ولاية الخرطوم.. تحديات إزالة الظواهر السالبة بالمواقف والأسواق
تواجه العاصمة القومية الخرطوم عددا من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية كنتيجة حتمية للزيادة الكبيرة في تعداد القاطنين بها، اذ قدر الجهاز المركزي للإحصاء عدد السكان بالخرطوم للعام 2020، بثمانية مليون نسمة، ووفقا لتقديرات خبراء استراتيجيين، فإن مليوني شخص يدخلون العاصمة ويغادرونها في اليوم الواحد لأسباب عديدة منها التسوق والعمل والعلاج والحصول على الخدمات الحكومية، مما أدى إلى ضغط سكاني نتج عنه تمدد العاصمة أفقيا وانتشرعلى إثره السكن والأسواق العشوائية والتعدي على الشوارع والمواقف وارتفعت معدلات البطالة والمهن الهامشية والممارسات الاجتماعية السلبية المرتبطة بهذه الظواهر.
ولم تكن قرارات ولاية الخرطوم بإزالة الأسواق والمواقف العشوائية بالمحليات، التي صدرت مؤخرا، تقتصر على تفعيل مراسيم تنظيم الأسواق والإشراف الصحي والبيئي بمحليات الولاية فقط؛ بل تجاوزت ذلك بتقسيمها الأسواق لقطاعات مع استدامة ارتكازات الشرطة وشرطة المرور في طرقات الخرطوم و مواقعها المختلفة لمراجعة إتجاهات الشوراع، واستنهاض كافة إمكانيات الولاية لمجابهة فصل الخريف وفيضان النيل.
وساق المسؤولون مبرارات عديدة، لإزالة الأسواق والمواقف العشوائية، ووفقا لسلطات ولاية الخرطوم أنها تأتي تلافيا لأضرار صحية وبيئية وإعاقة حركة المارة والمركبات العامة بالإضافة إلى تساهم في سوء تصريف مياه الأمطار والصرف الصحي، فيما أكد المدير التنفيذي محلية أمبدة إبراهيم عبدالغني أن الحملة تهدف لمنع أي تعديات وتغول على الشارع الرئيس وذلك بتكثيف عمليات الرقابة ومحاربة كافة انواع الظواهر السالبة بالتعاون مع الأجهزة المساعدة
وأكد عبدالغني تفعيل كافة قوانين في مواجهة المخالفين وإزالة التعديات والتشوهات الهندسية والبصرية ومنع الباعة المتجولين والفريشة من التعدي على الشارع سلاسة حركة السير بالشارع وإظهار هيبة الدولة وتنظيم الأنشطة التجارية لإظهار الشكل النموذجي للسوق ومعالجة قضية الطرق بصورة جذرية.
و يشيرالمدير التنفيذي رئيس لجنة أمن محلية أم درمان فيصل طمبل، الى الجهود التي بذلت لتنظيم الأسواق وتهيئتها وفتح الشوارع لتحقيق الفائدة للتجار ولرواد الأسواق وللحفاظ على المال العام و عدم إهدار موارد الدولة ولتعزيز السلوك الحضاري والتوعية والإرشاد للمواطنين.
وفي ذات السياق أكد المدير التنفيذي لمحلية جبل أولياء إيهاب هاشم أن عمل الحملات يرتكز على محورين استتباب الأمن وحسم الظواهر السالبة ومنع التلفتات، إضافة إلى المحافظة على المظهر الجمالي للشارع العام وتنظيم الأسواق والمرور وإزالة كافة المظاهر السالبة والمخالفات، منوها إلى أن العمل سينتقل ليعم كل الأسواق بالمحلية.
مدير المخالفات بمحلية بحري الأستاذ منتصر الفاتح قال إن ازالة العشوائيات هدفت إلى محاربة الظواهر السالبة بالمحلية، حيث شملت محلات الشيشة والخمور بجوار جامعة بحري، بالإضافة إلى إزالة كافة التعديات على مصرف شمبات الغربي والمزاد والشعبية وإزالة الأكشاك في مدخل كبري الحلفايا لافتا إلى استمرار العمل في إزالة المخالفات والتعديات على المصارف.
الا ان هذه الحملات التي أبتدرت تنفيذها كل محليات الولاية عقب صدور القرار، لم تقابل الا بالاستهجان من قبل المتضررين، الذين أجمعوا على المطالبة بإيقاف الإزالة لحين توفيق أوضاعهم خاصة وأن هذه الأكشاك والمحال التجارية تعول آلاف الأسر وأنها مصدر عيشهم الوحيد مطالبين حكومة الولاية بتوفير البدائل مقابل إزالة مواقعهم التجارية.
المهندس صديق الأصم الخبير في تخطيط وتطوير المدن أكد أن قرارات سلطات ولاية الخرطوم بإزالة الأسواق والمواقف العشوائية هي مجرد إجراءات لا تندرج في خانة التخطيط تهدف لعلاج ظاهرة تمدد المواقف والأسواق وصعوبة الحركة، تلجأ إليها السلطات لمرحلة مؤقتة وتحميها بوجود الشرطة ومنظمين للاسواق ، لافتا إلى أن تخطيط المدن عملية مكتملة الأركان تستند إلى أسس علمية.
وعن وضع ولاية الخرطوم الحالي قال الأصم إن الخرطوم تفتقر للتخطيط العمراني وأن ما يحدث حاليا مجرد اجتهادات، مشيرا إلى إعداد خبراء التخطيط العمراني للعديد من المخططات التي ظلت حبيسة” الإدراج” ولم تنفذ لأسباب عديدة منها فقد العزيمة والإمكانيات والرغبة السياسية لتنفيذها، لافتا إلى أن ارتفاع عدد السكان بالخرطوم لا يعد نموا حقيقيا، إنما هجرات غير منظمة من الولايات القريبة والبعيدة بسبب غياب التنمية والتخطيط المتوازن والخدمات فيها، وأن ما يحدث يوميا، هجرة عكسية للخرطوم تؤثر على معدلات النمو السنوي لعدم أدراجها ضمن محددات النمو وبالتالي تؤثر على الخدمات.
ودعا الأصم الحكومة للقيام بمسؤولياتها بإعداد مخطط لمدينة الخرطوم تحت إشراف خبراء للتخطيط العمراني وذلك بتقسيمها إلى مخططات إستراتيجية طويلة الأمد ومخططات عاجلة والتي تشمل الإجراءات المتبعة حاليا من إزالة المواقف العشوائية و”الفريشة”وتعمل على توسيع الطرق وتغيير مسارات الطرق موضحا أهمية دراسة الطرق الموجودة الآن وتحديثها بتغيير الاتجاهات والمسارات لتيسير حركة المرور ولتفادي الازدحام والترهل وسط المدينة
ونبه سيادته إلى أن امتداد مدينة الخرطوم يصل إلى 150 كيلومتر مما تسبب في نقص الخدمات واستدعى بالتالي أخضاع الأمر للدراسات والتكثيف الحضري وضرورة الاستغلال الأمثل للمساحات وترك ثقافة (الحيشان الكبيرة) وتقليل نفقات الدولة على آلاف الكيلومترات من إمدادات المياه والكهرباء وتسبب في فشل الدولة إنشاء شبكات لتصريف مياه الأمطار والسيطرة على الجريمة ومكافحة الظواهر السالبة من الازدحام في مجمعات الخدمات والتفلت الأمني.
وعزا الأصم ذلك كله لسوء التخطيط وتركيز كافة الخدمات بولاية الخرطوم فقط لافتا إلى أهمية تنظيم العاصمة وتحقيق التنمية المتوازنة بكافة الولايات لإيقاف الهجرة للمدينة وتشجيع العودة الطوعية.