علاء الدين محمد ابكر يكتب .. ثورة ديسمبر نزلت بَرْدًا وَسَلامًا علي الجيل الخامس من الكيزان
علاء الدين محمد ابكر يكتب ✍️ ثورة ديسمبر نزلت بَرْدًا وَسَلامًا علي الجيل الخامس من الكيزان
_______________
تمكن تنظيم الجبهة الاسلامية القومية من ترويض ثورة ديسمبر والانحراف بها بعيد الي جهات اخري لاعلاقة لها باهداف الشعب السوداني الذي فجر في السابق انتفاضة شعبية عارمة في السادس من ابريل سنة 1985م اطاحت بنظام الراحل الجنرال النميري ولكن تنظيم الاسلاميين لم يمهل الحكومة المنتخبة سنة 1986 برئاسة الراحل السيد الصادق المهدي الوقت الكافي لمعالجة اثار ومشاكل النظام المايوي خاصة الاقتصادية منها فكان ان انقلبوا عليها عسكريا في الثلاثين من يونيو 1989 بقيادة المخلوع البشير وساهم تنافر وضعف الاحزاب السياسية في ذلك الوقت الي بسط الكيزان لكامل سيطرتهم علي عموم البلاد فقد كان بامكان الاحزاب السياسية الكبري بقيادة (حزب الامة والحزب الاتحادي الديمقراطي) من محاصرة ذلك الانقلاب بعمل سياسي مضاد مثل التظاهر عبر الحشود الشعبية الهادرة و استخدام سلاح العصيان المدني ولكن لم يحدث منهم اي رد فعل يذكر نحو انقلاب البشير ربما يكون الصراع السياسي في مابينهم قبل وقوع الانقلاب في داخل قبة البرلمان (الجمعية التأسيسية)هو السبب الرئيسي في عدم التنسيق وعندما تم تكوين التجمع الوطني الديمقراطي الذي ضم الاحزاب السياسية المعارضة للبشير كان قد مضي الكثير من الوقت علي مقاومة انقلاب الاسلاميين
ومن جانب اخر تمكن الكيزان من فرض سياسة التمكين في مفاصل الدولة وخلال فترة الثلاثين عام الماضية جرت الكثير من المياه تحت الجسر وعمل الكيزان من التاثير على ثقافة ونهج المواطن السوداني عبر الاجهزة الاعلامية المتاحة في ذلك الزمان حيث كان التلفزيون هو وسيلة المواطن الوحيدة في معرفة تفاصيل مايحدث في العالم فمن خلال برامج اعلامية مكثفة وقعت اكبر عمليات لغسل عقول لمعظم افراد الشعب المحاصر بالفقر والبطالة حيث لايوجد عمل بالدولة الا من خلال النفاق وبيع الضمائر بالانتماء للنظام و حرص الكيزان علي احتواء حتي الطلاب الصغار في مختلف المراحل المدرسية عبر مايعرف بوكالة (النشاط الطلابي) واستقطاب المتفوقين منهم تحت مظلة جمعيات القران الكريم والعمل فرض رقابة سلوكية علي الشارع العام كانت اقرب الي سياسة (محاكم التفتيش) التي كانت سائدة في القرون الوسطي فكان قهر ممزوج بالدين نتج عنه نفور ابناء الوطن من الاقامة بالسودان نفسه فكانت تجربة النظام العام اكبر شاهد علي الوجه القبيح لنظام نصب نفسه حارس للمبادي وهو ابعد منها بعد المشرق عن المغرب حيث حاول نظام الكيزان كسر عزة وشموخ المواطن عبر فرض قوانين ظالمة ما أنزل الله بها من سلطان
كان الكيزان يعرفون ان الشعب ساخط عليهم لذلك تحسبوا الي اندلاع ثورة عليهم في المستقبل قد تطيح بهم وللتصدي لذلك كانت اول خطوة لهم بالسيطرة علي الاقتصاد الذي هو عصب الحياة حيث شهد السوق اكبر عملية تمكين مالي لكل من انتسب الي تنظيم الكيزان ليشمل بعد ذلك تمكين طبقة اجتماعية جديدة هي لاتدين بالولاء العقائدي للاسلاميين ولكن يربطها معهم المصالح التجارية وهنا كان بداية ظهور الجيل الرابع من الكيزان من فئة رجال الاعمال الذي هم في الظاهر اسلاميين وفي الباطن تجار ومع مرور الوقت ظهر الجيل الخامس من الكيزان فكانوا عكس الجيل الرابع فهم في الظاهر رجال مال من حيث البزنس ومواكبة العصر من موضة و برستيج ومعاصرة وفي الباطن هم كيزان ومن هولاء خرج (القطط السمان) الذين سببوا صداع في راس المخلوع البشير حيث كانوا حسب اعتقاد المخلوع البشير هم السبب الرئيسي في حدوث الأزمة الاقتصادية في البلاد عقب انفصال الجنوب تلك الازمة التي جعلت البشير يتوعد بتعامل أجهزة الدولة بشدة وصرامة مع تجار العملة وملاحقتهم خارج البلاد، وإعادتهم إلى السودان، ومحاكمتهم بتهمة الإرهاب وتخريب الاقتصاد حيث اطلق حملة لمكافحة الفساد قال حينها البشير انها سوف تطال كل من ثبت اتهامه بالفساد فجلب لتلك المهمة صلاح قوش الخبير بالمال والاعمال قبل ان يكون ضابط الامن المحترف حيث اعتقد المخلوع البشير بأن قوش يستطيع مكافحة التلاعب والتزوير، وضبط الأسواق، وحل أزمة البنوك،
ولكن كانت قدرات وإمكانات (القطط السمان) اكبر من طاقة الجنرال قوش الذي فضل الانتقام لنفسه من خلال التلاعب بالجميع والتمهيد لعمل انقلابي علي نظام البشير فقوش يحمل الكثير في قلبه من الحقد نحو رفاق الامس خاصة عقب إقالته وخلال توليه منصب مستشار للأمن بالرئاسة السودانية وأيضاً ما صاحب إقالته المفاجئة من منصبه الذي فصل له خصيصاً بالرئاسة عقب خلافات جرت بينه ومساعد الرئيس نافع علي نافع حينها، قادت ترسبات تلك الخلافات الفريق قوش إلى دخول ذات المعتقلات التي أسسها إبان توليه إدارة الجهاز عقب اتهامه بالضلوع في مؤامرة لإطاحة الرئيس البشير في العام 2012، وهو الأمر الذي وصفه بأنه مسرحية سيئة الإخراج، دبرها له متآمرون لفقوا التقارير ضده ونقلوها للرئيس المخلوع البشير الذي اقتنع باراء المقربين منه من خصوم قوش بضلوعه ضمن مجموعة انقلاب ود ابراهيم فزج بهم جميعا في السجن ولكن قوش تحسب لمثل ذلك اليوم حيث عرف كيف يلعب بالحجر والبيضة فالرجل له علاقات واسعة حيث أستطاع أن يخلق تعاوناً وثيقاً مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي ايه) في إطار الحرب ضد الإرهاب و بدهاء تمكن من الخروج من السجن عبر صفقة سرية جعلت البشير رغم عنه يصرف النظر عن امر محاكمة رفاق الجنرال ود ابراهيم ولكن المخلوع البشير وقع شر في اعماله عندما حاول تجريب صلاح قوش مرة اخري في قيادة جهاز الامن والمخابرات الوطني في فبراير عام 2018م فكانت القشة التي قصمت ظهر البشير
وبدون مقدمات تتسارع الاحداث في التاسع عشر من ديسمبر سنة2018م ويشتعل الشارع المحتقن بحركة احتجاجات صغيرة كانت بدايتها في مدن عطبرة والدمازين مطالبين فقط بتوفير الخبز لتشهد بعد ذلك الخرطوم يوم الخامس والعشرين من ديسمبر من نفس العام انتفاضة كبري في العاصمة كسرت حاجز الرهبة النفسية من اجهزة امن النظام البائد لتخرج المواكب لاول مرة منذ العام 2013 كل يوم حينها عرف النظام السابق ان الاوضاع لن تكون كما كانت
وتدخلت عوامل كثيرة ساعدت علي سقوط نظام الكيزان منها رغبة العديد من الاسلاميين داخل النظام في وراثة منصب البشير والذي بداء منذ العام 2008م في التدهور المريع حيث ان الرجل محاصر بالامراض البدنية والضغوط النفسية خاصة بعد مذكرة الاعتقال الصادرة في حقه من المحكمة الجنائية الدولية في العام 2009م والتي جعلته اسير البلاد لايتحرك للسفر الي بلاد اخري الابعد خطط امنية مدروسة وتحت ضمانة الصين وروسيا
وساعد انفصال جنوب السودان في انخفاض دخل البلاد من العملة الاجنبية بسبب ذهاب عائدات النفط مع الدولة المستقلة كل تلك الاحداث ساعدات علي تصاعد الصراع حول كرسي سلطة البشير ومن جانب اخر وعقب سقوط نظام البشير
كان لابد ان يحدث صدام مابين (القطط السمان) من رجال مال الاسلاميين سواء الذين كانوا حول البشير او ضده مع اي ثورة شعبية تحاول سلب ماعندهم من اموال بالرغم من اسهام كبير (للقطط السمان) في دعم الاعتصام الذي قاد الي سقوط البشير راس للنظام وليس كل النظام
ويستمر المسلسل مع لجنة ازالة التمكين فصارت ذاتها ضحية مثلها مثل مفوضية مكافحة الفساد التي كانت تصطاد( القطط السمان) في عهد نظام المخلوع البشير فكان علي (القطط السمان) التخلص من لجنة ازالة التمكين بسبب وصولها لعش الدبابير فكان الصدام فلجنة ازالة التمكين كانت تمثل قلب الثورة فكان لابد ان يحدث لها تٱمر وتجميد
ان السبب الذي سمح للكيزان خاصة( القطط السمان) من الرجوع للمشهد السياسي عامة والساحة الاقتصادية بشكل خاص هو تنافر القوي السياسية الثورية والتي لم تستوعب دروس الماضي ابان فترة الديمقراطية الثالثة حيث استفاد الكيزان حينها من الخلافات الحزبية وذلك بالعمل علي بث حرب نفسية ضد حكومة الراحل السيد الصادق المهدي وتصويرها امام الشعب علي انها ضعيفة مع عدم قدرتها علي حفظ الامن والاستقرار في البلاد لذلك فكان المسرح جاهز حيث لم يجد انقلاب الثلاثين من يونيو 1989م اي مقاومة شعبية تذكر
ان مايحدث من فوضي وارتفاع الاسعار يقف من خلفه الكيزان عبر تمكين مالي ضخم وسيطرة علي البيع والشراء لذلك لن تسطيع اي حكومة مقبلة من فعل شي لاجل تحسين اقتصاد البلاد الا عبر تطبيق سياسة البنك الدولي وهي اشبه بسياسة (هدم المعبد فوق رؤوس الجميع) وهنا اقصد بالجميع هم الشعب وتجار الكيزان فكانت بالفعل سياسة رفع الدعم عبارة عن حرب ضروس من حكومة السيد حمدوك علي الكيزان ولكنها كانت اشرس علي المواطنين اصحاب الدخل المعدوم وبما ان حكومة السيد حمدوك بعيدة عن واقع الشعب فقد اعتقدت ان برامج (ثمرات ) هو الحل الاقتصادي لعلاج من تضرر من سياسة رفع الدعم ولكن في حقيقة الامر فان المبلغ المالي المرصود للفرد الواحد لايسمن ولايغني من جوع ولا يكفي حتي لشراء حليب لطفل في رياض الاطفال فكيف يكفي هذا المبلغ شخص كبير لفترة شهر؟ خاصة وان سياسة رفع الدعم تسببت في ارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية والمواصلات العامة والعلاج وانتشار البطالة
والجوع والجريمة فالخبز صار يباع حسب ماتملك من مال فالفقير ليس خيار الا بشراء الخبز (المدعوم) الذي يصنع من دقيق ردي لايصلح للاستخدام البشري و المواطن الغني متاح له شراء الخبز ( التجاري) النظيف فصار معاش الناس اصعب مما كان عليه في عهد المخلوع البشير وتلك الإجراءات الاقتصادية الحكومية لم يتضرر منها عناصر الاسلاميين ومن تحالف معهم من رجال الاعمال ولك الكان المتضرر هو المواطن البسيط فالتجار الجشعين من القطط السمان ربحت تجارتهم وزاد دخلهم من خلال السيطرة علي السوق ويبقي المواطن هو الضحية
شعبنا يعاني خاصة الفقراء والمساكين والايتام والارامل وذوي الاعاقة واصحاب الامراض المزمنه فهولاء يستحقون العيش الكريم والحصول علي السكن والعلاج والتعليم وكان علي قوي الحرية والتغير ابان تواجدها في السلطة قبل الاطاحة بها يوم الخامس والعشرين من اكتوبر بان تنحاز لقضايا المواطن. ولكنها تركت الحبل علي القارب للسيد حمدوك يفعل مايشاء حتي حدث ماحدث وهي اليوم تدفع ثمن ذلك بالرجوع الي الشوارع من جديد ولن يكون الشارع كما كان قبل سقوط نظام البشير حيث توحد الشعب انذاك خلف عبارة ( تسقط بس) ظن منهم بان تاتي حكومة تعمل علي انصافهم ولكن بكل اسف لم يحدث جديد بل صار الوضع اقسي من ما كان عليها في عهد المخلوع البشير
ان اصرار الغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وبتاثير من دول الخليج علي الابقاء علي السيد حمدوك ليكون رئيس للوزراء بالرغم من انه غير منتخب يفتح افاق وعقول كثير من السودانين الذين كانوا في السابق يمجدون السيد حمدوك ويباركون كل خطوة يقوم بها عليهم الادراك بان بلادهم مستهدفة وان الخصم بات يتربص بهم بالداخل من فلول الكيزان التي تطمح الي اقامة حكومة تجار تسهل لهم السيطرة علي السوق و ضمان عدم ملاحقتهم قضائيا في المستقبل عبر مكافحة الفساد ولايهم عندهم ان كانت حكومة تطبق الشريعة الاسلامية او كانت حكومة علمانية فقد تجاوز الكيزان تلك المحطة فمرحلة رفع شعارات الدين واسلمة الدولة قد انتهت وبالمقابل فان خصوم الخارج يريدون سرقة خيرات وثروات البلاد في وضح النهار
وفي ظل تنامي القبلية والجهوية وانتشار الكراهية والعنصرية وعدم قبول الآخر نجد السودان يسير بسرعة الي مستنقع اشبه بما حدث بالصومال التي تشهد حروب اهلية منذ العام 1991م وحتي اليوم تمر ذكري ثورة ديسمبر وقد اتسع جرح الوطن بانتشار القتل القبلي في دارفور باستغلال الهشاشة الاجتماعية في شرق البلاد، عبر اصوات تنادي باغلاق الطرق القومية فهل كان السلام الذي وقع في جوبا يمثل قنبلة زمنية؟
كان يطمح الكثير من ابناء السودان وبان تكون الثورة بلسم يشفي البلاد من العلل والفتن ولكن بكل اسف بات المستفدين من الثورة هم معشر (القطط السمان) من ازلام الكيزان
اذا يقع علي القوات المسلحة دور كبير في حفظ البلاد من الانهيار وذلك بالاسراع في تنظيم انتخابات عامة باسرع وقت ممكن قبل الوقت المحدد لها فهي المخرج الوحيد لمشاكل البلاد
المتاريس
علاء الدين محمد ابكر
Alaam9770@gmail.com