستمرارية هل تؤيد هذا الرأي ؟
-خاض الشعب السوداني نضالاً استمر لثلاثين عاماً ضد البشير، ونفس هذا الخطاب كان يتم ترديده خلال حراك ثورة ديسمبر ٢٠١٨م والذي استمر حتى إسقاط البشير في أبريل ٢٠١٩م وبعد ذلك في الاعتصام. وعندما ظن البعض انتهاء جذوة الحراك الجماهيري بفض الاعتصام في ٣ يونيو ٢٠١٩م، انتفض الشعب السوداني في ٣٠ يونيو ليصحح خطل هذا الظن.
* بعض قوى الثورة كانت تندد بالأحزاب السياسية في حين بعض لجان المقاومة يرى المتابعون للشأن السياسي أنها مستقطبة من بعض الأحزاب كيف ترى مستقبل لجان المقاومة في ظل تباينات كبيرة في الرأي واستقطابات واختراقات أمنية كما أشار مبكراً الحزب الشيوعي عندما اتهم المخابرات بمحاولات استقطاب لهذه اللجان في فترة سابقة ؟
-لجان المقاومة هي أحد إبداعات الشعب السوداني في تنظيم نفسه بشكل قاعدي، وهي تشكل أساسا قويا لتمتين وترسيخ نظم الحكم المحلية التي تمتن عضد النظام الديموقراطي.
وكما أسلفت لك فأن التباين في الآراء بين القوى المدنية هو من طبيعة الأشياء وطبيعة الديموقراطية والتباين داخل لجان المقاومة هو أمر طبيعي أيضاً باعتبارها كيانات قاعدية تضم كافة القوى الاجتماعية والسياسية في أحيائها ومناطقها.
ولكن كل هذه القوى متفقة بشكل أساسي على رفضها للانقلاب والشمولية، وهذا هو التناقض الرئيسي والمعركة التي تدور الآن.
أما اتهامات الاستقطاب والاختطاف وغيرها فهذا لا يعدو سوى أن يكون لغو حديث، هذه الباب مفتوحة لمشاركة الجميع وينبغي أن يخاض النقاش حول اتجاهات الرأي داخلها بوضوح وشفافية كاملة وما يتفق عليه عضويتها فهو يمثل رأيهم حول ما يجمعهم.
الانتباهة
عماد النظيف