قصص الجن في الجاهلية بعنوان وادي عبقر وشعراء العرب
وادي عبقر هو وادي يقع باليمن، وتقول الروايات أن هذا الوادي تسكنه شعراء الجن منذ قديم الأزل، وإذا قيل لأحد أنه عبقري في شيء ما فذلك يرجع لوادي عبقر وينسب إليه.
يُقال أنه كل من أتى هذا الوادي من الإنس وأمسى به ليلة واحدة، أتاه شاعرا من الجن أو حتى شاعرة ولقنه من الشعر ما يسر قلب أي بشر.
كما يُقال أيضا أن كل شاعر من شعراء العرب قديما كان له قرينا من الجن، وهو ما كان يلقنه الشعر الذي كان يقوله, ومن أمثلة هؤلاء الشعر كما يُقال…
امرؤ القيس وقد كان قرينه لافظ بن لاحظ.
عنترة بن شداد وقد كان قرينه من الجن جالد بن ظل.
النابغة الذبياني وقد كان قرينه من الجن هاذر بن ماذر.
قصص وادي عبقر وادي شعراء الجن
بعض القصص عن وادي عبقر والتي من المحتمل الكبير أن تكون جميعها مجرد أساطير…
لقد جاء ذكر هذه القصص والمواقف بكتاب جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي.
القصـــــــــــــــــــة:
جاء سردها على لسان “العلاء بن ميمون الآمدي” عن أبيه أنه قال…
في ذات ليلة خرج مع رجل من قريش يطلبان ناقة له، وعندما اقتربا من هوة إذا بشيخ من بعيد يستند إلى شجرة عظيمة، ولما رآهما ذلك الشيخ ثبت بمكانه وأخذ ينظر إليهم بطريقة أفزعتهما، ولكن سرعان ما اقتربا منه، وألقيا عليه تحية الإسلام… “السلام عليك أيها الشيخ”.
فقال: “وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته”، وسألهما: “ما خطبكما؟!”
وعندما سردا عليه ما أتى بهما في هذه الساعة، صار يضحك عليهما، وقال لهما: “ما وطئ هذا الموضع أحد من ابن آدم قط، من أين أنتما؟!”
فقالا: “من العرب”.
فقال: “بأبي وأمي العرب، ومن أين من العرب”.
فقال أحدهما: “أما أنا فمن خزاعة، وأما صاحبي هذا فمن قريش”.
فقال الشيخ: “بأبي قريش وأحمدها”!
ثم قال الشيخ: “أتدري يا أخا خزاعة من قائل هذه الأبيات..
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس، ولم يسمر بمكة سامر
بلى، نحن كنا أهلها، فأبادنا
صروف الليالي والجدود العواثر.
فقال: “نعم، إن قائلها هو الحارث بن مضاض الجرهمي”.
فقال الشيخ: “بل هو مؤديها، أما قائلها فهو أنا، لقد قلتها أثناء الحرب التي كانت بينك بني خزامة وبين جرهم”.
ثم التفت إلى صاحبه الذي من قريش وسأله قائلا: “يا أخا قريش، أولد عبد المطلب بن هاشم؟”
فقال أحدهما: “رحمك الله”!
فقال الشيخ: “أرى زمانا قد تفار أبانه، أولد عبد الله ابنه؟!”
فقال أحدهما باندهاش: “رحمك الله، إنك تسألنا مسألة من كان في الموتى”!
ازداد في سؤاله فقال: “أولد محمد بن عبد الله الهادي؟!”
فقال له: “هيهات لك، لقد توفي رسول الله منذ أربعين عاما”!
فشهق الشيخ شهقة ظن من خلالها الرجلان أن نفسه الأخير خرج من جسده، وصار في الأرض وأنشد يقول..
ولرب راجٍ حيل دون رجائه
ومؤمل ذهبت به الآمال.
وصار الشيخ يبكي فراق النبي للحياة حتى تبللت لحيته، وصارا الرجلان يبكيان لبكائه أشد البكاء.
ثم قال الشيخ بصوت متقطع: “ويحكما، ومن ولي الأمر من بعده؟”
فقالا: “أبو بكر الصديق، وهو رجل من خير أصحابه وخير رجل الأرض بعد الأنبياء والرسل”.
وقال: “ثم من؟!”
فقالا: “عمر بن الخطاب”.
فقال: “أفمن قومه أنتما؟!”
فقالا: “نعم”.
فقال باطمئنان: “أما إن العرب لا تزال بخير إن فعلت ذلك”.
فقالا: “أيها الشيخ لقد أكثرت سؤالنا وأجبناك، فأجبنا من أنت وما قصتك؟!”
فقال: “إنني السفاح بن الرقراق الجني، وإنني مؤمن بالله وبرسله ومصدقا بما جاء بالتوراة والإنجيل، وكنت مؤملا نفسي أن أرى محمد بن عبد الله نبي آخر الزمان؛ ولكن عندما تفرقت الجن وأطلقت الطوالق المقيدة منذ زمن سيدنا سليمان، اتخذت هذه الجزيرة العربية ملاذا آمنا واختبأت بها لعبادة الله وحده لا شريك له، وانتظرت نبيه محمد.
وأقسمت على نفسي ألا أخرج من هنا حتى أسمع ببعثته، لقد تقاصرت أعماركم أيها الآدميين، فلقد صرت هنا منذ أربعمائة سنة، وكان حينها عبد مناف غلاما يافعا ما ظني حينها أنه ولد له ولد، ولكن لا يعلم الآجال غير الله وحده سبحانه.
أيها الرجلان امضيا وأقرئا “محمد” مني السلام، فإني طامع بجوار قبره”.
فمضيا الرجلان وفعلا ما طلبه منهما الشيخ.