علاء الدين محمد ابكر يكتب … تحليل الواقع السياسي الراهن
علاء الدين محمد ابكر يكتب ✍️ تحليل الواقع السياسي الراهن
_____________
لقد مضي عهد الوصول الي كرسي الحكم عبر الانقلابات العسكرية كما كان يحدث في العقود السابقة بعد ان تبين انها وسيلة غير سليمة للحكم الرشيد ولن تكون بديل عن الانتخابات الحرة لاكتساب الشرعية والتفويض الشعبي ان ثورة ديسمبر تعتبر حد فاصل بين الديمقراطية والاستبداد في بلد هش التكوين الاجتماعي و يعيش شعبه تدهور في الوضع المعيشي بشكل متدرج منذ خروج الاستعمار الانجليزي سنة 1956حيث اهمل الحكام السابقين مشاريع التنمية التي خلفها الحكم الاستعماري بسبب الصراعات السياسية وبدون شك لعب ذلك التدهور الاقتصادي دور كبير في الاطاحة بعدد من الحكومات الوطنية المتعاقبة علي حكم البلاد نتيجة الي تطلع الشعب السوداني الي العيش الكريم في ظل تصاعد الصراع الطبقي وتفشي النعرات القبلية والعنصرية والتي وجدت مناخ خصب في فترة النظام البائد الذي يتعبر المدمر الرئيسي لوحدة واستقرار البلاد بسبب انتهاجه لسياسة فرق تسد بين السودانيين وتاريخيا تتحمل القوي السياسية المدنية جانب كبير من المسألة عن ذلك التدهور المريع والتي ما ان تحصل علي السلطة الحاكمة الا وتسارع الي الدخول في صراعات في مابينها لاجل الحصول علي المزيد من المخصصات والمناصب الحكومية وعندما يحتدم الصراع السياسي في مابينهم تحاول كل فئة منهم الاستنجاد بالجيش عبر تدبير انقلابات عسكرية انتقام من الاخرين فكان انقلاب السابع عشر من نوفمبر 1958 بقيادة قائد الجيش وقتها الراحل الفريق ابراهيم باشا عبود خير دليل علي ذلك الصراع السياسي الملتهب حيث قام الراحل الفريق عبود بفض الحكومة المدنية الغير متجانسة والتي ضاق صدر اعضاءها داخل قبة البرلمان بالديمقرطية فحدث بينهم الهرج والمرج فالبرلمان يعتبر ساحة ومنبر ديمقراطي لطرح القضايا السياسية وايجاد الحلول لها ولكن بكل اسف ما ان يحتدم النقاش والحوار في ما بينهم حتي يسارع احد اطراف العملية السياسية الي الاستنجاد بالجيش او في بعض الحالات برفع السلاح عبر الحركات المسلحة والعمل بالاطاحة بالجميع علي طريقة شمشون الجبار بهدم المعبد علي الجميع وهي سياسة لا تصلح لهذا العصر الذي انتشر فيه الوعي السياسي فالشعب بات قادر علي تميز مايحدث في البلاد من ازمات عكس ماكان في الماضي حيث لم يكن لمعظم ابناء الشعب السوداني في السابق اهتمام سياسي او انتماء حزبي ولكن عن طريق العاطفة الدينية كان يسهل الزج بهم في قضايا لاناقة لهم فيها ولا جمل ويكفي الاستشهاد بتجربة حكم الاسلاميين حيث اتخذوا من الدين بوق لخداع البسطاء بتصوير كل من يطالب بالديمقراطية ماهو الا فاسق جاء ليخرجهم من دينهم بينما كان صناديد الكيزان في وادي اخر يسرقون مال الفقراء والمساكين
ان الجيش السوداني يكاد يكون هو الاخر ضحية لنظام المخلوع البشير والذي كان يحكم البلاد عن طريق تمكين عناصر الاسلاميين في مفاصل الدولة ومنذ العام 1993 انقطعت صلة البشير بالجيش عندما اصدر الرئيس المخلوع عمر حسن احمد البشير قرار بحل مجلس قيادة انقلاب الثلاثين من يونيو واحالة معظم الضباط المشاركين فيه الي التقاعد ومن ثم تولي جهاز امن نظام الكيزان ادارة الدولة فكان السودان يحكم (امنيا) وليس (عسكريا ) ومع مرور الايام تقدمت سن المخلوع عمر البشير وفكر المحيطين من حوله في امر خلافة النظام وهنا ظهرت حالات الانقسام بين الاسلامين وصلت بعضها الي اقصاء بعضهم البعض مثال لذلك صراع (نافع وعلي عثمان وقوش ) مما اجبر فئة منهم علي تنظيم محاولة انقلابية فاشلة في العام 2012 من داخل اروقة النظام نفسه وبدون تغير لهوية الحكم الكيزاني فظهرت في السطح كل من صلاح قوش والعميد ود ابراهيم ولكن لم يكتب لتلك المحاولة النجاح
وبعدها بسنوات جاءت قاصمة ظهر نظام الانقاذ الكبري عندما تحالف رجال المال والاعمال من ازلام النظام السابق ضد كبيرهم البشير والذي حاول كسر شوكتهم عبر حملة حكومية لمكافحة الفساد عرفت بعملية القبض علي ( القطط السمان) في اشارة منه الي محاولة كبح جماح رجال المال المحسوبين علي الاسلامين الذين وصلت اموالهم الي مبالغ ضخمة تفوق ميزانية الدولة نفسها وفي سبيل ذلك قام المخلوع البشير باعادة صلاح قوش لتولي ادارة جهاز الامن والمخابرات الوطني لاجل تعقب الفساد وملاحقة (القطط السمان) ولكن كانت ردة فعل ( القطط السمان) اكبر ضد حكومة الانقاذ حيث قامت بخنق نظام البشير اقتصاديا ونجح ذلك المخطط مما اجبر الشعب علي النزول الي الشارع وتفجير ثورة دسيمبر نتيجة ارتفاع الاسعار وقد كانت بداية شرارتها في اطراف البلاد في مدن عطبرة والدمازين لتصل الاحداث الي قلب الخرطوم نفسها وتحت الضغط الاقتصادي من (القطط السمان) ضد البشير اضافة الي هدير الشوارع تاكد حينها بان سقوط نظام البشير مسالة وقت خاصة بعد تعقد الامر اكثر واكثر عندما نجح الثوار بالوصول الي محيط القيادة العامة للقوات المسلحة ومن ثم كان بداية اعتصام القيادة وقد لعبت عوامل كثيرة في ان يستمر اعتصام الثوار الي عدة ايام وقد يكون ذلك راجع لتوفر معينات ساعدت المتواجدين علي الصمود من غذاء ومياه وبالفعل توافدت اعداد كبيرة من الناس الي تلك الساحة والتي كسر فيها الشعب حاجز الخوف من جبروت نظام الكيزان ولكن كانت هناك معارك سرية تدور اخر فصولها بين البشير و(القطط السمان) وهي العمل علي استغلال الاعتصام في منع او توفير الدعم من مواد غذائية للموجودين في ساحة الاعتصام فسقوط البشير كان يمثل طوق نجاة (للقطط السمان) ونفس الشي يصب في صالح الثوار والبشير كان يعمل في جانب اخر علي الاستعانة برجال الدين من الشيوخ لاستصدار فتوي تبيح له فض الاعتصام بكافة الوسائل بما فيها استخدام القوة ومع انتشار شبح دخول البلاد في مستنقع حرب اهلية وجد الجيش نفسه في موقف يسمح له بالتدخل والانحياز للشعب بعد ان تبين له انهيار النظام والذي بات لايملك القدرة علي ادارة البلاد اكثر من يوم العاشر من ابريل 2019 و بما ان الجيش ليس طرف في صراع ( البشير ضد القطط السمان) قد يكون سناريو العام 1958 حاضر في البال لدي البعض عندما قام الاميرلاي عبد الله بك خليل رئيس الوزراء في ذلك الزمان بتسليم زمام البلاد الي الفريق ابراهيم عبود لاجل اعادة الانضباط للبلاد
مهما اختلف او اتفق الناس تبقي الحقيقة في ان سقوط نظام البشير قد مثل انتصار لمستقبل السودان فقد كان يمثل عقبة في تقدم البلاد واندامجها في المجتمع الدولي بسبب الزج بالسودان في قضايا الارهاب وانتهاك حقوق الانسان حاول الجنرلات الجدد عقب اسقاط البشير العمل علي المحافظة علي شكل النظام البائد ولكن تحت ضغط الشارع الثائر اجبرت السلطات العسكرية علي اعادة اعتقال البشير وترحيله الي سجن كوبر بدلا عن التحفظ عليه في بيت الضيافه اضافة الي حل الموتمر الوطني ومصادرة اصول امواله وهنا وجدت (القطط السمان) نفسها بدون غطاء سياسي وصاروا يرقبون الاحداث بعين فاحصة وبعد تشكيل الحكومة الانتقالية اهمل الثوار موضوع (القطط السمان) الذين لعبوا دور كبير في السابق بالعمل علي شل نظام البشير اقتصاديا ربما كان حجم ضخامة ملف فساد البشير قد عمل علي تاخير تعقب (القطط السمان ) من قبل الحكومة الانتقالية عبر لجنة ازالة التمكين والتي تعادل مفوضية لمكافحة الفساد التي انشاءها المخلوع البشير لتعقب (القطط السمان) في عهده ان عدم استرداد المال العام بالسرعة المطلوبة من (القطط السمان) جعلها تنشط لاجل افشال الفترة الانتقالية عن طريق الخنق الاقتصادي
وربما استغلت بعض عناصر (القطط السمان) العلاقات الاجتماعية التي تربطها مع بعض قادة الاحزاب السياسية من الافلات ولو موقتا من سيف لجنة ازالة التمكين والذي نزل بكل قوة علي البشير ورهطه من المقربين فسقطت امبرطوريات مالية ضخمة كانت في حوزت اسرة البشير والمقربين منه ومع اشتداد خناق لجنة ازالة التمكين علي بعض عناصر ( القطط السمان) حاولوا اعادة اخر سناريو لهم ابان حربهم السابقة ضد المخلوع البشير وذلك بالتلاعب بالاسعار ساعدهم في ذلك بدون قصد منه حكومة السيد حمدوك الذي منحهم قبلة الحياة عندما اصر علي تطبيق سياسة رفع الدعم الحكومي عن الخدمات والوقود والغاز والكهرباء والتي تضرر منها الشعب بشكل لايطاق ورغم ذلك فشلت جميع محاولات اسقاط الفترة الانتقالية عن طريق المظاهرات والمواكب من الثوار الحقيقين اوحتي من فلول النظام البائد بسبب عدم توفر فرص ظروف اعادة الاعتصام من جديد امام قيادة الجيش وقد استوعب الجيش درس الماضي وصار يستعمل كل الوسائل التي تمنع وصول المواطنيين الي مقر القيادة العامة وهي اشارة منه علي عدم الرغبة في التدخل مرة اخري في الشان السياسي وان حكومة السيد حمدوك باعتبارها هي المكلفة بادارة ملفات البلاد الاقتصادية وهنا لن تجد (القطط السمان) مناص من استخدام اخر الكروت وذلك باستغلال النعرات القبلية في احداث ازمات لاجل احراج الطرفين (الجيش وحكومة حمدوك ) وتصويرهم امام الشعب بالضعف فاندلاع فتن في دارفور واخري في الوسط وتارة في البحر الاحمر بدون شك يقف خلفها عناصر تعمل علي زعزعة استقرار السودان
ولكن لحسن الحظ لعبت قوات الدعم السريع دور كبير في اخماد نار الفتن التي كانت تشتعل هنا وهناك وذلك بسبب جاهزيتها و سرعة انتشار قواتهم في طول البلاد وعرضها اضافة الي قيامها بادوار مقدرة في توفير الاستقرار وتامين المناطق التي تشهد توتر ولقد تكون لشخصية الفريق اول محمد حمدان دقلو قائد الدعم السريع اثر كبير في بث الاطمنان لدي الفرقاء فالرجل يتمتع بالصدق والقبول وقد لعب ادوار كبيرة في استقرار وحفظ امن السودان
وازمة الشرق تقف خلفها (القطط السمان) وسوال مطرح عن من تلك الجهة التي تقدم الدعم من الطعام والشرب لتلك الاعداد الكبيرة من انصار الناظر ترك سوال يحتاج الي اجابة فهل يملك الناظر ترك المال الوفير الذي يسمح له بتحمل هذه الكلفة المالية لاطعام كل تلك الحشود علي امتداد شرق السودان من الحدود المصرية شمال الي الحدود الاريترية جنوبا ان اغلاق الطرق القومية والمواني والمطارات يعتبر عمل تخريبي اقتصادي خبيث يهدف الي اسقاط الدولة السودانية وليست الفترة الانتقالية التي تتحمل حكومتها المسؤولية في تفشي الازمة الاقتصادية التي تضرب البلاد من خلال تبني سياسة رفع الدعم التي اثرت على الاسعار وبات شبح الجوع يطرق ابواب البلاد في ظل احباط عام يسود الشارع والذي فقد الثقة في حكومة السيد حمدوك وابلغ دليل علي ذلك هو ضعف ردود أفعال المواطنين في استنكار المحاولة الانقلابية الاخيرة وعدم استجابة الشارع لنداءت المسؤولين المدنيين لاجل الخروج لحماية الثورة فالوضع المعيشي الصعب جعل الناس تنصرف عن متابعة الاحداث السياسية فقد تسرب فيهم الياس والاحباط بسبب عدم اهتمام الحكومة بالاسباب التي اندلعت لاجلها الثورة واهمالها لمعاشهم ومشروع (ثمارات) لايعتبر حل لعلاج الازمة الاقتصادية ان مايحدث في الشرق اثبت عدم توحد موقف الحكومة في كيفية التعامل مع الاحداث
ان طعن الناظر ترك في سلام جوبا يعتبر امر غريب ومحير و اذا كان لايعلم فان سلام جوبا يعتبر انجاز يحسب للمكون العسكري وليس للمكون المدني اذا بالتالي لايوجد سبب يجعله يعارض الاتفاق وفي نفس الوقت يطلب (ود) المكون العسكري و سوال الي الناظر ترك لماذا لم يتحدث في السابق عن اتفاق سلام الشرق الموقع في اريتريا في العام 2006 ابان عهد المخلوع البشير وعن مصير صندوق اعمار الشرق الذي خصص له مايقارب اربعة مليار دولار في موتمر المانحين الذي انعقد في دولة الكويت
وسوال اخر للناظر ترك لماذا لم يشارك في مفاوضات جوبا للسلام حتي يضمن حصول الشرق علي المزيد من المكاسب ان اغلاق الطرق القومية يتعبر اعلان حرب اقتصادية علي الشعب وليس الحكومة بالتالي اذا لم تسارع الحكومة الي حسم فوضي اغلاق الطرق والمواني في شرق السودان فسوف ينعكس اثر ذلك الاغلاق علي معاش الناس في مختلف انحاء البلاد وحينها سوف تجد الحكومة بشقيها (العسكري والمدني) نفسها امام خيار صعب بفرض حالة الطوارئ وحظر للتجوال لمنع حالات النهب والسلب والتي سوف تنتشر بين المواطنيين بحثا عن الطعام مع ارتفاع الاسعار في ظل اغلاق منافذ البلاد في الشرق لن يصبر الشعب اكثر من هذا وحينها لن تكون هناك مواكب شعبية لتذهب الي القيادة العامة لاجل تفويض الجيش لاستلام البلاد ولكن سوف تكون هناك فوضي وانفلات امني قد يهدد السلم الاجتماعي وربما يجبر السودانيين لاول مرة علي النزوح الي دول الجوار بحث عن الامن والغذاء واكبر المصائب اذا تدخلت الامم المتحدة عبر ارسال قوات دولية لحفظ الامن في السودان حينها سوف تجد التنظيمات الاسلامية المتطرفة مثل ( داعش والقاعدة وبوكوحرام) مساحات كبيرة تسمح لهم بشن حروب عقائدية ضد الاهداف الغربية في قلب البلاد كل ذلك السناريو متوقع اذا لم يجلس الجميع بمافيهم عقلاء (القطط السمان) وليعلموا ان كل اموال الدنيا لا تساوي شي اذا تشرد السودانيين ووقعت بينهم حروب اهلية تسمح للغير من الاجانب بالتدخل في امن واستقرار بلادهم وحينها لن تنفعهم اموالهم التي جمعت عبر طرق غير مشروعة فسوف تتحول الي لعنة تصيبهم وابناءهم فكل مال نبت من حرام فالنار اولي به فالحل في صحوة ضمائر الناس عبر تطبيق العدالة وعدم اضاعة الوطن لاجل مكاسب شخصية ان السودان يحتاج الي الجميع (عسكر ومدنين) لبناء دولة القانون التي تضمن حقوق الجميع
فالجيش لن يستفيد شي في تولي زمام السلطة الحاكمة لفترة طويلة واضعف الايمان هو دعم الجيش لشخصية ذات خلفية عسكرية للترشح في الانتخابات للمناصب الدستورية بشرط ان يكون قد تقاعد عن الخدمة العسكرية و النظام البرلماني في جميع دول العالم يضمن للعسكر تمثيل محترم في البرلمان عبر لجان الامن والدفاع التي ترسم سياسات وخطط الدولة في الامور الامنية والدفاعية والامور الخاصة بالحرب و تعتبر مشاركة احترافية في صنع القرار الوطني ضمن اختصاصهم المهني
المتاريس
علاء الدين محمد ابكر
Alaam9770@gmail.com