حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب .. معزومة من ضمن المعازيم..
عثمان ميرغني يكتب :
معزومة من ضمن المعازيم..
الفنان السعودي الرائع محمد عبده في واحدة من اغنياته يقول (الحظ الليلة كريم.. محبوبتي معزومة من ضمن المعازيم) تذكرت هذه الكلمات وأنا أقرأ مداخلة في الفيسبوك للمهندس خالد عمر يوسف وزير شؤون مجلس الوزراء السابق يشرح فيها موقف قوى الحرية والتغيير من الوساطة الأممية الحالية.
خالد كان ضمن وفد قوى الحرية والتغيير الذي التقى ممثل الأمين العام للامم المتحدة السيد فولكر بيترس لتسليمه رؤية لحل الأزمة السودانية السياسية.
يقول البند الأول لهذه الرؤية (الأزمة السياسية الحالية تتمثل في انقلاب ٢٥ اكتوبر ولا مخرج منها سوى بإنهاء الوضع الإنقلابي..) هل يعقل هذا؟ هل يعقل أن يكون هذا استهلال لتوصيف الأزمة أنها (أزمة انقلاب 25 أكتوبر)؟ مثل هذا التوصيف والتشخيص يهزم “روشتة” الحل قبل أن تُكتب..
القول أن الأزمة هي انقلاب 25 أكتوبر يجعل الانقلاب أقرب إلى طفل مجهول الأبوين، الذنب على من أنجبوه وتركوه في العراء لا عليه فيتطلب التعامل معه فصل الماضي من الحاضر والمستقبل، والحقيقة أن انقلاب 25 أكتوبر طفل معلوم النسب وُلد من رحم أزمة سياسية ممتدة منذ الاطاحة بالنظام السابق أفضت في النهاية إلى الانقلاب المحتوم، الذي لو لم يحدث في 25 أكتوبر لحدث بعده في أي تاريخ آخر..
ولو لم ينقلب البرهان لانقلب غيره، فالانقلاب العسكري ليس مجرد قرار بل بيئة تغري به، أشبه بترك مليون دولار ملقاة على قارعة الطريق، دعوة مفتوحة للسرقة حتى لمن لم يكن في باله أن يسرق.
قوى الحرية والتغيير لا تزال تركب القطار الخطأ، لأنها – منهجيا- تشتري التذكرة الخطأ.. فهي تعتبر نفسها مجرد (معزومة من ضمن المعازيم) على رأي أغنية الفنان محمد عبده، “معازيم” وساطة فولكر.
وساطة السيد فولكر مفتوحة للقوى السياسية والمجتمعية بما فيها المكونات القبلية والطرق الصوفية اضافة لقوى الحرية والتغيير، وبالضرورة لا يمكن افتراض أن تجلس قوى الحرية والتغيير في المقعد ذاته الذي تجلس عليه بقية الأطراف، ليس تهوينا لشأن الآخرين، بل بحسابات من يملك القدرة على صنع القرار ومن بيده الفرصة الأكبر في التأثير على المشهد السياسي.
من هذا الفهم؛ فالمطلوب من الحرية والتغيير ليس مجرد موقف يتأسس على موقف جهة أخرى – مثل المكون العسكري – ولا أزمة عابرة مثل الانقلاب العسكري .. بل حل شامل يخرج البلاد من النفق إلى فضاء الاستقرار السياسي، ومثل هذا الحل الشامل لا يمكن أن يأتي من اجتماعات الحرية والتغيير بدار حزب الأمة، بل من مؤسسات تلفكير Think Tanks تدعم صناعة القرار.
أقترح على الحرية والتغيير توسيع دائرة التفكير في أروقتها، وتجاوز المُسَلَمّات التي تحصر الرؤية في النطاق المعتاد.
لا يشترط في صناعة القرار أن تعول الحرية والتغيير على عضوية ناديها السياسي وحده، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.. ويبدأ ذلك من الادارك أن الحرية والتغيير هي الحزب الحاكم وليست مجرد مكون سياسي (من ضمن المعازيم)..