علاء الدين محمد ابكر يكتب .. بالاستقالة اثبت حمدوك انه اشجع رئيس وزراء افريقي
علاء الدين محمد ابكر يكتب ✍️ بالاستقالة اثبت حمدوك انه اشجع رئيس وزراء افريقي
______________
اختلف او اتفق الناس حول اداء حكومة السيد رئيس الوزراء السابق دكتور عبد الله حمدوك الا انه حظي باحترام الجميع خاصة بعد تقديمه استقالة بثت عبر الهواء يشرح فيها الاسباب التي قادته الي التنحي عن منصب رئيس الوزراء ان ادب تقديم الاستقالة لم يكن معروف في السودان خاصة علي مستوي الوظائف العليا
وتقديم الاستقالة سابقة حتي علي مستوي عموم قارة أفريقيا فكل من كلف بتولي منصب لايغادره الا بالاقالة او بالاطاحة او بالموت ونادر من اوفي بالعهد وسلم الامانة الي اهلها و يظل التوفيق من عند الله تعالي يؤتي الملك لمن يشاء وينزعه ممن يشاء
لقد اختلف السودانيين حول سياسة حكومة السيد عبدالله حمدوك خاصة الاقتصادية في انسب البرامج التي تقود الي التخلص من الديون وجزب الاستثمار الاجنبي للبلاد فالسودان ظل يعاني منذ مابعد الاستقلال من تراجع في الانتاج وعدم تطوير الثروة الحيوانية والزراعية والتي تعتبر عصب الاقتصاد الوطني وحتي خروج النفط في تسعينات القرن الماضي
لم يحدث اثر كبير علي تطوير موارد البلاد وكان الخطر الاكبر في انه يستخرج من مناطق تشهد حروب في جنوب السودان والتي ربما قد تشهد انفصال في المستقبل عن الوطن الام وهذا ماحدث بالفعل بانفصال جنوب السودان في العام 2011م حيث وجد السودان نفسه في ورطة كبري نتيجة اعتماد النظام البائد علي عائد النفط كرافد رئيسي في ميزانية البلاد بعد اهمال وعدم تطوير قطاع الثروة الحيوانية او العمل علي زيادة الرقعة الزراعية
ولم يضع نظام البشير في حسابه بان الجنوب قد ينفصل ويصير دولة مستقلة فكان نتيجة ذلك الاهمال في التفكير المستقبلي بداية نهاية النظام البائد الذي حاول بعد انفصال الجنوب تدارك الامر بتطبيق سياسة تقشف للحد من الانفاق الحكومي عبر سلسلة من الاجراءات الاقتصادية منها مكافحة الفساد ولكنه وجد نفسه في كماشة مابين الشارع الهائج ضد اي زيادات في الاسعار و (القطط السمان) التي لن تقبل الحرب عليها في اطار مكافحة الفساد وتستمر الحرب الاقتصادية مابين الطرفين سجال حتي سقط النظام البائد بعوامل 75% منها كانت اقتصادية و عقب انتصار ثورة ديسمبر كانت امال المواطنيين معقودة علي انتقال اقتصادي اكثر منه انتقال سياسي ولكن السيد رئيس الوزراء السابق السيد عبد اله حمدوك كان اكثر اصرار علي الانتقال السياسي فترك ملف الاقتصاد يتبع اثر البنك الدولي فالسياسة الاقتصادية للبنك الدولي قد لاتصلح في ذلك الوقت مع ظروف شعب السودان الخارج للتو من فترة ثلاثين عام كانت تمثل له كابوس من كثرة القمع واشعال البلاد بالحروب والارهاب فكان الشعب في حوجة الي التقاط الانفاس واكبر الاخطاء التي وقعت فيها الحكومة الانتقالية هي رفع الدعم عن اشياء مرتبطة بمعاش الناس مثل الخبز والعلاج والدواء والتعليم والمواصلات العامة وعدم قيامها بردع التجار الجشعين وترك السوق في فوضي ارتفاع الاسعار ان معاش الناس هو من يتحكم في مصير بقاء او اسقاط الانظمة في السودان وحتي عملية السلام التي ابرمت في مدينة جوبا عاصمة دولة جنوب السودان نجدها كانت تستند علي قاعدة قسمة الثروة بمعني نيل الحركات الموقعة علي اتفاق السلام لمكتسبات مادية عبر بند دمج وتسريح جنودها وذلك يعني المزيد من الاعباء المالية علي خزينة الدولة .
واكبر الاخطاء في عملية التفاوض للسلام هو محاول الطرفين ( الحكومة والحركات المسلحة) وتحت رعاية وساطة دولة جنوب السودان اعادة تكرار سناريو مفاوضات نيفاشا السابقة في عام 2005م مابين الحركة الشعبية بقيادة الراحل دكتور جون قرنق والوفد الحكومي انذاك برئاسة علي عثمان محمد طه نائب الرئيس المعزول عمر البشير خاصة في بند قسمة الثروة فقد كان السودان في ذلك الوقت يمتلك ثروة من النفط مما ساعد علي تنفيذ عملية السلام اضافة الي وجود مانحين دولين منهم الامم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الاوربي والتعهد بدعم عملية تسريح ودمج المقاتلين السابقين للحركة الشعبية وصرف مرتبات القوات المشتركة المسموح بها
وهذه الالتزمات غير موجودة في اتفاق جوبا للسلام بسبب عدم وجود مانحين من دول كبري وحتي مورد (النفط ) ذهب مع انفصال الجنوب ولذلك عندما تنفيذ فقرة الترتيبات الأمنية ودمج وتسريح جيوش الحركات المسلحة وقف شيطان التفاصيل عقبة امام التنفيذ لذلك تاخر الاسراع في اكمال ملف السلام فكان خيار شركاء السلام الاعتماد علي ميزانية تستند علي جيب المواطن وهذا ماجلب وماسوف يجلب عليهم المزيد من السخط من قبل السودانيين الذي خرحوا في ثورة ديسمبر ينشدون العيش الكريم ان شعار الثورة اتي غير متناغم مع المطالب الحقيقية للناس وذلك يعتبر من اكبر الاخطاء فالشعار يدل علي مافي الصدور وبعد الاستيقاظ من حلم النصر تفاجا الثوار بصعوبة تطبيق تلك الشعارات علي ارض الواقع مثل شعار (حرية وسلام وعدالة ) الذي كان مرادف له شعار (عيش كريم وامان وشراكة) وهنا لا نجد لوم علي السيد حمدوك ومن معه في الشروع في البناء علي تنفيذ شعار ( حرية وسلام وعدالة) فالسيد حمدوك لا علم له بالشعار الحقيقي للثورة والذي هو ( عيش كريم وامان وشراكة) وحينها احس العديد من المواطنين بالحسرة لتجاهل تنفيذ الشعار الخفي لثورة ديسمبر ( عيش كريم وامان وشراكة) وهنا حدث الصدام بين الحكومة والشعب خاصة الفقراء والمساكين وهم يشاهدون المجازر الاقتصادية في حقهم برفع الدعم الحكومي عنهم لتنفيذ شعارات الثورة من( حرية وسلام وعدالة) وحتي برنامج ( ثمرات ) لم يعالج ذلك الجرح الاقتصادي بسبب انه لم يستند علي دراسة اجتماعية لقياس نسبة الفقر والبطالة في البلاد فكان ان ذهب الحق لغير المستحق حيث استفاد العديد من ضعاف النفوس من اصحاب الدخل الطيب من اموال (ثمرات) علي حساب الفقراء والمساكين الذين لايملك العديد منهم ارقام هواتف ولايوجد عند اطفالهم ارقام وطنية حتي يدرجوا ضمن المستحقين لنيل حقهم فالارقام القومية صارت تستخرج برسوم من ادارة السجل المدني وهذا مامنع العديد من الفقراء من الاستفادة من اموال مشروع ( ثمرات ) والذي يحمل عيب اخر وهو تواضع المبلغ المالي المرصود للفرد الواحد فمبلغ ( الخمسة دولار) لايسمن ولايغني من جوع ،ان اهمال معاش الناس تسبب في احداث فروقات اجتماعية كبيرة بين الناس فانعكس ذلك علي نسيج السلام الاجتماعي لم يجد حظه من الاهتمام من حكومة السيد حمدوك فالسلام الاجتماعي يمثل عامل اساسي من عوامل نجاح السلام الشامل فكان نتيجة اهمال ذلك الملف ظهور النزاعات القبلية في مختلف انحاء البلاد ولم تكن العاصمة الخرطوم في امان من تلك الاحداث فكان ظهور عصابات ( تسعة طويلة) وعصابات (النيقرز) كرد فعل طبيعي لتجاهل الاهتمام بامن المجتمع وسد الثغرات الامنية والاجتماعية عبر بث للوعي وتوفير فرص العمل و ضمان استقرار الاسعار لسد للزرائع فالفقر لعب دور كبير في الانفلات الامني وكانت كارثة انتشار فيروس (كورونا) واغلاق البلاد دور كبير في تفشي البطالة اضافة الي الفصل التعسفي لبعض صغار العاملين عبر لجنة ازالة التمكين الاثر الكبير في اختلال ميزان العيش الكريم لبعض المواطنيين فالثورة كان ينبغي ان تكون في سند الضعفاء لا سيف مسلط عليهم ،ان استقالة السيد حمدوك كانت متوقعه بسبب مايحدث في البلاد من عدم وفاق بين السياسين والعسكرين والسخط من الشارع لتجاهل الحكومة لتلبية مطالب الثورة باكمال هياكل الفترة الانتقالية من اقامة (برلمان) ومحكمة دستورية كانت يمكن ان تكون مرجع لحسم اي خلاف قد يقع بين طرفي الوثيقة الدستورية ويكفي الاستشهاد علي اهمية تلك المؤسسات الدستورية في حسم الخلاف مابين المكون العسكري مع المكون المدني وغياب المحكمة الدستورية قاد الي وقوع احداث الخامس والعشرين من اكتوبر والتي صارت في نظر العالم علي انها انقلاب عسكري بسبب عدم اتباع الطرق الدستورية مثل الطعن وتقديم الشكاوي الي المحكمة الدستورية لحسم الخلافات مما قاد الي احتقان سياسي وانعكس ذلك علي مايحدث في الشارع هذه الايام من فر وكر بين المتظاهرين الداعمين الي تسليمهم بقية ادارة الفترة الانتقالية بحسب ما اتفق عليه في الوثيقة الدستورية و العسكريين الذين يرون ان استمرارهم يضمن انتقال حقيقي نحو دولة مدنية بعد قيام الانتخابات العامة وكل ذلك الصراع يرجع الي غياب المحكمة الدستورية والبرلمان
ولكن علي كل حال يجب شكر السيد رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك علي الاجتهاد في سبيل للعبور بالبلاد ويبقي التوفيق من عند الله والسودان بلد كبير ويملك من الابناء من هو قادر علي توحيد الكلمة وجمع الصف ويجب الاسراع في التوافق بين ابناء الوطن في كسب الوقت والشروع في تشكيل حكومة مدنية تعمل علي اكمال الفترة الانتقالية وتمهد الي قيام انتخابات مبكرة والسيد حمدوك قدم نموزج طيب في الزهد في المناصب وبدون شك سوف يخضع السيد حمدوك هذه التجربة الي الدراسة والمراجعة لمعرفة نقاط القوة والضعف واتمني من الجميع الابتعاد عن المشهد السياسي لاجل مصلحة هذا الوطن فالبلاد تحتاج الي دماء حارة وعقول شابة قادرة علي النهوض بالبلاد والعقل البشري بعد سن السبعين عاماً لايعمل بطاقة وحيوية الشباب
اذا كامل التوفيق للدكتور عبد الله حمدوك ويظل موضع احترامي وتقديري فهو لم يعمل لاجل نفسه او الانتقام لذاته وتحمل بشجاعة لكل سهام النقد والتجريح وتلك هي التربية والخلفية الإجتماعية الديمقراطية الفريدة
ترس اخير
نقتبس مشهد اخلاقي رائع في مسرحية المك نمر لطه وهو يمدح خصمه الشيخ حمد ود دكين بعد قتال ضاري وقع بينهم حيث قال
زايله رقد ود دكين اسد القبيله الراعي
كان ما ضايقني هو ما كنت قطعتو ضراعي
المتاريس
علاء الدين محمد ابكر
Alaam9770@gmail.com