الكاتب حسن عبدالحميد …اتفاقية ابراهام خطوة على طريق التطبيع الخاسر
ااخرطوم _ أثيرنيوز
اتفاقات إبراهام.. خطوة على طريق التطبيع الخاسر
حسن عبد الحميد
في الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء السوداني حمدوك يلتقي ثلة من قادة لجماعات وهيئات إسلامية لمناقشة موضوع تعديل المناهج المثير للجدل، ويتداول الحضور حول سياسات مدير المناهج المثير للإزعاج د. عمر القراي ـ الذي استقال في اليوم التالي وأشار لهذا الاجتماع في استقالته ـ وأصدر حمدوك بعد اللقاء قرارا قضى بتجميد عملية تعديل المناهج؛ في نفس هذا اليوم الأربعاء السادس من يناير 2021م؛ كانت اجتماعات أخرى تجري في الخرطوم بين وزير الخزانة الأمريكي ومسئولين سودانيين، وتمخضت اجتماع الوزير الأمريكي عن توقيع ما أسموه (اتفاق إبراهام) أو إلحاق السودان بهذه الاتفاقات التي سبقته إليه دول أخرى؛ مما جعل بعض المراقبين يعتقد أن ثمة عملية إلهاء تمت بموضوع القراي من أجل تمرير هذا الاتفاق الخطير، وبغض النظر عن العلاقة بين الموضوعين؛ ما هو اتفاق إبراهام؟ وماذا تريد الولايات المتحدة من السودان من وراء السعي لتوقيع هذا الاتفاق؟ وما علاقة هذا بموضوع التطبيع الذي بدأه السودان منذ حوالي عام حين التقى رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق البرهان برئيس الكيان الصهيوني نتنياهو في يوغندا في فبراير من العام الماضي 2020م؟
حسب ما أوردته صحيفة (الشرق الأوسط) الخميس السابع من يناير2021م فإن (نشرة صحافية صادرة عن مكتب رئيس الوزراء عقب لقاء حمدوك الوزير الأمريكي أن السودان وقع إعلان اتفاقات إبراهام، وتنص على ترسيخ معاني التسامح والحوار والتعايش بين مختلف الشعوب والأديان بمنطقة الشرق الأوسط والعالم) وإذا كان البعض لا زال في حيرة من أمره من موضوع التعايش بين الأديان الذي أشارت له نشرة رئيس الوزراء حمدوك؛ ولم تشبع فضوله العبارات المطاطة وحمالة الأوجه التي اعتاد مكتب حمدوك على إصدارها؛ فإن وزير العدل السودان نصر الدين عبد الباري لن يتركهم في حيرتهم كثيرا، فقد واصلت الصحيفة في تقريرها (وقال وزير العدل نصر الدين عبد الباري عقب توقيعه اتفاقات إبراهام إن الاتفاقات التي تم توقيعها قبل قليل هي الاتفاقات الإبراهيمية، وهي عبارة عن مبادرة مقدمة من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى في المنطقة من أجل تعزيز السلام والتسامح والاحترام بين شعوب المنطقة) هل أضاف وزير العدل شيئا، نعم.. ولكن الأمور لم تتضح بعد، ولأن وزير العدل أكثر صراحة، فقد وضع النقاط على الحروف في بقية تصريحه، تضيف الصحيفة ( وأكد عبد الباري ترحيب حكومته بما أطلق عليه التقارب الكبير بين إسرائيل وجيرانها في المنطقة، وتعهد بالعمل في المستقبل القريب على تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والسودان)…لقد اتضحت الصورة الآن؛ هي خطوة على طريق التطبيع بين دولة الكيان الصهيوني والسودان برعاية أمريكية، ولكن هل اتفاقيات إبراهام تضم السودان فقط أم سبقته دول أخرى على نفس الطريق الخطأ طريق التطبيع؟
الخميس السابع من يناير 2021م أوردت صحيفة (القدس العربي) حول الاتفاق الإبراهيمي ( والاتفاق الإبراهيمي اسم يطلق على مجموعة من اتفاقيات التطبيع التي عُقدت بين إسرائيل ودول عربية، برعاية الولايات المتحدة، واستخدم الاسم أول مرة في بيان مشترك لإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، صدر في 13 أغسطس 2020م، واستخدم لاحقا للإشارة بشكل جماعي إلى اتفاقيات السلام الموقعة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، وبين إسرائيل والبحرين) وها قد انضم إليهم السودان برعاية أمريكية.
وفي اليوم التالي لتوقيع اتفاق إبراهام، طار رئيس الوزراء حمدوك إلى الإمارات الخميس السابع من يناير 2021م في رحلة أُعلن عن أنها للاستشفاء، والإمارات هي الضلع الثالث من الدول العربية التي وقعت على اتفاق إبراهام بالإضافة للبحرين والسودان، ولا ندري ما الذي جعل من الإمارات وجهة للمسئولين السودانيين الذين يطلبون العلاج؟ وقد سبقه قبل فترة قليلة الإمام الصادق المهدي، ولكنه لم يعد.. رحمه الله.
ولم ينس الوزير الأمريكي أن يقدم بين يدي زيارته (جزرة)، فقد أضافت صحيفة الشرق الأوسط في تقريرها ( فيما وقع منوتشين ـ وزير الخزانة الأمريكي ـ ووزيرة المالية المكلفة هبة محمد علي على اتفاقية قرض جسري بأكثر من بليون دولار تتيح سداد متأخرات السودان لدى البنك الدولي، بما يتيح له الحصول على مساعدات اقتصادية سنوية بأكثر من مليار دولار سنويا) وتواصل الصحيفة ( ووصفت الحكومة السودانية توقيع الاتفاقات مع الخزانة الأمريكية، التي أعقبت إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بأنها خطوة تاريخية ومهمة، تساعدها في الحصول على التمويل من المؤسسات المالية الدولية، وإعفاء ديون السودان الخارجية التي تجاوزت 60 مليار دولار).
نحن إذن أمام تسريع أمريكي لخطوات التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، وقدم الأمريكان إغراءات مليارية من أجل عيون التطبيع، فهناك قرض جسري أمريكي باكثر من بليون دولار، والحصول على مساعدات سنوية بأكثر من مليار دولار، وإعفاء ديون لمؤسسات دولية تجازوت ستين مليار دولار.. ولكن سيتضح للجميع أن السراب الأمريكي لن يغنيهم شيئا، وأن هذه المليارات التي يسيل لها لعاب البعض ثمن للتنازل عن ثوابت الأمة مما لا يملك أحد تفويضا بالتنازل عنها، وأن السلاسل توضع حول رقبة السودان لإجباره على البقاء في بيت الطاعة الأمريكي، وأسألوا التاريخ يجيبكم، وتفكروا في الدول التي مضت في مسيرة التطبيع الخائبة مع الكيان المغتصب المسمى إسرائيل.
ولأن أطراف اتفاقيات إبراهام يمثلون ديانات مختلفة، فقد حرص الأمريكان أن يسموها أن يشيروأ إلى إبراهيم ـ عليه السلام ـ ويسموها الاتفاق الإبراهيمي، باعتبار أن أصول العقيدة التي يعتنقها غالبية الأمريكان هي المسيحية، ودين غالبية السودان ـ وبقية اتفاق إبراهام ـ الإسلام، ودين سكان إسرائيل اليهودية، وأن اتباع الإسلام، والمسيحية، واليهودية، يتفقون على إبراهيم عليه السلام، فقد واصل الأمريكان تدليسهم ونسبوا هذه الاتفاقية إلى إبراهيم عليه السلام، وقد كذبهم الله تعالى في نسبتهم العقائدية إلى إبراهيم عليه السلام، فقد قرر الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران ( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين).
إن اتفاقات إبراهام تمثل وبالاً على السودان، لأنها خطوة على طريق التطبيع الخاسر، ولأنها تمثل خطوة على طريق الوعود الأمريكية التي جربتها دول أخرى ولم تجن منها سوى السراب والخراب، ولأنها تمثل خطوة مصيرية قامت بها حكومة غير منتخبة وغير مفوضة لمثل هذه الأعمال.