اما قبل.. الصادق الرزيقي.. لماذا بات طريق التغيير ممهداً ..؟
الطريق إلي فهم ما يجري بالداخل لابد أن يمر بما يتخلّق في الخارج … فليس عصياً أو عسيراً إدراك أن ما يجري من تنازع بين شركاء الحكم في البلاد سيؤدي حتماً إلي طلاق بائن بينونة كبري ، بعد أن وصلت الخلافات إلي نقطة اللاعودة ، و اتسع الفتق علي الراتق .
ثمة ملاحظة جديرة بالتأمل ربما تُعطي تأويلاً للسلوك السياسي للمكون المدني السوداني و أحزابه التي ستنكسف عنها السلطة بعد حين، حكي صديق و زميل مهنة و نقابي بارزمن قادة الصحافة الأفريقية ، و نحن نتحاور بعاصمة أفريقية مؤخراً بحضور مسؤول بارز بالإتحاد الإفريقي كان مؤيداً بشدة للمدنيين من شركاء الحكم الحالي ، قال زميلنا الصحفي الكبير :ـــ ” كنا نجالس دبلوماسياً أوروبياً مرموقاً ظل موفداً راتباً من الأمم المتحدة لبعض البلدان و يعرف السودان جيداً ، فقال عن أزمة الحكم الحالية في السودان ، أنه وجد شبهاً دقيقاً لمدنيي السودان لعبارة وردت في فلم سينمائي ( حصار جادوفيل The Siege – – of Jadotville ) وثّق لقصة مشاركة وحدة من الجيش الايرلندي في مهمة عسكرية إبان أحداث الكونغو 1963 ، وقف القائد العسكري الايرلندي ليودع جنود بلاده في المطار و هم يغادرون إلي أفريقيا ، قائلاً – إنكم لم تخوضوا حرباً من قبل ، و بلادنا لم تُقدِم علي أية مغامرة إستعمارية و لم تشارك في أي قتال مع غيرها .. فأنتم ذاهبون إلي هناك ( عذاري حرب )..! _ و أردف الدبلوماسي الغربي بقوله “هذه الأحزاب السياسية السودانية الحاكمة الآن بأخطائها و فشلها و طيشها .. هم بمثابة ( عذاري سياسة ) ..”
يليق هذا الوصف ( عذاري سياسة ) بهذه المجموعة السلطوية الذابلة ، مذ وجدت نفسها ذات صباح أغبر و بين يديها سلطة كاملة و صولجان ، فعاثت فساداً و عجزت عن إدارة شؤون البلاد و ممارسة فن السياسة ، فأوردت البلاد مورد الهلاك عند حافة السقوط إلي القاع .
بعد بروز الخلاف الحاد بين شركاء الحكم و إحتدام الخلاف بينهما ، ظهرت بجلاء الأبعاد و المعطي الداخلي للأزمة بتداعياته و مضاعفاته اليومية و تفاصيل التراشقات اللفظية و الحرب الكلامية و الحرب أولها كلام ، بينما كانت تتشكل صورة و ملامح للصراع الداخلي بالخارج تحدد مستقبل الحكم في المدي القريب والقصير ، و ترسم مسارات للتموضع السياسي الجديد ، بإعتبار أن ما تم منذ 11 أبريل 2019 لا ينفصل عن منبته و داعمه الخارجي .
يمكن النظر إلي حتمية التغيير المرتقب و إستقراء ما سيحدث في جملة ما يلي :ـــــــ
أولاً : الموقف الامريكي : ــــــــ
جرت إتصالات بين أطراف الحكم في البلاد منذ عهد ترمب ، و إستقر رأي مؤسسات الحكم الامريكية النافذة ( الجيش – المخابرات- مجلس الأمن القومي – الكونغرس و كارتيلات النفط و السلاح والنفوذ في مؤسسات التمويل الدولية و جماعات الضغط ) علي أهمية التعامل و دعم الطرف الأقوي في السودان اذا تمكن من إتخاذ خطوات جريئةو التوصل معه إلي تفاهمات تضمن المصالح الأمريكية حيث لا يمكن الثقة في أحزاب صغيرة جلها من اليسار غير المقبول دولياً و بعض الناشطين السياسين الذين لا يمتلكون أدني شعبية في مجتمعات تلفظهم ، و سعت واشنطون إلي تعزيز علاقاتها مع المكون العسكري و عبر إتصالات و زيارات متبادلة ،حيث فهِم المكون العسكري أن أي خطوة لتصحيح الأوضاع بالسودان وتوسيع قاعدة الحكم مع الإبقاء علي الاسلاميين بعيداً عن السلطة و إضعافهم تجد تأييداً أمريكياً ، و عبر مسؤول مخابرات عربي زار الخرطوم خلال الفترة القصيرة الماضية ، أعطت واشنطون الضوء الأخضر بأنها لن تعارض خطوات الإصلاح المطلوبة و تحسين الأداء الحكومي و السيطرة علي الأوضاع و الحفاظ علي الإستقرار .
و الأهم من هذا كله أن واشنطون أرسلت رسائل مباشرة وواضحة إلي عاصمة خليجية طلبت منها رفع يديها و عدم الولوغ في الشأن السوداني ، وطلبت من دولة خليجية أخري ذات أدوار سياسية دولية المساعدة لتهدئة الأوضاع بالسودان ، و فهمت تلك الرسائل .
ثانياً : الموقف الاوروبي :ــــــــ
إختلف الأوروبيون حول ما يجري في البلاد و تباينت مواقفهم حول تقييم خلافات شركاء الحكم ، و سبب ذلك ،تقاطع المصالح الأوروبية و نظرة كل بلد للملف السوداني ، ويوجد بالطبع إستياء أوروبي من الحكومة المدنية و تخبطها و إخفاقاتها و فشلها و تراجع الأوضاع إلي الخلف في كل المجالات و إنحسار دوره الإقليمي للسودان في محيطه القاري و العربي والفشل في تقديم نموذج ديمقراطي حقيقي جالب للأنظار ، مع الإتصالات و التفاهمات مع واشنطون و أأطراف اقليمية بات الموقف الاوروبي مرجحاً للخيارات التي ينتويها المكون العسكري لتصحيح الأوضاع إن كان مؤداها في نهاية الفترة الإنتقالية إجراء الإنتخابات و بناء ديمقراطية منتجة و مستدامة .
ثالثاً : الموقف الإفريقي :
تُلخص المشهد عبارة تنسب لمسؤول بارز في الإتحاد الإفريقي : ( أخشي أن يكون الإتحاد قد أحبط تماماً من أزمات شركاء الحكم بالسودان لقد خذلنا المكون المدني هؤلاء غير جادين ..مختلفين متنازعين ..ليس لدينا ما نفعله ) كما تتناقل الأوساط داخل الإتحاد الإفريقي مقولة مسؤول آخر : ( غسلنا أيادينا مما يجري هناك لقد دخل الشريكان وسط الوحل اللزج ) وبما انه لا توجد تصريحات رسمية أو مواقف تعلن عن تحركات من رئاسة المفوضية الافريقية ، فإن صمت الإتحاد يعطي إشارة واضحة بعدم التدخل في الشأن السوداني ، و قد أشاحت الدول ذات التأثير في القرار الأفريقي بوجهها عن ما يدور في بلادنا ، و السبب هو تجاهل حكومة الفترة الإنتقالية و إهمال لعلاقاتنا مع إفريقيا .
رابعاً : الموقف العربي :ــ
تجري اتصالات مكثفة من جانب شركاء حكم الفترة الانتقالية مع عدة عواصم عربية أبرزها ( القاهرة – الرياض – أبوظبي – الدوحة ) وهناك تفاهمات عربية تقودها القاهرة لحشد الدعم العربي و الدولي لتصحيح مسار السودان و توفير الامن والاستقرار و صناعة التجانس السياسي بين مكونات الحكم وحفز الخطوات التي يقوم الفريق أول البرهان بإتخاذها ، و هو محاولة تأمين تأييد مطلق ، واكبر دليل علي دور القاهرة زيارة البرهان غير المعلنة لها يوم السبت 18 سبتمبر و ناقش فيها الاوضاع في السودان و تلقي تعهدات ستجتهد القاهرة في سبيلها كما ذُكر.
نواصل …