إغلاق الطرق في العاصمة والأقاليم عمل بربري وجريمة ترتكبها الحكومة الانتقالية والمحتجون .. يعقوب ابراهيم (ابو ابراهيم)
إغلاق الطرق في العاصمة والأقاليم عمل بربري
وجريمة ترتكبها الحكومة الانتقالية والمحتجون
تنشط لجان المقاومة بشمال السودان منذ أوائل كانون الثاني/يناير 2022، وللمرة الثانية، في إغلاق طريق “شريان الشمال” الذي يربط بين السودان ومصر، للضغط على الحكومة المركزية لتلبية مطالبهم، وأبرزها إلغاء الزيادة في أسعار الكهرباء، وتخصيص حصص للولاية من مواردها الطبيعية، وغيرها من المطالب، على طريقة المجلس الأعلى لنظارات البجا في شرق السودان، الذي قام بأكبر عملية إغلاق للطريق القومي الذي يربط الموانئ على البحر الأحمر بالعاصمة وبقية أنحاء السودان في أيلول/سبتمبر من العام 2021م.
وتقوم الحكومة في الخرطوم بكثير من التجاوزات على الطرق، فكلما أعلنت لجان المقاومة عن مليونية، تنصب الحواجز وتغلق الكباري والطرق المؤدية إلى وسط الخرطوم بزعم حماية المناطق السيادية.
إنه من نافلة القول أن الطريق من المنافع العامة، وقد وُجِد من أجل الاستطراق، ولجميع النّاس حق الانتفاع به واستعماله على الوجه الذي وجد من أجله، سواء أكان المرء راجلاً أو راكباً، وقد أولى الإسلام اهتماماً بالغاً بالطريق لموقعه في حياة الناس وتحركاتهم، فوضع الشرع أحكاماً نظم بها الطريق للمحافظة على نظافته وتعهده وإصلاحه وغيرها، والالتزام بهذه الأحكام من علامات الإيمان، قال رسول الله ﷺ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ…» رواه مسلم. وعن أبي برزة الأسلمي قال: قلت يا نبي الله، علمني شيئاً انتفع به، قال: «اعْزِلْ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ»، ورتب الإسلام الأجر العظيم على إماطة الأذى، فقال ﷺ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ»، وعن أبي هريرة قال: قال النبي:ﷺ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي، حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنْ الطَّرِيقِ…» رواه مسلم.
فما بال أولئك الذين يضعون المتاريس من حجارة وحديد، ومن يصنع الحواجز الخرسانية والحاويات، ويشعل النيران، ويمنع حركة الناس! إنه أمر في غاية الخطورة أن ينحط الناس إلى هذا الدرك من أفاعيل أهل الغواية والهوى والضلال.
فقد نهى الشرع عن كل أمر فيه إضرار بالطريق، حيث أكد العلماء في شروحهم لأحاديث حق الطريق أنه يجب على المسلم كف الأذى عن الطريق، فالاعتداء على الطريق وزرٌ يحاسب عليه، وجريمة تستحق العقوبة القاسية، قال الإمام محمد الخولي، محذراً مما يؤذي الناس: “أو إراقة الماء في طريقه حتى تزلّ به الأقدام، أو وضع عقبات في الطريق يعثر فيها المشاة، أو إلقاء قاذورات أو أشواك تضر بالسابلة (أي: المارة)، أو تضييقه الطريق بمجلسه أو قعوده… كل ذلك إضرار به مما يجب كفه، والعمل على إبعاد المارة منه” (الأدب النبوي). وقد استدل العلماء بالنصوص التي تحث على الاعتناء بالطريق، على أن كل ما يضر بالطريق يحرم، قال الإمام العيني في شرحه لأحاديث فضل إماطة الأذى عن الطريق: “وفيه دلالة على أن طرح الشوك في الطريق والحجارة والكناسة والمياه المفسدة للطرق وكل ما يؤذي الناس، يخشى العقوبة عليه في الدنيا والآخرة” (عمدة القاري).
وعليه فإن الإسلام قد حرم كل ما فيه تعدٍ على الطريق ومنعه، بل عدّه من المنكرات، ولا أدل على ذلك من أن الإمام الغزالي ذكر بعض الاعتداءات على الطريق تحت باب (منكرات الشوارع)، فقال: “فمن المنكرات المعتادة فيها وضع الأسطوانات، وبناء الدكات (مقاعد من خشب)، متصلة بالأبنية المملوكة، وغرس الأشجار وإخراج الرواشن أي الشرفات، والأجنحة، ووضع الخشب وأحمال الحبوب والأطعمة على الطرق، فكل ذلك منكر إن كان يؤدي إلى تضييق الطرق واستضرار المارة، وإن لم يؤد إلى ضرر أصلاً” (إحياء علوم الدين).
يتضح من ذلك كله الاهتمام البالغ بالطريق في أحكام عقيدة الإسلام العظيم، غير أن رواة الحديث بوّبوا في مصنفاتهم أبواباً تتعلق بحق الطريق، كما فعل الإمام مسلم في صحيحه…
فالطريق مرفق عام لا يختص به أحد، ولا يستأثر به شخص، وإنّما هو لتحقيق الضروريات وقضاء الحوائج وتحصيل المنافع، فيجب تنحية الأذى وإبعاده، وإزالته عن الطرقات لا التسبب في إغلاقه.
ومما يُستدلّ به كذلك على حرمة الاعتداء على حق الطريق أيضا قول الـنبـي ﷺ: «مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقَاتِهِمْ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ» رواه السيوطي وحـسنـه. أي حقت عليه لعنتهم، فلهم أن يلعنوه، وفيه وعيد شديد يدل على عظيم جرم من وضع الأحجار والخشب والردم والإطارات المشتعلة في طريق الناس، ومنعهم من مصالحهم أيا كانت.
ويكفي الوعيد الشديد في حق من يلقي الأذى في الطرقات ويؤذي المارة ويعرقل السير في الطريق، فنشير إلى قوله تعالى فيما ورد عن الوعيد الشديد في أذية المسلمين، حيث قال عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾ [الأحزاب: 58].
ونخلص إلى القول بأن إغلاق الأزقة، والشوارع، والطرقات، وكل السبل التي يسلكها الناس في حياتهم، ومنعهم من الاستطراق، هي جريمة ترتكبها الحكومة الانتقالية والمحتجون، وهو عمل منحط أخلاقياً وفكريا، وتعتبر من الأفعال المحرمة التي ينبغي اجتثاثها من حياتنا، واستنكارها، وعدم السماح بها، سواء أقامت بها الحكومة أو أية مجموعة؛ جهوية كانت أو قبلية، أو سياسية، بأي وسيلة من الوسائل. ولا أخال أن الدويلات القائمة في بلادنا، والتي تطبق أنظمة وضعية مارقة على أحكام الإسلام الحنيف، تصلح لأن تحمي حرمات الله، أو تتقي حدوده، إلا دولة تجعل الإسلام أساساً تحاكم به أفعال وتصرفات رعاياها، تسوقهم إلى الطاعة وتمنعهم عن المعصية، وهي دولة المسلمين المعروفة؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فاعملوا لها تستقم أمور حياتكم إن شاء الله.