قادة طالبان الجدد الذين حققوا الانتصار المفاجئ.. قاضٍ غامض وعسكري مشهور بالدهاء التفاوضي و”وريث”
يمثل تطور الأداء العسكري والسياسي لحركة طالبان أمراً لافتاً، وهي الحركة التي كانت تعاني مما يمكن وصفه بطفولة سياسية خلال مراحلها الأولى ورطتها في نزاع مع أقوى دولة في العالم، ويبدو أن هناك جيلاً من قادة طالبان الجدد الذين يقفون وراء هذا التطور في أداء الحركة.
وعدد عناصر طالبان في الوقت غير معلوم بدقة ولكنه يقدر بنحو 75 ألفاً، حسبما ورد في تقرير لموقع CNN الأمريكي.
الملا عمر أول قادة طالبان والأب الروحي للحركة
ظهرت حركة طالبان في عام 1994 في أفغانستان بعدما شهدت البلاد حرباً مع القوات السوفييتية بين عامي 1979 و1989 ونزاعاً داخلياً في صفوف المجاهدين إثر انهيار النظام الشيوعي في كابول عام 1992، حيث عانت البلاد من فوضى شديدة جراء الحرب الأهلية.
ونشأت الحركة في مدارس قرآنية في باكستان المجاورة، حيث وجد الأفغان ملاذاً آمناً إبان النزاع مع القوات السوفييتية، وكانوا حينها بقيادة الملا محمد عمر، والذي يعد “الأب الروحي لطالبان“، حيث رغب في القضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى أفغانستان، وقد ساعده على ذلك طلبة المدارس الدينية الذين بايعوه أميراً لهم عام 1994.
ويُعتقد أن الملا عمر قد رفض مراراً تسليم زعيم ومؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن سواء إلى السعودية أو الولايات المتحدة.
وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، عرضت الولايات المتحدة 10 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي للقبض عليه.
وتوفي الملا عمر في باكستان عام 2013، لكن لم يكشف موته إلا بعد سنتين، وخلفه الملا أختر منصور، الذي أدى اختياره إلى خلافات بين قادة طالبان، ثم قتل الرجل في باكستان في عام 2016 خلال غارة أمريكية.
القيادة الثنائية التي باتت تحكم طالبان
أدت التطورات إلى ظهور جيل جديد من قادة طالبان، الذين عاصروا مؤسس الحركة الملا عمر ولكنهم مختلفون.
وحالياً يقود طالبان الملا هيبة الله أخوند زاده، في حين يرأس الملا عبد الغني برادر، وهو أحد مؤسسي الحركة، جناحها السياسي.
وعلى غرار غالبية سكان أفغانستان، ينحدر أغلب مقاتلي طالبان من إثنية البشتون التي تهيمن على البلاد بشكل شبه مستمر عبر تاريخها، ولكن لوحظ توسع الحركة وزيادة نفوذها في مناطق الأقليات الأخرى مثل مناطق الطاجيك الذين يمثلون ثاني أكبر قومية في البلاد.
القائد العام لطالبان
يعد الملا هيبة الله أخوند زاده الأرفع مكانة بين قادة طالبان والأكثر غموضاً.
عُيِّن زاده قائداً لحركة طالبان في مايو/أيار عام 2016 أثناء انتقال سريع للسلطة، بعد أيام على وفاة سلفه أختر محمد منصور الذي قُتل في غارة لطائرة أمريكية مسيرة في باكستان.
قبل تعيينه، لم يكن يُعرف سوى القليل عن أخوند زاده الذي كان اهتمامه منصباً حتى ذلك الحين على المسائل القضائية والدينية أكثر من فن الحرب.
كان عالم الدين هيبة الله أخوند زاده يتمتع بنفوذ كبير داخل الحركة، حيث قاد الجهاز القضائي فيها، لكن محللين يرون أن دوره على رأس طالبان رمزياً أكثر منه عملياً.
وأخوند زاده هو نجل عالم دين وأصله من قندهار قلب منطقة البشتون في جنوب أفغانستان ومهد طالبان.
تولى أخوند زاده المهمة الحساسة المتمثلة بتوحيد طالبان بعد وفاة الملا منصور، وكشف عن إخفاء الحركة لسنوات وفاة مؤسسها الملا محمد عمر، وقد نجح في تحقيق وحدة الحركة، وكان يميل إلى التحفظ مكتفياً ببث رسائل سنوية نادرة في المناسبات الدينية، وقد بايعه على الفور أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة.
الزعيم الفعلي لطالبان
برز عبد الغني برادر، القائد الفعلي لحركة طالبان، كزعيم منتصر بلا منازع في الحرب التي استمرت 20 عاماً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وكانت باكستان قد أطلقت سراح برادر قبل 3 سنوات بناء على طلبٍ من الولايات المتحدة الراغبة في تسريع محادثات السلام الأفغانية وقتها.
وفي حين أن هيبة الله آخُند زاده هو الزعيم العام لحركة طالبان، فإن برادر هو زعيمها السياسي وأكثر قادة طالبان علانية. وقد قيل إن برادر توجه من مكتبه في الدوحة إلى كابول مساء الأحد 15 أغسطس/آب، وقال في بيان متلفز عن سقوط كابول إن الاختبار الحقيقي لحركة طالبان ما زال في بدايته وإن عليهم أن يكونوا في خدمة الأمة.
تجسِّد عودة برادر إلى السلطة عجزَ أفغانستان عن الهروب من الأغلال الدموية التي لطالما كبَّلت ماضيها، حسب وصف الصحيفة البريطانية.
فقصةُ حياته منذ بلوغه سن الرشد تضافرت مع قصة الصراع القاسي الملازِم للبلاد على مدار تاريخها الحديث.
ولد عبد الغني برادر في ولاية أروزغان الأفغانية عام 1968، وقاتل في صفوف المجاهدين الأفغان ضد السوفييت في الثمانينيات. بعد طرد الروس في عام 1992 ووقوع البلاد فريسة للحرب الأهلية بين أمراء الحرب المتنافسين، أنشأ برادر مدرسة في قندهار مع قائد الحركة السابق وصهره الملا محمد عمر. أسَّس الرجلان معاً حركة طالبان، وهي حركة يقودها طلاب علم مسلمون كرسوا حياتهم لإقامة شريعة المسلمين في البلاد وإنشاء إمارة إسلامية.
بفضل حماسة أفرادها الدينية والكراهية المنتشرة لأمراء الحرب الأفغان ودعمٍ كبير من وكالة الاستخبارات الباكستانية، اكتسحت طالبان طريقها إلى السلطة في عام 1996 بعد سلسلةٍ من الغزوات المذهلة لعواصم الولايات على نحو فاجأ العالم، تماماً مثلما فعلت الحركة في الأسابيع الأخيرة.
استراتيجي بارع
وكان برادر، نائب الملا عمر وقد عُرف على نطاق واسع بأنه استراتيجي نافذ، ومهندس رئيسي في تلك الانتصارات.
نهض برادر بأدوار عسكرية وإدارية متعاقبة في نظام طالبان الذي استمر في الحكم لخمس سنوات، وبحلول الوقت الذي أطاحت فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأفغان بالحركة، كان نائباً لوزير الدفاع.
على مدار العشرين عاماً الماضية من منفى طالبان عن الحكم ومقاومتها للاحتلال الأمريكي، اشتهر برادر بكونه قائداً عسكرياً مقتدراً وداهية سياسياً.
الأمريكيون كانوا يعلقون آمالاً على اعتداله ولكن يخشون كفاءته العسكرية
في عام 2001 بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان وسقوط نظام طالبان، قيل إن برادر كان جزءاً من مجموعة صغيرة من المسلحين المستعدين لاتفاق يعترفون فيه بإدارة كابل، لكن هذه المبادرة باءت بالفشل، حسب تقرير لموقع الجزيرة نت.
وحسبه دبلوماسيون غربيون على جناح “مجلس شورى كويتا” -قيادة طالبان المعاد تجميعها في المنفى- وهو جناح الحركة الأشد مقاومة لسيطرة الاستخبارات الباكستانية، والأكثر قابلية للتواصل السياسي مع الحكومة الأفغانية كابول.
مع ذلك، كان خوف إدارة أوباما من خبرته العسكرية أكبر من الآمال التي عقدت على ميوله المعتدلة.
وهكذا، تتبعته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية حتى كراتشي الباكستانية في عام 2010، وفي فبراير/شباط من ذلك العام أقنعت الاستخبارات الباكستانية باعتقاله.
وعن ذلك، يقول مسؤول أمريكي سابق: “واقع الأمر أن برادر قُبض عليه لدوره في الحرب، وليس تعويلاً على أن يشارك فجأة في صنع السلام. والحقيقة أن السبب الأبرز لإبقاء الباكستانيين عليه محبوساً طوال تلك السنوات هو أن الولايات المتحدة طلبت منهم ذلك”.
فاوض حتى حقق النصر لطالبان.. فهل خدع الأمريكيين؟
لكن في عام 2018، تغيَّر موقف واشنطن وطالب مبعوث ترامب للشؤون الأفغانية، زلماي خليل زاد، الباكستانيين بالإفراج عن برادر حتى يتمكن من قيادة المفاوضات في قطر، على أساس الاعتقاد بأنه سيوافق على ترتيب لتقاسم السلطة بين طالبان والحكومة الأفغانية الموالية للولايات المتحدة. مع ذلك، يقول المسؤول السابق: “لم أر قط أي إثبات حقيقي لهذه النقطة، لكنها انتشرت بطريقة ما على نحو أشبه بالأفكار الأسطورية”.
ويلقى برادر احتراماً لدى مختلف فصائل طالبان، ثم تم تعيينه رئيساً لمكتبهم السياسي في العاصمة القطرية الدوحة، حيث قاد من هناك المفاوضات مع الأمريكيين التي أدت إلى انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، ثم محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية التي لم تسفر عن شيء.
وقَّع برادر اتفاق الدوحة مع الولايات المتحدة في فبراير/شباط 2020، وهو اتفاق وصفته إدارة ترامب بأنه اختراق نحو السلام، لكنه يبدو الآن أقرب إلى مجرد نقطة انطلاق نحو انتصار كامل لحركة طالبان، حسب الغارديان.
كان يُفترض أن يتبعَ اتفاق الولايات المتحدة وطالبان القاضي بوقف القتال محادثات لتقاسم السلطة بين طالبان وحكومة كابول برئاسة أشرف غني. شهدت تلك المحادثات تقدماً ضئيلاً وتعثرات عدة، ومن الواضح الآن أن برادر وطالبان كان يسعيان إلى كسب الوقت، في انتظار مغادرة الأمريكيين والاستعداد لشن هجومهم الأخير. وهو سلوك يتسق مع حياة برادر التي علَّمته الصبر والثقة بالنصر الذي يأتي في النهاية، حسب وصف الصحيفة البريطانية.
سراج الدين حقاني.. الجناح المتطرف والأكثر قوة
سراج الدين حقاني هو نجل أحد أشهر قادة الجهاد ضد السوفييت جلال الدين حقاني، وهو واحد من أبرز قادة طالبان، إذ يعد الرجل الثاني في الحركة وزعيم الشبكة القوية التي تحمل اسم عائلته.
تعتبر واشنطن شبكة حقاني التي أسسها والده إرهابية وواحدة من أخطر الفصائل التي تقاتل القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العقدين الماضيين في أفغانستان.
وشبكة حقاني معروفة باستخدامها العمليات الانتحارية، ويُنسب إليها عدد من أعنف الهجمات في أفغانستان في السنوات الأخيرة.
وقد اتهم أيضاً باغتيال بعض كبار المسؤولين الأفغان واحتجاز غربيين رهائن قبل الإفراج عنهم مقابل فدية أو مقابل سجناء، مثل الجندي الأمريكي بو برغدال الذي أطلق سراحه في 2014 مقابل 5 معتقلين أفغان من سجن غوانتانامو.
ومقاتلو حقاني المعروفون باستقلاليتهم ومهاراتهم القتالية وتجارتهم المربحة، هم المسؤولون على ما يبدو عن عمليات طالبان في المناطق الجبلية في شرق أفغانستان، ويعتقد أن تأثيرهم قوي على قرارات الحركة.
الملا يعقوب محمد عمر.. وريث للمؤسس وقيادة رمزية
الملا يعقوب هو نجل الملا محمد عمر ورئيس اللجنة العسكرية التي تتمتع بنفوذ كبير في طالبان، حيث تقرر التوجهات الاستراتيجية للحرب ضد الحكومة الأفغانية.
ويشكل ارتباطه بوالده الذي كان مقاتلو الحركة يبجلونه كزعيم لحركتهم، عامل توحيد لحركة واسعة ومتنوعة إلى هذا الحد. مع ذلك، ما زال الدور الذي يلعبه داخل الحركة موضع تكهنات، ويعتقد بعض المحللين أن تعيينه رئيساً لهذه اللجنة في 2020 كان مجرد إجراء رمزي.