علاء الدين محمد ابكر يكتب .. الجيل الراكب راس صعب المراس

علاء الدين محمد ابكر يكتب ✍️ الجيل الراكب راس صعب المراس
______________

تفسير عبارة (ركوب الراس) في قاموس العامية الشعبية السودانية تعني الشخص الصعب المراس العنيد، الشديد الشَّكيمة وصَاحِبُ القُوَّةٍ وَالجَلَدٍ وهذا ماينطبق علي معظم الشباب خاصة الذي ولد عقب الالفية الثالثة في السودان حيث لم يكن حظهم افضل حال عن الاجيال السابقة التي وجدت نصيبها من التعليم الممتاز المجاني واجواء ثقافية راقية من سينما ومسارح وفنون وصحافة وكتب متنوعة ورياضة شاملة من كرة القدم والسباحة والسلة وكافة المناشط اضافة الي توفر حدائق غناء وشوارع نظيفة ورخاء في العيش ومجتمع طيب يقبل الاخر لايعرف الجهوية ولا القبلية كل تلك المزايا الجميلة التي كان يتمتع بها الشعب السوداني ضاعت مع وصول الاسلاميين الي المشهد السياسي في فجر الثلاثين من يونيو عام 1989م بانقلاب عسكري غادر حيث ساد بعد ذلك ظهور فقه الارهاب وانتشار القبلية والجهوية والتطرف وترسيخ ثقافة العنف واستغلال الدين بتجيش الشعب وارسال الشباب الي ساحات الحروب العبثية ومع انفصال جنوب السودان عقب سلام نيفاشا في العام 2005م تبعثر عقد الاسلامين وكسرت شوكتهم بسبب تكالب بعضهم علي المغانم والاموال التي هي في الاساس من خير هذا الشعب وبانتشار العولمة التي جلبت وسائل التواصل الاجتماعي تسرب الوعي بالحقوق والمطالب الي كافة ابناء الشعب السوداني خاصة فئة الشباب وتحديد موليد الالفية الثالثة حيث لم يضع الكيزان ادني حساب لهذا الجيل فقد اعتقد دهاقنة وصناديد الاسلامين بان هذ الجيل مجرد اطفال يسهل السيطرة عليهم فقد كان تركيزهم ينصب علي استقطاب وتجنيد اجيال الثمانيات والتسعينات ليكوّنوا بيادق جديدة للحركة الاسلامية ولكن كانت الطامة الكبري من ( الجيل الراكب راس ) فاتاهم الله من حيث لم يحتسبوا لقد كان هذا الجيل من اهم الاسباب التي قادت الي اسقاط اسطورة الاسلاميين كانوا عبارة عن وقود لثورة ديسمبر التي اسقطت النظام البائد وجعلته ياخذ مكانه الطبيعي في مزبلة التاريخ مع الانظمة الاستبدادية ذلك هو حال جميع الطغاة في كل زمان ومكان كان استمرار التظاهرات بشكل يومي عامل حاسم في انتصار الشعب ابان ثورة ديسمبر 2018 حيث اصيب رجال امن نظام المخلوع البشير بالارهاق مما جعل الكفة تميل لصالح الشعب لاول مرة بعد انتفاضة ابريل 1985م

ومع حلول ذكري ثورة ديسمبر التي يحتفل بها الشعب السوداني في يوم التاسع عشر من ديسمبر والتي تصادف نفس تاريخ اعلان الاستقلال من داخل البرلمان في العام 1955م توجه موكب نحو القصر الجمهوري رمز الحكم في البلاد وقد نجح ذلك الموكب في اقتحام الحواجز الامنية التي كانت حول محيط القصر الرئاسي في ظاهرة لم تحدث منذ سقوط الخرطوم سنة 1885م علي يد انصار الامام المهدي حيث كان يتمترس غردون باشا اخر حاكم عام يمثل الاحتلال التركي المصري للبلاد والتاريخ يعيد نفسه مع ذات المبني العتيق بعد مائة وخمسين عام بتواجد ذلك الموكب الثائر في نفس المكان وان اختلف الزمان و في خضم كل تلك الاحداث حاول بعض الانتهازين من السياسين كالعادة الالتحاق بموكب القصر وسرقة جهد هولاء الشباب كما حدث في يوم السادس من عام 2019 عندما نجح الشعب الثائر في الوصول الي اسوار القيادة العامة للقوات المسلحة لتعانق (الطواقي) ( الكاكي) في مشهد انساني جعل الطرفين (الجيش والشعب) يعيدان ذكرى انتفاضة رجب مارس ابريل 1985 عندما انحاز الجيش الي جانب الشعب واطاح بنظام الجنرال الراحل النميري حينها ظهر لفيف من السياسين انحرفوا بانتفاضة 1985م وكان من ابرز هولاء جماعة الكيزان بانقلابهم علي الحكومة المدنية المنتخبة سنة 1989م حيث وجدوا ضالتهم في بعض السياسين الانتهازيين الذين باركوا ذلك الانقلاب ولكن في ثورة ديسمبر لم يكن الطريق سالك لتلك الفئة من الانتهازين السياسين كما كان الحال مع انتفاضة سنة 1985م بسبب تقدم وسائل التواصل حيث لم يكن في ذلك الزمن اجهزة توثيق حديثة حتي تحفظ الاحداث و تبين المواقف السياسية عكس ما هو متوفر لدينا اليوم من تقنية متقدمة تستطيع سبر ورصد سيرة كل شخص وتحديد موقفه ولونه السياسي والانسان المتقلب سياسيا لن يفيد اي طرف فهو ينظر الي مصالح شخصية متي ما سقطت سوف يبحث عنها في موضع اخر وهذا ماحدث مع ثورة ديسمبر التي تسلقها في غفلة من الزمن حفنة من الانتهازين وذلك حساب دماء الشهداء وفوق اكتاف المعتقليين والمصابين فكانت لهم المناصب في الحكومة الانتقالية ولم يقدموا من خلالها لهذا الوطن غير دعم سياسة البنك الدولي التي تضرر منها الشعب بشكل كبير وعقب الخامس والعشرين من اكتوبر وجد هولاء انفسهم خارج المشهد السياسي فصاروا مثلهم مثل سائر المواطنين لاحول ولا قوة لهم وحاولوا بعدها التقرب من الشارع من جديد ولكن فاتهم القطار فالشعب فقد فيهم الثقة فكان مصيرهم الطرد من ساحات المواكب التي خرجت بالامس بواسطة الشباب الثائر في مشهد محرج للغاية وقد تكرر ذات المشهد ابان اعتصام القيادة العامة 2019م عندما حاول بعض السياسين الذين كانوا في السابق وزراء ضمن حكومات المخلوع عمر البشير الانضمام الي الاعتصام فكان ايضا مصيرهم الطرد فهذا الجيل لم يعد يثق في اي سياسي حزبي بعد ما حدث تجاهل السياسيين لاهداف وشعارات الثورة

ان ماحدث يوم الخامس والعشرين من اكتوبر من انقلاب لم ياتي بجديد ليصب في صالح الشعب السوداني خاصة في الملف الاقتصادي فبعد الاطاحة بتحالف الحرية التغير ( قحت) وضع الجنرال البرهان نفسه في مواجه مباشرة مع الشعب فقد بات هو المتصرف الوحيد في امر البلاد وحتي وجود السيد حمدوك في منصب رئيس الوزراء يعتبر مجرد رمز اداري فلا توجد حكومة تدير البلاد ولا برلمان يحاسب و تجربة الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي تعتبر احترافية فعندما اطاح بالرئيس الراحل محمد مرسي وجد السيسي الوضع المعيشي والاقتصادي في مصر في حالة صعبة فكان ان عمل علي استغلال امكانيات الجيش المصري في توفير الخبز وانسيب السلع الغذائية وتقديم الخدمات للشعب المصري لذلك وجد قبول من المواطنين المصريين عكس ماحدث عقب قيام الجنرال البرهان بالاطاحة بحكومة السيد حمدوك فلم يشعر المواطن بتغير في الوضع المعيشي وهو ذات الشعب الذي خرج ضد نظام البشير باسباب عديدة ابرزها التردي الاقتصادي واذا لم يكن للجيش السوداني مايقدمه للشعب من دعم اقتصادي بمثل ماحدث في مصر في العام 2013م ينبغي علي الجنرال البرهان الدعوة الي قيام انتخابات مبكرة تخرج البلاد من هذه الازمات فالموعد المحدد في يوليو من العام 2023م لتقام فيه الانتخابات يعد تاريخ بعيد فالعام ونصف فترة طويلة ولن يمر اسبوع الا وقد تشهدت العاصمة خروج العديد من المواكب حينها سوف يتعطل دولاب العمل وتشل حركة المواصلات وبالتالي يضعف الانتاج
وسوف ترتفع وتيرة التظاهرات اكثر شراسة في حال اقدام الحكومة علي رفع كامل الدعم عن الدقيق والكهرباء حينها لن يكون هناك خبز ( مدعوم ) والجوع سوف يكون سيد الموقف فالمواطنين قليل منهم من له القدرة على شراء الخبز (التجاري ) فالناس لاطاقة لها بتحمل المزيد من الاعباء المعيشية التي تفرضها عليهم الحكومة في ظل سوق لايرحم يسيطر عليه تجار جشعين و اذا كان السيد البرهان او السيد حمدوك يخرجان صباح او مساء كل يوم في جولات تفقدية ميدانية الي المخابز فسوف يجدونها في حالة لا توصف من الاكتظاظ والتزاحم خاصة امام تلك المخابز التي تنتج (الخبز المدعوم) بينما المخابز التي تنتج (الخبز التجاري) تكاد تكون خالية من الصفوف والزحام بسبب ارتفاع ثمن بيع قطعة الخبز عندهم وهذا يعتبر موشر قياس راي عام للوضع السائد في البلاد اذا بالتالي ماحدث بالامس من محاولة اقتحام للقصر الرئاسي قد تتكرر في مقبل الايام حال قيام الحكومة برفع الدعم الكامل عن الخبز والكهرباء والتاريخ شاهد علي سقوط العديد من الانظمة والعروش بسبب انعدام او ارتفاع ثمن ( الخبز ) والثورة الفرنسية خير دليل علي ذلك والشعب السوداني صبر مافيه الكفاية ولن يحتمل المزيد من الضغط وحتي الان يقف العديد من المواطنين في موقف الحياد ولكنهم الان علي الخط ولن يترددوا في المشاركة في التظاهرات حال وجدوا انفسهم محاصرين بالجوع

ان الجيل الحالي يعاني من ازمة قيادة ويحتاج من الي يقودهم ويحقق اهدافهم المشروعة في العيش الكريم ويصعب السيطرة عليهم بالقوة خاصة وهم يشاهدون بلادهم ترزخ تحت خط الفقر والبطالة والحرمان وهي ذاتها نفس البلاد التي تملك ثروات ضخمة من الذهب والثروة الحيوانية والصادرات الزرعية والمياه وغيرها من الثروات فالفقر انتشر في معظم انحاء البلاد لذلك ليس عند الشعب خاصة فئة الشباب شي يخافون عليه وابلغ دليل علي ذلك صورة منتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي لشاب يتقدم الصفوف في موكب الامس وهو يحمل كفنه دليل علي التحدي والياس والاحباط
فالثورة التي خرجت ضد النظام البائد لاتزال تبحث عن نفسها وعن أبنائها ( حرية وسلام وعدالة) بعد ثلاثة سنوات من اندلاعها

ترس اخير

تحت الهجير .. تحت الظلام .. تحت المطر
عز الشتاء
الساقية ثانية تقيف تكون امال عريضة مشتتة
اكباد صغيرة مفتتة
والساقيه لسه مدوره

المتاريس
علاء الدين محمد ابكر
Alaam9770@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *