قطع العلاقات المغربية الجزائرية: التبريرات الواهية لرمطان لعمامرة
لم يثر قرار الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب الدهشة، بصرف النظر عن الذرائع المغلوطة التي قدمتها لمحاولة تبريره. تحليل.
من نادي الصنوبر الفاخر، وهو منتجع خاص يتحصن فيه جنرالات الجزائر الطاعنين في السن، أعلن وزير خارجية الجزائر رمطان لعمامرة، 70 عاما، أمس الثلاثاء 24 غشت، أن بلاده قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب بـ”أثر فوري”.
وفي بيان تلاه على بعض وسائل الإعلام، نيابة عن الرئيس عبد المجيد تبون وحكومته، أقر لعمامرة بأن هذا القرار كان معدا سلفا، ويأتي كـ”امتداد لإعلان المجلس الأعلى للأمن” بإعادة النظر في العلاقات بين الجزائر والمغرب، إعلان صدر قبل ذلك بأسبوع، وسبقه استدعاء السفير الجزائري بالرباط يوم 18 يوليوز 2021.
ولتبرير هذا القرار، الذي يعتقد المرء أنه مرتبط بأحداث وقعت مؤخرا، عاد وزير الخارجية الجزائري إلى أحداث تاريخية بعيدة في الزمن. فقد بدأ بيانه الرسمي بتعداد سلسلة من الاتهامات ضد المغرب تعود إلى حوالي ستين عاما: “لقد ثبت تاريخيا، وبكل موضوعية، أن المملكة المغربية لم تتوقف يوما عن القيام بأعمال غير ودية وأعمال عدائية ودنيئة ضد بلدنا وذلك منذ استقلال الجزائر”.
وذكر رمطان لعمامرة بالهزيمة الكبيرة التي ألحقتها القوات المسلحة الملكية بالجيش الجزائري قبل 58 عاما، أي في عام 1963 إبان حرب الرمال. وصفت بـ”الحرب العدوانية”، والتي تسببت في مقتل “850 شهيدا شجاعا” بحسب النص الذي قرأه الدبلوماسي الجزائري، هذه الحرب هي أصل العقدة الأبدية لقادة الجيش الجزائري اتجاه المغرب. خاصة إذا أضفنا إليها الكارثة الجزائرية عام 1976 في أمغالا، مع العلم أن أن آخر قائدي أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح وسعيد شنقريحة، الرجل القوي الحالي في البلاد، قد عانيا من انتكاسات مؤلمة. الأول اضطر إلى الفرار، حتى أنه تخلى عن الرجال الذين كان يقودهم، والثاني أسره الجيش المغربي.
وفي نفس العام 1976، أي قبل 45 عاما، اختار رمطان لعمامرة أيضا أن يتذكر، من أجل توجيه الاتهام للمغرب في تلك الفترة الزمنية البعيدة، بمبادرة قطع علاقاته الدبلوماسية “بشكل فجائي” مع الجزائر.
من الواضح أن وزير الخارجية الجزائري، في تذكيره التاريخي، لم يشر بأي إشارة إلى الأسباب الموضوعية التي تحكمت في هذا القرار المغربي: عشرات الآلاف من المغاربة الذين طردوا تعسفيا وبالقوة من الجزائر يوم 13 دجنبر 1975، وهو اليوم الذي صادف عيد الأضحى. الآن، كيف يمكن التعامل بشكل مختلف مع هذا العمل اللاإنساني، ولكن أيضا مع بلد جار يسلح ويمول ويحتضن على أراضيه انفصاليي البوليساريو التي منحتها حتى جمهورية وهمية، تسمى “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”؟
وهنا أيضا تكمن الذريعة الكاذبة للنظام الجزائري، الذي يعطي لنفسه الحق في الاعتداء الدائم على الوحدة الترابية للمغرب.
من ناحية أخرى، بمجرد أن يلفظ دبلوماسي مغربي اسم القبائل حتى تثور ثائرة الجزائر. “والأخطر من ذلك قيام أحد المفوضين للمملكة بانحراف خطير جدا وغير مسؤول من خلال التطرق إلى ما سماه “حق تقرير المصير لشعب القبائل الشجاع”، هكذا اشتكى النظام الجزائري.
ومع ذلك، على عكس الجزائر التي تستضيف وتمول وتسلح البوليساريو، فإن المغرب لا يؤوي على أرضه حركة الماك السلمية (الحركة من أجل تقرير مصير القبايل)، التي يعيش قادتها بسلام في فرنسا. وينظمون بشكل منتظم ودائم تجمعات وتظاهرات في باريس تضم عدة مئات من الناس لانتقاد السياسات العنصرية للطغمة العسكرية، التي تدافع عن هذه العقيدة الدنيئة: “صفر من القبائل”. وهكذا، لم يمتلك النظام الجزائري، عندما ينظم مناضلو حركة الماك مظاهرات في باريس، قط الشجاعة لانتقاد الحكومة الفرنسية.
إذا كانت الجزائر قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب بسبب دعم مزعوم لـ”حركة تقرير مصير القبايل”، ولحركة “رشاد” الإسلامية، فلماذا لم تقطع علاقاتها مع دول يتواجد فيها قادة هذه الحركات؟ ألا ترحب فرنسا بقادة حركة الماك، بمن فيهم الرئيس فرحات مهني؟ أليست المملكة المتحدة هي التي قررت توفير حماية أمينة دقيقة للمعارض الجزائري المنفي في لندن محمد العربي زيتوت، الدبلوماسي السابق والعضو البارز في حركة رشاد، الذي هدده أتباع الطغمة العسكرية بالقتل؟
والأخطر من ذلك، أن المغرب متهم بالتورط مع حركة الماك ورشاد بإشعال “الحرائق المهولة التي عرفتها عدة ولايات في البلاد وفي عملية التعذيب والقتل الهمجي الذي راح ضحيته المواطن جمال بن اسماعين”. ولكن عندما نرى ردود فعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي الجزائريين، فإنهم يعتبرون أن هذه الأفعال ليست من فعل حركتي الماك أو رشاد، وهما منظمتان سلميتان وغير إرهابيتان، ولكنها حرائق “اصطنعها” النظام الجزائري نفسه.
في العديد من البلدان حول البحر الأبيض المتوسط كتركيا واليونان والمغرب وفرنسا وإيطاليا، وكذا في سيبيريا بروسيا أو حتى كاليفورنيا بالولايات المتحدة، اندلعت حرائق الغابات عنيفة هذا الصيف. ومع ذلك، لم تصرخ أية دولة من هذه الدول لتتحدث عن وجود مؤامرة أو وجود أيادي إجرامية في اندلاع تلك الحرائق، باستثناء الجزائر التي أصبحت أضحوكة العالم بأسره.
المغرب شارك، بحسب الديبلوماسي الناطق باسم الطغمة العسكرية، في الجريمة البشعة التي راح ضحيتها جمال بن إسماعين، والحال أن كل الدلائل تؤكد أن الشرطة الجزائرية قامت بتسليمه إلى حشد غاضب، قام بقتله وسحله وحرقه، تحت أنظار ضباط الشرطة الذين لم يحركوا ساكنا ولم يطلقوا ولو طلقة تحذيرية واحدة. ما الدليل الذي يقدمه النظام الجزائري للتأكيد بأن المملكة ضالعة في عملية القتل المروع لناشط الحراك الذي قتل أمام مركز للشرطة؟ في هذه القضية، تفادى رمطان لعمامرة تقديم أدلة على تورط المغرب في حرائق الغابات وقتل مواطن جزائري.
في الواقع، خطاب لعمامرة لتبرير قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب يتوافق مع خريطة الطريق التي وضعها له الجيش الجزائري الذي لم يتوقف، في الأشهر الأخيرة، عن التحذير من “اليد الأجنبية” و”العدو الخارجي”… يقصد المغرب. حتى أن مجلة الجيش، الناطقة بلسان الجيش الذي يحكم الجزائر، عادت إلى زمن يوغرطة السحيق في عدد يوليوز 2021، لكشف التاريخ المذهل للأعمال العدائية المزعومة التي يقوم بها المغرب ضد الجزائر.
ومع ذلك، بالأمس، في نادي الصنوبر الأنيق، لم يخجل رمطان لعمامرة من القيام برحلة طويلة في الزمن لتعداد مصادر العداء المغربي، لكنه وجد أنه من المفيد القيام برحلة في الزمن وتوقف عند حدود عام 1963، مرددا بشكل آلي تقريبا فقط الخطاب الذي تستعمله الطغمة العسكرية.
لقد حقق رمطان لعمامرة إنجازا غير مسبوق في تاريخ الدبلوماسية: لقد اتخذ قرارا في عام 2021، تعود أسبابه إلى عام 1963. الحجج التي قدمها مضحكة ومبكية في نفس الآن. مضحكة لسخافتها ومبكية نظرا للكراهية التي تغذيها الطغمة العسكرية تجاه المملكة والمغاربة. لذلك فإن النظام الجزائري يخفي قلبه حقدا قديما للغاية…
إن المملكة المغربية هادئة، ولا مكان للكراهية في روايتها الوطنية للوقائع التاريخية.