وزير الدفاع البريطاني غالب دموعه وهذه حصيلة تدخل بلاده بأفغانستان.. 31 مليار دولار وآلاف القتلى والجرحى
وكالات اثيرنيوز
كان ظهورا لافتا صباح يوم الاثنين لوزير الدفاع البريطاني بن والاس وهو يغالب دموعه عند حديثه في مقابلة مع إذاعة “إل بي سي” تعليقا على مآل الأمور في أفغانستان، وقال إنه أمر محزن، وإن الغرب فعل ما فعله خلال الـ20 عاما الماضية في أفغانستان وقدم الكثير من التضحيات، متعهدا ببذل كل ما في وسعه لإيفاء بلاده بالتزاماتها.
لخصت كلمات الوزير ودموعه خيبة الأمل التي تنتاب بريطانيا -الشريك الأبرز للولايات المتحدة في حربها على أفغانستان- في حين تسابق الزمن لإجلاء جميع رعاياها وموظفيها الدبلوماسيين من العاصمة الأفغانية كابل، التي باتت تحت سيطرة حركة طالبان بالكامل، ومن أجل تسريع العملية أرسلت مئات الجنود من القوات الخاصة لتأمين هذه العملية.
وتجد بريطانيا نفسها معنية بما يحدث في أفغانستان، بدرجة أقل من الولايات المتحدة، لكنها تبقى الدولة الثانية بعد أميركا، التي تكبدت أكبر الخسائر البشرية، وتحملت خزينتها النصيب الأقل من التكاليف بعد الخزينة الأميركية.
ومنذ بداية انطلاق الحرب الأميركية على أفغانستان، وضعت بريطانيا نفسها في مقدمة صفوف الدول المشاركة في العمليات، سواء من حيث العتاد والجنود أو الأموال.
ومع انتهاء هذه الحرب بأكثر السيناريوهات الدرامية التي سيخلدها التاريخ، بدأ السؤال الكبير يطرح في بريطانيا، ما كلفة هذه الحرب المالية والبشرية؟ وهل كانت هذه الحرب تستحق كل هذه الكلفة؟
ما كلفة الحرب؟
تختلف التقديرات حول الكلفة المالية للمشاركة البريطانية في الحرب على أفغانستان، أو ما يعرف “بالعملية هيريك” وهو الرمز الذي تطلقه وزارة الدفاع البريطانية على الأعمال القتالية في أفغانستان منذ عام 2002 حتى 2014 بعد الإعلان الرسمي عن انتهاء العمليات القتالية.
وحسب الجواب الكتابي الذي قدمته وزارة الدفاع للبرلمان البريطاني، فإن هذه العمليات كلفت إلى غاية هذه السنة 31 مليار دولار بما يعادل 1.6 مليار دولار عن كل سنة.
وتؤكد دراسة لجامعة براون الأميركية سنة 2019 أن بريطانيا تعتبر ثاني دولة بعد الولايات المتحدة من حيث الإنفاق الذي بلغ 31 مليار دولار، وجاءت ألمانيا في المرتبة الثالثة بمجموع إنفاق بلغ 19 مليار دولار، وتقر الدراسة بصعوبة الوصول للكلفة الحقيقية بالنظر لاختلاف احتساب هذه التكاليف بين الإدارات الحكومية، ووضع بعض النفقات تحت بند السرية.
رواية أخرى
يقدم الضابط السابق في الجيش البريطاني فرانك ليدويدج -في كتابه “الاستثمار في الدم.. الكلفة الحقيقية للحرب البريطانية في أفغانستان” الصادر سنة 2013- راوية أخرى لكلفة هذه الحرب، خصوصا أن المؤلف سبق وخدم مع قوات بلاده في العراق وأفغانستان قبل أن يصبح محاميا وأستاذا في جامعة بورسموث البريطانية.
وحسب الكتاب الذي نشرت صحيفة “غارديان” بعض مضامينه، فإن هذه الحرب كلفت ما مجموعه 42 مليار دولار، وهو ما يعني أنها تكلف حوالي 2500 دولار لكل مواطن بريطاني يدفع الضرائب، وحسب نفس المصدر فإن هذه الكلفة ارتفعت إلى 45 مليار دولار، وهو رقم يفوق المعلن عنه رسميا.
الكتاب الذي نشرته جامعة “يال” الأميركية، يقول إن كلفة وجود القوات البريطانية في ولاية هلمند التي تمركزت فيها القوات البريطانية، بلغت 18 مليون دولار لليوم الواحد، ولو وزع هذا المبلغ على سكان الولاية البالغ عددهم مليون ونصف المليون نسمة لحصل كل واحد منهم على 30 ألف دولار.
الخسائر البشرية
أشرس فترات القتال بين مقاتلي طالبان وقوات التحالف الدولي كانت الفترة الممتدة بين 2006 و2014، وخلال هذه الفترة قتل 457 جنديا بريطانيا، من بينهم 40 جنديا قضوا جراء هجمات مباشرة، والبقية متأثرين بجراحهم، أما الضحايا من أفراد الخدمة البريطانية في أفغانستان فبلغ عددهم 10382 ضحية نصفهم إصابات وجرحى، والبقية أصيبوا بأمراض مختلفة.
وحسب المعطيات الرسمية البريطانية خلال الفترة بين عامي 2006 و2021، تم تصنيف إصابة 645 فردا من الجيش البريطاني بإصابات خطيرة جدا أو أصيبوا ببتر أحد الأعضاء.
ومن المعطيات التي يضيفها كتاب “الاستثمار في الدم” هو إصابة 5 آلاف جندي بما يسميه “جروحا نفسية”، وهي أزمات نفسية أدت -حسب وزارة الدفاع- إلى انتحار 17 جنديا بريطانيا في فترات مختلفة.
إحباط شعبي
سيكون من الصعب على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، إقناع الرأي العام البريطاني، بأن المهمة في أفغانستان قد انتهت وآتت أكلها، كما سيكون على رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير -الذي تم هذا التحرك في عهده- أن يبرر قرراه.
ويظهر آخر استطلاع للرأي أنجزته مؤسسة “يو كوف” البريطانية، أن أكثر من نصف البريطانيين يعتبرون أن حرب بلادهم في أفغانستان، لم تحقق أي شيء.
الاستطلاع الذي شمل آلاف البريطانيين، كشف أن 53 بالمئة من البريطانيين لا يرون أن هذه الحرب حققت أي شيء، بل -على العكس- ينظرون إليها على أنها كانت مهمة فاشلة، في حين أن 24 بالمئة فقط يرون هذه الحرب على أنها عملية ناجحة، ولم تحسم البقية أمرها.
وبسرعة تتحرك الحكومة البريطانية لإجلاء كل رعاياها في أفغانستان، وخصصت لتأمين ذلك 600 جندي بريطاني، كما أنها أعلنت حالة الطوارئ لاستقبال طلبات اللجوء من المتعاونين الأفغان، وحسب رئيس الوزراء البريطاني، فإن بلاده تدرس حاليا أكثر من ألفي طلب لجوء تقدم به المتعاونون الأفغان الراغبون في مغادرة البلاد.
وكان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من أوائل زعماء العالم الذين علقوا على سيطرة طالبان على العاصمة كابل، وأكد أن بلاده لن تسمح بعودة أفغانستان لمرحلة ما قبل 2001.