نص خطاب رئيس الوزراء في افتتاح منتدى الشراكة السوداني
خاطب د. عبد الله حمدوك رئيس الوزراء اليوم بقاعة الصداقة افتتاح منتدي الشراكة السوداني الذى نظمته رئاسة مجلس الوزراء بالتعاون مع وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي .
وفيما يلى تورد سونا نص الخطاب:-
بسم الله الرحمن الرحيم خطاب رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك في افتتاح منتدى الشراكة السوداني
الحضور الكريم .. شركاؤنا الكرام.
السيدات والسادة،
إنه لمن دواعي سروري أن أكون معكم هنا اليوم للاحتفال بإطلاق منتدى الشراكة السوداني.
كما تعلمون جميعاً، فقد ورثت حكومة السودان الانتقالية وضعاً سياسياً واقتصادياً مليئاً بالتحديات، شمل ذلك عقودًا طويلة من الصراعات، والعزلة الدولية بسبب تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب، والوضع الأمني الحرج، ومؤسسات الحكم الضعيفة من ناحية تقديم الخدمات، بالإضافة للفساد المؤسسي.
ومع كل ذلك وجدنا اقتصاد منهار يتميز باختلالات هيكلية عميقة وعجز مالي وتزايد الديون. ويقدر عبء ديون السودان بنحو 60 مليار دولار، أي ضعف الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019، مما أثر سلباً على التصنيف الائتماني للبلاد، ومعيقاً لإمكانية حصول السودان على أي نوع من التمويل من خلال الوسائل التقليدية.
تفاقم هذا الوضع الموروث بسبب جائحة Covid-19 والفيضانات المدمرة بالبلاد في العامين الماضيين. أدت جائحة كورونا إلى صعوبات صحية واجتماعية واقتصادية غير مسبوقة، وحطمت آفاق النمو في السودان.
السيدات والسادة،
لقد حددت الحكومة الانتقالية التي تم تشكيلها عقب توقيع اتفاقية جوبا لسلام السودان في أكتوبر 2020، خمس أولويات عمل خلال الفترة القادة تتمثل في الآتي:
على الصعيد الاقتصادي، وكما نعلم، فقد نجحنا في تنفيذ سياسات إصلاح تشوهات الاقتصاد الكًلي، رغم أنها كانت صعبة وقاسية ولكنها ضرورية، وهي سياسات التزمنا بها الحكومة كجزء من برنامجها الوطني لإصلاح الاقتصاد القومي المُراقب والمدعوم من صندوق النقد الدولي (SMP)، حيث اتخذنا قرارات مؤلمة تضمنت ترشيد الدعم السلعي في سلعتي البنزين والجازولين، ولكن الأهم من ذلك اتخاذ قرارات صعبة مثل توحيد سعر الصرف بما في ذلك سعر الدولار الجمارك، تلك لم تكن أبداً تلك قرارات سهلة، ولكن كان لزاماً علينا اتخاذها لوضع اقتصادنا الوطني على المسار الصحيح.
ولتخفيف الآثار الجانبية لهذه القرارات، فقد طرحنا بعض البرامج مثل برنامج دعم الأُسر (SFSP)، المعروف محليًا باسم “ثمرات” وبرنامج “سلعتي” لمساعدة مواطنينا الأكثر ضعفاً على تخفيف حدة تلك الإصلاحات على المدى القريب.
الأولوية الثانية هي تحقيق المرحلة الثانية من السلام مع الحركة الشعبية -شمال بقيادة القائد عبد العزيز الحلو، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة الأستاذ عبد الواحد نور، والتأكد في نفس الوقت من تنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان (JPA) حسب المواقيت المضروبة مع توافق جميع الأطراف، وجدير بالذكر أننا وقعنا بالفعل إعلان مبادئ مع الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال بقيادة عبد العزيز الحلو في فبراير الماضي ونأمل في استئناف الجولة الثانية من محادثات السلام في أقرب وقت ممكن. لدينا التزام لا يتزعزع بإسكات البنادق في بلدنا بشكل نهائي.
تحقيق الأمن وإصلاح القطاع الأمني هو الأولوية الثالثة للحكومة، وهي أولوية مُستقاة من بروتوكول الترتيبات الأمنية وآلية حماية المدنيين من اتفاق جوبا لسلام السودان، ومن إدراكنا العميق بأنه لا يمكن أن ينجح أو يستمر أي انتقال ديمقراطي دون إعادة بناء قطاعنا الأمني على قيم جديدة، قيم ثورة ديسمبر المجيدة.
أما فيما يتعلق بالعلاقات والسياسات الخارجية، فقد قطعنا شوطًا كبيراً جداً لإحداث قطيعة جذرية مع الصورة القديمة لبلادنا، وإعادة تقديم السودان كمنارة للسلام والاستقرار الإقليميين، مع التطلع لإنجاح النموذج السوداني للشراكة بين المدنيين والعسكريين، حتى يستطيع أن نقدمه للجيران والدول التي تمر بتجارب انتقال مماثلة.
بصفتنا رئيسًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (الإيقاد)، فإننا ننظر إلى النزاعات العابرة للحدود الوطنية والعابرة للإقليم في الإيقاد ومنطقة القرن الأفريقي، ونتطلع بالعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لضمان إيصال المساعدات إلى المحتاجين؛ ومن جانبٍ آخر فإننا نلتزم بمواصلة جهودنا لوقف الحروب المستمرة والحذر من الانتكاسات وعودة ظهور الصراعات القديمة والجديدة.
وتتعلق أولويتنا الخامسة بقضايا التحول الديمقراطي بهدف إنشاء واستكمال جميع اللجان والهياكل الخاصة بالفترة الانتقالية، وإطلاق عملية عدالة انتقالية شاملة، وهي بصدد البدء. وفي هذا المجال، نأمل أن نقدم للمنطقة والعالم نموذجًا جديدًا للعدالة الانتقالية يستلهم قيم شعبنا في المصالحة مقرونًا بمبدأ إنهاء الإفلات من العقاب، مع استصحابنا لكل تجارب الدول والشعوب التي مرت بتجارب عدالة انتقالية.
إلى جانب أجندة الإصلاح التشريعي التقدمية التي انجزناها خلال العامين الماضيين، فإننا نستعد أيضًا لإجراء الانتخابات العامة كأحد أهم استحقاقات فترة الانتقال الديموقراطي، وتشمل هذه الاستعدادات استكمال تعداد سكاني بحلول منتصف عام 2023، مع تلقينا تأكيدات من الجهاز المركزي للإحصاء بأنه سيتمكن من توفير أي بيانات مطلوبة لبدء الاستعداد للانتخابات بحلول منتصف 2022، بالإضافة لإعداد قانون الانتخابات وإنشاء مفوضية وطنية للانتخابات إلى جانب إنشاء مفوضية المؤتمر القومي الدستوري، وقيام المجلس التشريعي الانتقالي ومؤسسات انتقالية أخرى، وتعيين مفوضية مكافحة الفساد.
السيدات والسادة.. شركائنا الكرام،
على الرغم من أن الحالة الاقتصادية والسياسية والأمنية بالبلاد لا تزال هشة وصعبة، لكن الحكومة الانتقالية قد أنجزت العديد من الخطوات في الاتجاه الصحيح، بدعم وشراكة فعالة مع المجتمع الدولي، سواء على مستوى العلاقات الثنائية أو المتعدد الأطراف.
هذه الشراكة قد تمت تنزيلها للواقع في العديد من البرامج والعمليات، بداية بمجموعة أصدقاء السودان والتي يعود تاريخ تأسيسها للعام 2019، وبرنامج الإصلاح المُراقب بواسطة صندوق النقد الدولي (SMP) بدءًا من فبراير 2020، والمؤتمرات التي انعقدت لدعم السودان بداية ببريلن والرياض وصولاً لمؤتمر باريس، ومبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (HIPC) مع البنك الدولي وشركاء آخرين بدءًا من يونيو 2020، بالإضافة لتتويج جهود الحوار المستمر مع السلطات الأمريكية، والذي بدأناه منذ 2019 بإخراج السودان من لائحة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب (SSTL) في 14 ديسمبر 2020.
إن الأثر التراكمي لكل هذه البرامج والعمليات يتمثّل في عودة السودان المُستحقة كعضو فاعل مع المؤسسات المالية الدولية لأول مرة منذ أكثر من 30 عامًا، كما كان إنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة الانتقال في السودان (UNITAMS) في يونيو 2020 إنجازًا مهماً آخر.
السيدات والسادة،
إننا في الحكومة الانتقالية نُدرك تماماً الإمكانات الكبيرة لإحداث التحول الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ببلادنا، وسنعتمد على مواردنا المالية والبشرية وقدرتنا على الصمود والصبر، وكذلك على شركائنا الدوليين لتحقيق ذلك التحول المنشود، رغم تسليمنا بأنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به.
إن الإصلاحات التي نعمل على إنجاحها خلال الفترة الانتقالية وما بعدها، تشمل برنامج صندوق النقد الدولي للتسهيل الائتماني المُمدّد (ECF) مع التزامات كبيرة بالإصلاح.
لقد أعدت الحكومة الانتقالية إطارًا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية وانتهت من ورقة استراتيجية الحد من الفقر (PRSP) التي تغطي الفترة من 2021 إلى 2023، وقد تم المصادقة على ورقة استراتيجية الحد من الفقر من قبل مجلس الوزراء بكامل هيئته في مايو 2021، كل ذلك لأجل تحقيق المرونة والنمو الشامل.
تركز الإصلاحات الاقتصادية والمالية للحكومة خلال الفترة 2020-2023 على تعميق الاستدامة المالية وتعبئة الإيرادات المحلية وتعزيز إدارة المالية العامة (PFM)، كما سيواصل البنك المركزي تحديث لوائح القطاع المصرفي لديه وتعزيز قدرته الإشرافية مع تعزيز امتثال البنوك للوائح الاحترازية، بما في ذلك القيود المفروضة على مستويات الانكشاف فيما يتعلق بالعملات الأجنبية تحديداً. نحن نُقدِّر ونتفهم جيدًا أنه بعد 30 عامًا من العزلة، يحتاج قطاعنا المصرفي إلى إصلاح شامل لتجهيز وإعداد أنفسنا لهذا الانفتاح على بقية العالم.
إن الحكومة تعكف حالياً على تكثيف جهودها لتحسين بيئة الأعمال بهدف تعزيز القدرة التنافسية ودعم النمو القوي والشامل، وبدعم من شركائنا الدوليين تلتزم الحكومة بتعزيز الحوكمة وتكثيف مكافحة الفساد بما يتماشى مع الوثيقة الدستورية لعام 2019. ولهذه الغاية، تمت الموافقة مؤخرًا على قانون جديد لمفوضية مكافحة الفساد، وبالتأكيد قد اطلعتم خلال اليومين الماضيين على إعلان وظيفة بوسائل الإعلام المحلية يطلب ترشيحات لوظائف أعضاء ورئيس المفوضية، ونكون بهذا قد خطونا خطوة أخرى في الطريق الصحيح لتعزيز قيم الشفافية والمحاسبة، والإيفاء بتطلعات شعبنا في ذلك المجال. أيضاً تقوم الحكومة بسلسلة من الإصلاحات الشاملة للمؤسسات المملوكة للدولة (SOE).
السيدات والسادة،
إننا نتطلع إلى وقوف المجتمع الدولي إلى جانبنا في جميع جهود الإصلاح هذه.
إننا في السودان نُقدِّر الدعم المستمر من المجتمع الدولي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي في الوقت الذي تسعى فيه بلادنا للانتقال من الاستقرار الاقتصادي إلى النمو الشامل والذي يستفيد منه أوسع قاعدة من المجتمع.
إن تدشين منتدى الشراكة السوداني (SPF) هنا اليوم يُشير إلى بدء عملية لتحديد أدوار ومسؤوليات الحكومة وشركائها، فالمنتدى سيعمل كآلية وطنية لتنسيق الدعم التنموي تحت قيادة وملكية حكومة السودان. سيعمل منتدى الشراكة السوداني على تعزيز المواءمة بين التخطيط والتنفيذ وتقديم الدعم في مجالات السلام، والأمن، والتنمية المرتبط بالأولويات الوطنية المحددة وبما يتماشى مع المبادئ العالمية الراسخة للتعاون التنموي الفعال.